مجيء خمسة طلاب جامعيين أميركيين الى لبنان للتجوال في مخيماته الفلسطينية وعقد لقاءات مع طلاب لبنانيين، بعضهم ينتمي الى "حزب الله" وآخرون الى الحزب الشيوعي، ليس حدثاً عادياً، وقد تُنسج من حوله تحليلات كثيرة. لكن دافعهم بسيط هو معرفة الآخر خصوصاً بعد احداث 11 ايلول سبتمبر، والبحث عن اجابات لأسئلة طرحت في الولاياتالمتحدة ولم تجد ردوداً شافية. وأبرز الاسئلة: لماذا يكرهنا العرب؟ الطالبتان توري هوغان 19 سنة ودانيال سكواريز 21 سنة والطلاب جون لوشنير 22 سنة وعبدالله العريان من أصل فلسطيني - 21 سنة ويوسف البلوشي من اصل بحريني - 21 سنة أتوا الى بيروت للمرة الأولى في حياتهم وبعضهم يزور الشرق الاوسط للمرة الأولى ايضاً بعدما خاضوا جدلاً طويلاً مع ادارة جامعتهم ديوك لاقناعها بتغطية كلفة سفرهم الباهظة الى مدينة ترتبط في ذهن الاميركيين بالحرب الاهلية وبالتوتر السائد في الشرق الاوسط. كل واحد منهم يتابع اختصاصاً مختلفاً عن الآخر، لكن جمعهم صف واحد درسوا فيه الأدب العربي الحديث تعطيه لهم البروفسورة ميريام كوك التي عايشت بضع سنوات الحرب اللبنانية وبقيت على التصاق بلبنان ودول عربية عدة تعود اليها بين الحين والآخر. فعلمت عشقها للرواية العربية، من خلال نجيب محفوظ ويحيى حقي ونساء ادبيات امثال حنان الشيخ ونوال السعداوي، الى طلابها، وحملت اليهم أفلاماً وثائقية وأخرى تحكي عن الحرب في بيروت، فزرعت فيهم رغبة بالتعرف الى هذه المدينة وزادتها احداث ايلول، فوضعوا مشاريع دراسية على علاقة باختصاصاتهم لتطبيقها ميدانياً في لبنان ونجحوا في نيل الموافقة عليها، لكن بقي قلق الأهل على سلامة ابنائهم... ومع ذلك جاؤوا. كانوا جالوا في مخيم شاتيلا والتقوا اطفالاً وفتية ثم انضموا ظهراً الى يوم فلسطيني طويل يقيمه نادي طلبة فلسطين في جامعة بيروت العربية سنوياً، حين التقتهم "الحياة" في حرم الجامعة يتفرّسون في صور لضحايا الاعتداءات الاسرائىلية ضد الشعب الفلسطيني في الداخل، وقد لفوا اعناقهم بكوفيات وراحوا ينصتون الى القرب التي تنفخ الأفواه في جيوبها الألحان التراثية. بدوا متأثرين بما سمعوه وشاهدوه. قالت توري: "اختصاصي تنمية الطفولة في الدول النامية وأهتم بالعمل مع الاطفال في مخيمات اللاجئين، عملت مع اطفال لاجئين من بورما في الولاياتالمتحدة، لكنها المرة الاولى التي ازور فيها مخيماً للاجئين الفلسطينيين. هنا الاطفال شديدو الذكاء وأقوياء ويتمتعون بنضوج كبير المقارنة مع اعمارهم. انا متأثرة جداً، وأشعر بالأسف لأنه لم تكن لدي ادنى فكرة مسبقة عما سأراه". وتضيف: "قبل 11 أيلول لم تكن لدي اي خلفية عن واقع الشرق الاوسط، كانت الاحداث حافزاً لي للبحث لئلا اكون اميركية جاهلة. كنت استقي معلوماتي في السابق مما يقدمه الاعلام عندنا، حتى والداي اللذان اعتادا على سفري الى الصين وروسيا وأفريقيا لم يتقبلا فكرة مجيئي الى لبنان. اصابهما التوتر على خلفية ما يسمعونه في اميركا عن الوضع في الشرق الاوسط".وتقول توري ان رفاقها في الجامعة استنكروا مجيئها الى بيروت وحذروها من ان تقتل "ومن اشياء سخيفة اخرى غير منطقية لكنني احببت هنا كل شيء احببت الناس الودودين والأكل وسأعود بكل انطباعاتي الى مجتمعي لأخبره عنكم". تحاول دانيال التي تدرس الحضارات تسجيل بعض ملاحظاتها بلغة عربية ركيكة، فهي تدرسها في جامعتها بعدما تأثرت برواياتي نجيب محفوظ وحنان الشيخ المترجمين تقول: "على رغم ان جامعتي من الجامعات المعروفة بمستواها الا ان معظم الطلاب فيها لا يعرفون اين يقع لبنان، قد يعرفون اسم بيروت لأنه مرتبط عندهم بالحرب والقتال في الشرق الاوسط، بعد 11 ايلول احببت التعرف اكثر على هذه المدينة، اردت من خلال مشروعي "طالب يتعلم من طلاب آخرين"، ان اتعلم اكثر عن طلاب لبنان، جئت ابحث لماذا يكرهنا العرب كما يقولون في الولاياتالمتحدة، لكنني وجدت ان الامر ليس صحيحاً. طلاب مخيم شاتيلا قالوا لي اليوم انهم يفرّقون بين الشعب الأميركي وبين السياسة الأميركية، ويمكنني القول ان الشعب الأميركي لا يستطيع التفريق بين هذين الأمرين بعض الاحيان. اراني سعيدة لأن أجد طلاباً ليسوا ضد كل الشعب الأميركي. اعتقد ان المشكلة بعد 11 ايلول اننا نكره العرب لأننا لا نعرفهم، ولا نستطيع ان نحبهم اذا كنا لا نعرفهم، ومعظم الناس عندنا يفكرون انهم لا يمكنهم ان يحبونكم الا اذا قمتم بشيء جيد". ما خرجت به دانيال من انطباعات خلال لقاءاتها: "ان الطلاب هنا يتمتعون بنضوج غير عادي وهم متعلمون مثلنا ومهتمون في شرح ما يعانونه، وبسؤالنا ماذا يمكننا ان نفعل من اجلهم ونحن لن نخذل جامعتنا ولن نخذلكم". جون الذي يدرس اللغة العربية سبق ان عاش في مصر لأشهر عدة ولديه اصدقاء عرب كثر، ساعدوه على فهم ما حصل في 11 ايلول، اذ يقول: "اعتقد ان السياسة الاميركية الخارجية هي وراء ما حصل، لكن الاميركيين لا يعرفون ذلك، اعتقد ان الادارة الاميركية التي تدعو الى العدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تدعم في الوقت نفسه نظاماً مثل نظام اسرائىل ولا تدعم الفلسطينيين ومن الصعب علي ان افهم هذه الازدواجية". قبيل سفره واجه جون اعتراضات من رفاقه الذين "يعتقدون ان لبنان بلد صحراوي تعيش فيه الجمال ويتقاتل اهله". ويعتقد انه حين يعود الى الولاياتالمتحدة "سيبدأ من الصفر معهم". لا حاجة مع عبدالله الى الكلام باللغة الانكليزية على رغم انه يبذل جهوداً للتعبير بكلمات عربية سليمة عن انطباعاته عن لبنان، يقول ان رفاقه الاميركيين الذين جاء برفقتهم الى بيروت يختلفون عن بقية الطلاب الاميركيين في جامعته، فهؤلاء لديهم رغبة بالتعرف الى الآخر وعندهم محبة للعرب من خلال صداقاتهم معنا نحن الطلاب العرب في الولاياتالمتحدة. فالآخرون يجهلون عنا كل شيء والدعاية الصهيونية تسهم في تشويه صورتنا، وقد فعلت ذلك بوالدي الاستاذ الجامعي الذي حاول من خلال ظهوره عبر وسائل الاعلام اعطاء فكرة اخرى عن العرب فحاربوه وهو يعاني مشكلة في الجامعة التي يدرِّس فيها، جامعة جنوبفلوريدا، كما انني اعاني المشكلة ذاتها خصوصاً انني اكتب عن القضية الفلسطينية في صحيفة الجامعة، وتعرضت لهجوم وتهديدات وتشويه لسمعتي من خلال تهمة بسيطة ان يقال عني انني ارهابي". ويعتقد ان مهمة تعريف الاميركيين على العرب "مهمة صعبة، بسبب الجهل، فالاعلام الاميركي احادي الجانب لمصلحة اسرائىل".