حذر البنك الدولي في تقرير أمس من أن تأخر انتعاش اقتصادات الاتحاد الأوروبي عن الاقتصاد الأميركي واقتصادات دول شرق آسيا واستمرار الغموض المرتبط بالحرب الدائرة على الارهاب، سيستنزفان فوائض الحسابات الجارية للدول العربية المصدرة للنفط ويفاقما العجوزات المالية لعدد آخر من مجموعة الدول العربية التي ستتراجع معدلات نمو نواتجها المحلية العام الجاري وللعام الثاني على التوالي بسبب الركود الاقتصادي وتداعيات أحداث 11 أيلول سبتمبر في أميركا. وبلغ حجم تراجع الفوائض في 8 دول نفطية خليجية نحو 19 بليون دولار. أعلن البنك الدولي في تقرير "التمويل الانمائي العالمي" الذي يصدره سنويا ويعنى بالتمويل الخارجي للدول النامية أن فوائض الحسابات الجارية لثماني دول مصدرة للنفط السعودية والامارات والكويت وايران وعمان وقطر واليمن والبحرين، انخفضت من 59 بليون دولار سنة 2000 الى 40 بليونا سنة 2001 مسجلة تراجعاً بنسبة تزيد على 32 في المئة، لكنها تواجه احتمال الانكماش الى ستة بلايين دولار فقط العام الجاري ما سيعني تعرضها لانخفاض بنسبة 85 في المئة. وتوقع معدو التقرير أن يستمر تأثر الدول المصدرة للنفط سلباً بهبوط الطلب العالمي السنة الجارية التي شهدت فترتها الأولى انخفاض متوسط أسعار النفط الى ما دون مستوى 20 دولاراً للبرميل، ما أدى الى "تآكل" فوائض الحسابات الجارية الكبيرة والدعم الذي تلقته العوائد النفطية عامي 1999 و2000. كما توقعوا أن تعمل خفوضات الحصص الانتاجية المستمرة في اطار منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك على تقليص امكانات النمو في النواتج المحلية لبعض هذه الدول. وكانت تطورات العام الماضي ممثلة في هبوط الطلب العالمي على النفط وتراجع أسعاره العالمية بنسبة 14 في المئة من 24 - 40 الى 20 - 28 دولاراً بين السنة ألفين وسنة 2001 علاوة على بدء الخفوضات الانتاجية، دفع متوسط نمو النواتج المحلية للدول المصدرة للنفط من 3.6 في المئة عام 2000 الى 2.5 في المئة عام 2001، لكن البنك الدولي يتوقع الآن أن يواصل معدل النمو انخفاضه السنة الجارية ليصل الى 2.2 في المئة ما لم يحدث تحسن ملموس في أسعار النفط قبل نهاية السنة. وتأثرت الدول المصدرة للنفط خصوصاً من مستويات أسعار "سلة أوبك" التي انخفضت العام الماضي بنسبة 16 في المئة، وعلى رغم تحسنها في الآونة الأخيرة لتناهز 20 دولارا للبرميل الا أن المتوسط الذي سجلته في الفترة الممتدة من بداية كانون الثاني يناير الى نهاية شباط فبراير من السنة الجارية بلغ 62.18 دولار للبرميل مقارنة بمستوى 11.23 دولار سنة 2001 و27.55 دولار سنة 2000. ولفت التقرير الى أن عجوزات الموازنات المالية للدول المصدرة للنفط التي تقلصت الى الصفر أو تحولت الى فوائض في كثير من هذه الدول كنتيجة لتحسن أسعار النفط في الفترة 1999 - 2000، عادت وتدهورت قليلاً بسبب تراجع العائدات النفطية العام الماضي ويحتمل أن تستمر بالتدهور في المدى القصير. السعودية وذكر على سبيل المثال أن السعودية تتوقع أن تعاني موازنتها المالية للسنة الجارية من عجز يراوح بين 6 و7 بلايين دولار بعدما حققت فائضا بقيمة مماثلة سنة 2000. لكن البنك الدولي لاحظ أن الوضع المالي للدول المصدرة للنفط بقي ايجابيا على رغم انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي العام الماضي، مشيراً الى أن الدول ذات الدخل المتوسط مثل السعودية والجزائر وايران عملت على خفض الدين العام وزيادة احتياط العملات الصعبة واستمرت في تطبيق سياسات ترشيد الانفاق العام. وتأثرت الدول العربية ذات الصادرات المتنوعة مصر والأردن والمغرب وسورية وتونس بهبوط الاقتصاد العالمي، لا سيما تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو، وتداعيات أحداث 11 أيلول سبتمبر السلبية على القطاعات السياحية والخدمية وأسعار التأمين ما أدى ليس الى مضاعفة عجوزات الحسابات الجارية لهذه الدول لتصل الى بليوني دولار السنة الماضية وحسب، بل وقد تؤدي الى تفاقم أوضاع الحسابات الجارية السنة الجارية. كذلك ساهمت العوامل المشار اليها الى جانب عوامل داخلية مثل استمرار العجز المزدوج في الحساب الجاري والموازنة المالية في مصر، الى تراجع نمو النواتج المحلية لمجموعة الدول العربية ذات الصادرات المتنوعة من 7.3 في المئة سنة 2000 الى 6.3 في المئة وأقل من 3 في المئة في حال مصر سنة 2001. وفي المحصلة انخفض متوسط معدلات نمو النواتج المحلية للدول العربية وايران من 4.2 في المئة سنة 2000 الى 3.1 في المئة العام الماضي، ومن المتوقع، حسب تقرير البنك الدولي، أن يتابع انخفاضه ليصل الى 7.2 في المئة السنة الجارية لكنه سيبدأ في استعادة حيويته مع انتعاش الاقتصاد العالمي أواخر السنة الجارية وبداية السنة المقبلة، وتلاشي آثار أحداث 11 أيلول على السياحة في المنطقة ليرتفع الى 3.3 في المئة سنة 2003. تدفقات مالية وفي مقابل تراجع معدلات النمو وفوائض الحسابات الجارية ارتفع اجمالي التدفقات المالية ومن ضمنها الاستثمارات الدولية المباشرة الى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 26 في المئة العام الماضي ما يعادل زيادة فعلية بمقدار 7.2 بليون دولار معوضاً بالكامل الانخفاض الحاد الذي سجله سنة 2000 لكنه جاء أقل قليلا من المستوى الذي كان قد بلغه عام 1999 وهو 14 بليون دولار. وأشار البنك الدولي الى أن التمويلات التجارية استمرت في تبوء مرتبة مهيمنة في تشكيلة التدفقات المالية اذ ارتفعت بمقدار 165 مليون دولار على عام 2000 وبلغت قيمتها الاجمالية 7.7 بليون دولار. وجاءت هذه الزيادة الصغيرة نسبيا على رغم تراجع تدفقات التمويلات التجارية الى الدول النامية لتعكس ما وصفه التقرير ب"الميزات الفريدة" للاقتصادات النفطية. وشملت الدول الرئيسية المتلقية مصر وايران وعمان والسعودية. وسجلت اصدارات السندات زيادة أكبر اذ قفزت من 2.9 بليون دولار عام 2000 الى 5.3 بليون دولار سنة 2001 نتيجة لرغبة الدول العربية الأربع المتاح لها الوصول الى أسواق رأس المال في الوقت الراهن مصر ولبنان والمغرب وتونس في الاستفادة من انحسار مخاوف المستثمرين الدوليين وتراجع علاوة المخاطر أواخر العام الماضي وبداية السنة الجارية بعدما ارتفعت الى 700 نقطة أساس بسبب التأزم الناجم عن "الحرب على الارهاب". وحسب تقرير البنك الدولي توزعت اصدارات السندات العام الماضي بين لبنان الذي أصدر 3.1 بليون دولار من السندات المقومة باليورو على رغم بقاء الهامش الاضافي مرتفعا بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى بسبب استمرار ارتفاع الدين العام الى مستويات عالية جدا، وكذلك مصر التي أصدرت سندات بقيمة 1.5 بليون دولار إثر تراجع هامشها بمقدار 150 نقطة اساس وتونس 460 مليون دولار. وتوقع البنك الدولي استمرار انحسار مخاوف المستثمرين الدوليين ازاء المنطقة السنة الجارية مع اتضاح مؤشرات الانتعاش الاقتصادي في أميركا وبلدان شرق آسيا، وتوافر التمويل في الدول الصناعية حيث سجلت السيولة ارتفاعا كبيرا في مناخ تسيطر عليه أسعار الفائدة المنخفضة. وخرجت الأسهم العربية الخاسر الأكبر السنة الماضية اذ حصلت على استثمارات دولية بمبلغ لا يتجاوز سبعة ملايين دولار مقابل 375 مليونا عام 2000 و720 مليونا عام 1997، إلا أن وضع المنطقة العربية وأسهمها لم يكن أسوأ من الوضع العالمي حيث انخفضت الاستثمارات في الأسواق الدولية بنسبة 75 في المئة بسبب قلق المستثمرين من انخفاض أرباح الشركات وربحية أسهمها. وانفردت الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على المنطقة العربية بأكبر زيادة بين التدفقات المالية اذ ارتفعت قيمتها من 1.2 بليون دولار سنة 2000 الى 2.6 بليون دولار السنة الماضية، وحققت السعودية وللمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام تدفقات ايجابية بلغت بليون دولار كما حققت البحرينولبنان وسورية زيادات ملحوظة في قيمة الاستثمارات المباشرة، بينما أدى تراجع عمليات التخصيص الى انخفاض هذه الاستثمارات بحدة بالنسبة لمصر وتونس والأردن.