يوحي قرار الرئيس باراك أوباما سحب قسم من قواته من أفغانستان بأن اغتيال أسامة بن لادن سيجلب الأمن إلى أفغانستان. وأن «طالبان» أصابها الوهن ولم تعد قادرة على مواصلة حربها. لكن الواقع يؤكد أن الحركة ما زالت تسيطر على جزء كبير من البلاد. وتستطيع الوصول إلى كابول وتوسيع عملياتها لتشمل المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة حميد كارزاي. ما الذي دعا أوباما إلى اتخاذ قرار خفض القوات إذن؟ حقيقة الأمر أن الولاياتالمتحدة بدأت تهيئ الأرضية للانكفاء عسكرياً من أفغانستان والعراق، معتمدة على القوى المحلية في ملء الفراغ. على هذا الأساس خاضت مفاوضات مع «طالبان»، منذ فترة ليست بالقصيرة، وأرفقتها بمحادثات موازية مع باكستان التي ما زالت استخباراتها تسيطر على قادة الحركة وتوجههم، ومع داعمي الحركة من خارج جنوب غربي آسيا، كي يضغطوا عليها لتقبل بما تقدمه إليها واشنطن، بضمانة منهم ومن إسلام آباد. يذكر في هذا المجال أن كارزاي أكد قبل فترة قصيرة، بعد إجرائه محادثات مع المسؤولين الباكستانيين أن المفاوضات بين الحركة وأميركا «جيدة جداً». وفي بادرة حسن نية من الولاياتالمتحدة وبدفع منها اتخذ مجلس الأمن قراراً، قبل أسابيع، يفصل بين العقوبات المفروضة على «طالبان» وتلك المفروضة على «القاعدة» لتشجيع الأولى على الانضمام إلى الحكومة. بمعنى آخر، تسعى الولاياتالمتحدة إلى إعادة الدور الباكستاني في المنطقة، ويبدو أنها توصلت إلى تفاهم مع إسلام آباد على تفاصيل هذا الدور. هذا في جنوب غربي آسيا. أما في الشرق الأوسط، فالولاياتالمتحدة تستعد للانسحاب الكامل من العراق نهاية العام الجاري. استعداداتها تشمل الوضع الداخلي في العراق والوضع الإقليمي. داخلياً تحاول واشنطن إبعاد مؤيدي طهران عن الحكم ومركز القرار، أو تحييدهم على أقل تقدير، من هنا دعمها لإنشاء مجلس السياسات الخارجية وإعطائه صلاحيات واسعة كي يستطيع إبطال قرارات الحكومة التي تضم معادين لها، بينهم جماعة مقتدى الصدر. إقليمياً تصطدم واشنطن بعقبة أساسية تتمثل بسورية وإيران. وليس أمامها لتخطي هذه العقبة سوى الاعتماد على القوى المحلية. أي على مجلس التعاون الخليجي وتركيا ومصر. وما التحرك العسكري الخليجي في البحرين لمواجهة طهران سوى البداية لتولي الخليجيين العرب أمنهم بأنفسهم، وحماية منابع النفط. أما مصر فما زالت منكفئة على ذاتها تحاول بناء ما هدمته الطبقة الحاكمة المتهاوية الممسكة، حتى الآن، بمفاصل السلطة، وأظهرت ارتباكاً في سياستها الخارجية، إذ اندفعت السلطة الجديدة في القاهرة في البداية لاستعادة علاقاتها مع طهران والتنسيق مع دمشق ثم تراجعت. أما أنقرة فسارت، في الأشهر القليلة الماضية، خطوات بعيدة عن دمشق، منهية شهر عسل استمر سنوات وأحلاماً وصلت إلى حدود فتح البحار الأربعة على بعضها، وسياسة «صفر مشاكل» مع الجيران. وبدأت تتعاطى مع سورية كأنها ولاية عثمانية، مرة تطالبها بالإصلاح فوراً، ومرة تطلب منها طرد شقيق الرئيس ووضع حد للقتل، مكذبة النظام الذي يؤكد أنه يواجه عصابات مسلحة. وكان باستطاعتها أن تفعل كل ذلك من خلال مندوبين يلتقون المسؤولين السوريين. لكنها فضلت استخدام الإعلام بدلاً من الديبلوماسية، لتأكيد ابتعادها عنها، ولتهيئة شعبها وشعوب المنطقة للدور الجديد الذي ستضطلع به بعد الانسحاب الأميركي، مراهنة على تاريخها القديم. وفي خلفية المشهد، بعد الانكفاء الأميركي (وقبله) تحاول إسرائيل، بمساعدة واشنطن، تشكيل تحالف «رباعي»، على ما قال أحد جنرالاتها، لمواجهة المستجدات، إذا سقط النظام السوري أو عمت الفوضى بلاد الشام. جاء دور اللاعبين الإقليميين في جنوب غربي آسيا والشرق الأوسط، في غياب أي جهد عربي. وغداً سنلوم الشرق والغرب. ونلقي بأسباب تشرذمنا على مؤامرات الآخرين.