يستطيع الرئيس ياسر عرفات الحديث عن انجازات حققتها الانتفاضة، اظهرت عجز شارون عن الوفاء بوعوده الانتخابية بإعادة فرض الامن سريعاً. أكدت قدرة الفلسطينيين على تهديد العمق الاسرائيلي رداً على الممارسات الوحشية في الضفة الغربية وغزة، ضربت امن المستوطنات والمستوطنين وطرحت علامات استفهام حول مستقبلها ومستقبلهم. هزّت صورة الجيش الاسرائيلي الذي وجد نفسه في حرب لا يمكن حسمها، ألحقت خسائر فادحة باقتصاد الدولة العبرية. أفشلت محاولة شارون توظيف هجمات 11 ايلول سبتمبر لشطب عرفات والانتفاضة بذريعة مكافحة الارهاب وشطب القضية الفلسطينية من لائحة اهتمامات عالم ما بعد 11 ايلول. فرضت على الولاياتالمتحدة العودة الى لعب دور الاطفائي اذ لا يمكن للمرحلة الثانية من الحرب على الارهاب استهداف العراق على دوي حرب اسرائيلية - فلسطينية. هذا من دون ان ننسى قرار مجلس الامن الذي اتُخذ بمبادرة من واشنطن وتحدّث للمرة الاولى عن دولة فلسطينية. يستطيع الرئيس ياسر عرفات الحديث عن كل تلك الانجازات التي استلزمت تضحيات استثنائية قدّمها الشعب الفلسطيني. لكن السؤال هو عن طريقة توظيف تلك الانجازات للتعجيل في قيام الدولة الفلسطينية التي يقاتل الفلسطينيون من اجلها. في هذا السياق يتحتم على الرئيس الفلسطيني ان يفكر بالمواعيد المقتربة. هل يريد الذهاب الى القمة العربية في بيروت؟ وماذا يريد منها إن حضر؟ وماذا يريد إن غاب؟ هل يريد سلاحاً، كما يطالب الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله؟ أم يريد مشروعاً عربياً للسلام قادراً على اعادة اطلاق عملية التفاوض والحل استناداً الى المبادرة السعودية؟ هل يريد المشاركة في قمة بيروت؟ وماذا عن ثمن المغادرة الذي وضعه شارون وثمن العودة ايضاً؟ هل يريد لقاء نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني، واعادة فتح ابواب البيت الابيض امامه وماذا عن الثمن الذي حدده تشيني نفسه والمتمثل ببدء تطبيق خطة تينيت؟ يعرف ياسر عرفات انه سيكون الغائب الحاضر في قمة بيروت اذا تعذّر عليه الذهاب. وأن ظله في القاعة سيكون كبيراً اذا اختار الانتظار في الانتفاضة والحرب المفتوحة مع الاسرائيليين. ويعرف في الوقت نفسه ان حضوره سيكون اقل وهجاً لو اختار الذهاب الى بيروت من نافذة وقف النار الذي يحاول الجنرال زيني ترتيبه. ويعرف الرئيس الفلسطيني ان المطلب المشترك لزيني وتشيني وشارون هو رجوعه من الانتفاضة التي اندلعت قبل 17 شهراً. وان الرجوع من الانتفاضة ينقل معركته من خانة القدرة على مواجهة شارون الى امتحان القدرة على الامساك مجدداً ب"البيت الفلسطيني" واعادة ترتيبه. ومهمة اعادة ترتيب البيت الفلسطيني ليست سهلة، فهي تعني وقف النار واعتقال من يخرق الاتفاق. ووقف العمليات الاستشهادية وتفكيك الشبكات التي تخطط لتنفيذها. وترويض "حماس" و"الجهاد" و"الشعبية" وبعض "كتائب الاقصى" مع احتمال ان يستلزم الترويض مواجهات دامية وجنازات فلسطينية يسببها رصاص فلسطيني. وكل ذلك مع بقاء شارون في الحكم وغياب بديل اسرائيلي من قماشة اسحق رابين يصلح شريكاً كما يحلو لعرفات ان يقول. بين الطريق الى بيروت وثمن فتحها والطريق الى موعد مع تشيني وثمن فتح ابواب البيت الابيض يبدو عرفات امام مفترق طرق. فبين احصاء انجازات الانتفاضة وسلوك طريق "الواقعية" نحو الدولة مسافة تستلزم قرارات صعبة ومؤلمة.