تتكامل انسانية الانسان، وترتقي روحه وتتكامل وتتوازن، ويرتقي طموحه ويسمو ويحس بقيمة حياته وجهده، حين لا يعيش أنانياً لنفسه فقط، بل يعيش لرسالة سامية، غالية الثمن، يعيش لهم وأمر آخر اعظم وأجل، يكبر ويعظم نفعه ويعم. ويكبر بعدُ نظر أصحابه، وتفانيهم في خدمة قضيتهم الاسلامية العادلة التي لا ينبغي ان تتزعزع ثقتهم فيها، او يفتر حماسهم وتصميمهم على البلوغ بها الى نهايتها المأمولة التي تعيد الحقوق الى اصحابها، وفي مقدمها حق الاسلام في ان يُحترم، وان يعلّم ويُتعلّم، وأن يُدعى اليه بحرية، وان يحترم دعاته من الرجال والنساء، وأن تحترم المؤسسات الفكرية والتربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تقام لخدمة ذلك. ولكن الحصار الذي ضربته اميركا المتغطرسة هذه الأيام على مؤسسات المسلمين، من مصارف وجمعيات خيرية إغاثية ومصادر رزق ملك للمؤمنين، بأعذار أوهن من بيت العنكبوت، يجعل الحليم حيران. وكما لا يخفى علينا، نحن المسلمين، يجبرنا ديننا على الإحسان ليس فقط لأهل الكتاب بل الإحسان للآخر - مهما كان هذا الآخر - والتفكير في حاضر الأمة ومستقبلها ومصيرها. هذا التكليف الرباني لنا له تأثير مدهش في انشراح الصدور، والارتفاع بانسانية الانسان الى الحد الذي يحس فيه انه مسؤول عن الانسان أينما كان، وعن النوع البشري كله، مهما كانت اجناسه وشرائعه ومواطن وجوده في الارض. وعن شعبنا في فلسطين فلن نجد عند المعاصرين أبلغ مما قاله العلامة الشيخ البشير الابراهيمي - عليه سحائب الرحمة - حيث كتب يقول سنة 1948 جريدة "البصائر" عدد 53: "ليت شعري! هل أتى عباد الفلس والطين، ما حل ببني أبيهم في فلسطين؟ أيها العرب، لا عيد، حتى تنفذوا في صهيون الوعيد، وتنجروا لفلسطين المواعيد، ولا نحر، حتى تقذفوا بصهيون في البحر. أيها المسلمون، لا أضحى حتى يظمأ صهيون في أرض فلسطين ويضحى. فحرام ان تنعموا وشعبكم في فلسطين يقتل". صحيح أن المرء يكون أحياناً في حيرة في أمره، أمام تعدد الاكراهات وتنوعها. لكن ذلك كله يجب الا ينسينا بأي حال من الأحوال اننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن ماذا قدمنا لقضيتنا؟ وعن ماذا قدمنا لهذا الاسلام العزيز، الذي نتشرف بالانتماء اليه. تتقضانا افغانستانوفلسطين ودول العالم الاسلامي المستضعفة أن نحزن لمحنتها، ونغتم بقضيتها ونهتم. اذ ليس لها بعد الله الا من يحب حقاً، ويعمل حقاً من اجل تخليصها ممن يستنزفون قواها البشرية والمادية بلا هوادة. يتقاضانا دم شعوبنا المهدور ان نثور ونبادر الى رد الاعتبار لهذه الشعوب الأبية التي شوهت نظم دولها العربية. تتقاضانا الأيامى والثكالى والأيتام في أفغانستانوفلسطين والشيشان وغيرهم، ان نعيد الاعتبار لهم، على رغم شراسة العدوان وغدر "الاخوان"، وتواطؤ الكيد العالمي. ويتقاضانا الشهداء الذين حصدتهم المقنبلات الغربية، كما يتقضانا المجاهدون المخلصون المشردون في الفيافي، أبدانهم للسوافي، وأشلاؤهم للعوافي، ان نكون اوفياء للعهد، وان لا نخون قضايانا العادلة في مقابل دراهم معدودة وسلطة زائفة، وان ننأى بها عن اسواق المزاد العلني التي دخلها كثير من التجار، وسماسرة القضايا والمبادئ. يتقاضانا كل هؤلاء، ان لا ننعم حتى ينعموا، وأن لا نطمئن حتى يفرحوا بنصر الله، وبعودة الحقوق الى اهلها في عزة. جنيف - محمد مصطفى حابس عضو مجلس الشورى الوطني للجبهة الاسلامية للإنقاذ