أكد البنك الدولي توافر الظروف المناسبة لتجاوز التباطؤ الراهن في الاقتصاد العالمي مبكراً وتحقيق انتعاش ملموس بحلول نهاية السنة الجارية ونمو معتدل في السنة المقبلة، ورصد في الوقت نفسه آفاقاً واعدة للإقتصادات النامية في المدى المتوسط على رغم احتمال حدوث بعض التراجع هذه السنة، فيما تحقق الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدماً طفيفاً وتحتفظ الدول المصدرة للنفط منها بمعدل النمو المسجل في العام الماضي من دون تغيير. أفاد تقرير جديد أصدره البنك الدولي امس أن إجمالي الناتج المحلي العالمي يمكن أن يحقق نمواً بنسبة 2.2 في المئة سنة 2001 ويتابع تحسنه ليسجل نمواً بنسبة 3.3 في المئة سنة 2002. وفيما يتراجع متوسط معدلات النمو في البلدان النامية إلى 4.2 في المئة سنة 2001، يتوقع أن يرتفع متوسط نسب النمو في الدول العربية من 3.2 في المئة العام الماضي إلى 3.9 في المئة السنة الجارية. وعزا التقرير التباطؤ الراهن في دورة الاقتصاد العالمي التي بدأت في النصف الثاني من العام الماضي إلى ارتفاع أسعار الفائدة والنفط في الفصول السابقة. ولفت مع ذلك إلى أن انهيار الثقة في أسواق المال الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر وفقدان الاقتصاد الأميركي زخمه بشكل مفاجئ ساهما في تسارع وتيرة التباطؤ في الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن التحول المفاجئ في مزاج أسواق المال قدم دليلاً جديداً على مدى التفاعل المتبادل بين هذه الأسواق والديناميات القصيرة الأجل للانتاج والتجارة. إنتعاش مبكر لكن اقتصاديي البنك الدولي أكدوا في المقابل أن اعتدال نسب التضخم وتراخي أسعار النفط في الوقت الراهن علاوة على التحسن الكبير الذي طرأ على الموازنات المالية في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومساهمة التكنولوجيا في تسريع معدلات نمو الانتاجية وتقصير الفترة الزمنية لدورة الاقتصاد، تمنح جميعها صناع القرار مجالاً كي تستخدم أدوات اعادة التوازن، لا سيما خفض أسعار الفائدة الأساسية، لتحقيق انتعاش مبكر. وقال يوري دادوش، مدير المجموعة المختصة بالسياسات والآفاق الاقتصادية في البنك الدولي مقارناً بين احتمال تمادي التباطؤ الراهن وحدوث الانتعاش المأمول: "من الأرجح حدوث انتعاش مبكر من التباطؤ الراهن أكثر من استمرار حال النمو البطيء بسبب الظروف المواتية للتكنولوجيا والانتاجية التي يستند اليها النمو وتزايد الجهود المبذولة على صعيد سياسات التكييف مثل خفض أسعار الفائدة والضرائب". وأشار التقرير الى أن الاقتصادات الرئيسية، الأميركية والأوروبية واليابانية، ستشهد تراجعاً في معدلات النمو السنة الجارية لكنها ستحقق انتعاشاً بدرجات متفاوته في العام المقبل وذكر ان "الاقتصادات الثلاثة ستحقق أداء ضعيفاً في المدى القصير وانتعاشاً سريعاً الى حد ما بنهاية السنة الجارية وبداية السنة المقبلة. وفيما يرجح أن يظهر الاقتصاد الأوروبي مرونة كبيرة في التكيف مع التباطؤ الاقتصادي عاد الاقتصاد الياباني الى معدلات النمو الضعيفة وتزايد احتمالات تعرضه للانكماش". وأكد البنك في تقريره السنوي أن آفاق النمو في البلدان النامية ستعتمد الى حد كبير على أداء الاقتصادات المشار اليها متوقعاً أن تكون للتباطؤ الراهن آثار متباينة على هذه البلدان وأن يؤدي الى احداث مخاطر وفرص استثمارية على حد سواء. لكن دادوش الذي تعد مجموعة السياسات والآفاق الاقتصادية التي يرأسها تقرير التمويل الانمائي العالمي حذر قائلاً: "لا يزال من المحتمل حدوث تباطؤ أشد في بلدان العالم الصناعي، وستكون عواقبه وخيمة على عدد من البلدان النامية". وخلص التقرير الى جملة من الاستنتاجات حول طبيعة التباطؤ الراهن وآثاره المتوقعة على البلدان النامية أهمها أن تفاقم وضع التباطؤ قليلاً يمكن أن يفرز تحديات جدية لبعض البلدان النامية المعتمدة على صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مثل ماليزيا والفيليبين وفي درجة أقل كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند، مشيرين الى أن هذه البلدان تأثرت على الفور بالانخفاض الحاد الذي سجله استيراد الولاياتالمتحدة أشباه الموصلات والمنتجات الأخرى ذات التكنولوجيا العالية. وذكر معدو التقرير في استنتاجاتهم أن الأزمة المالية الراهنة في تركيا والأرجنتين نتجت في الحالين كلتيهما عن عوامل محلية الى حد بعيد لكنها تفاقمت عندما تدهور المناخ الخارجي. وتوقعوا أن تعاني تركيا من انكماش حاد في الانتاجية في السنة الجارية وتسجل في السنة المقبلة انتعاشاً قوياً بفعل تزايد التنافسية وعودة الثقة الى المستثمرين بعد تبني سياسات جديدة ووضعها موضع التطبيق. وأيضاً في اطار الاستنتاجات لفت التقرير الى أن تزايد التباطؤ في الولاياتالمتحدة سيصاحبه في الغالب انخفاض أسعار الفائدة وضعف أسعار صرف الدولار وتقلص عجز الحساب الجاري مشيراً الى أن انخفاض أسعار الفائدة سيخفف من أعباء الدول النامية في خدمة الدين فيما سيلعب ضعف العملة الأميركية لصالح الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار وكذلك الدول التي تصدر السلع غير النفطية لا سيما الدول الأفريقية. ومن المنتظر حسب تقرير البنك الدولي أن يبلغ متوسط معدلات النمو في البلدان النامية السنة الجارية 4,2 في المئة مسجلا انخفاضاً بمقدار يناهز نقطة مئوية كاملة مقارنة بالعام الماضي لكنه يزيد قليلاً عن متوسط النمو في التسعينات. وتتحقق أعلى معدلات النمو المتوقعة في منطقة شرق آسيا وجزر المحيط الهادئ 5.5 في المئة وأدناها في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى 2.3 في المئة. كما من المنتظر استمرار الانتعاش سنة 2002 اذ من المتوقع أن يرتفع متوسط معدلات النمو الى 4.9 في المئة. الدول العربية وأفاد التقرير أن ارتفاع أسعار النفط ساهم في نمو الناتج المحلي للدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 3.4 في المئة عام 2000 الا أن تراجع الأسعار والانتاج سيحرمها من تجاوز هذه النسبة في السنة الجارية مع احتمال حدوث انخفاضات ملموسة في الفوائض الكبيرة التي حققتها حساباتها الجارية العام الماضي. وأشار الى أن البرامج الاستثمارية وعمليات التنقيب والانتاج الجديدة ستعوض الدول النفطية عن خفض الانتاج بموجب قرارات منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك. وتوقع التقرير أن تتجاوز الدول العربية الأخرى آثار الجفاف الذي أصاب قطاعاتها الزراعية العام الماضي ما سيسمح لها بتحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 4,7 في المئة في الفترة من سنة 2000 الى 2003 مقارنة بنسبة لم تتعد 3.2 في المئة العام الماضي، لكن التقرير لفت الى احتمال تفاقم أزمات الحسابات الجارية والموازين المالية مشيراً الى أن التباطؤ الراهن في الاقتصاد العالمي سيجعل من الصعب تحقيق زيادات كبيرة في عوائد الصادرات والسياحة وتحويلات العمال. ولاحظ البنك الدولي في تقريره السنوي أن التدفقات المالية الدولية الى البلدان النامية بقيت متقلبة على رغم تحسن الأهلية الائتمانية لبعض هذه البلدان. وأشار الى أن تدفق التمويلات الأجنبية المباشرة الذي اتسم بالمرونة ابان سنوات الآزمة الآسيوية انحسر العام الماضي بشكل طفيف فيما شهدت التدفقات الرأسمالية، لاسيما الاستثمار في السندات والاستثمارات السهمية والقروض المصرفية ارتفاعا حذراً، ما أبقاها دون مستوى الذروة الذي سجلته عام 1997. وعزا التقرير انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة العام الماضي الى تباطؤ عمليات التمويل الدولي لمشاريع التخصيص في منطقة أميركا الجنوبية وعمليات الدمج والتملك في منطقة شرق آسيا وذكر على الصعيد نفسه أن التدفقات الرأسمالية فشلت في مواكبة النمو المحقق في الانتاجية والتجارة. لكنه لفت الى أن السبب في ذلك يعود ضمنيا الى انخفاض اعتماد معظم البلدان النامية على الديون الخارجية، وعلى وجه الخصوص "تراجع الديون القصيرة الأجل وتحسن وضع الاحتياطات الدولية وخدمة الديون الخارجية". وأعرب البنك الدولي عن اعتقاده بأن التدفقات المالية الدولية مؤهلة "لتشجيع النمو الاقتصادي وخفض الفقر أكثر مما كان متوقعاً في أعقاب تفجر الأزمة المالية في شرق آسيا وامتدادها الى الأسواق الناشئة الأخرى" وحض على بذل جهود دولية ومحلية لزيادة حجم التدفقات المالية واعادة توجيهها الى "البلدان النامية القادرة على استخدامها بفاعلية شديدة" مؤكداً أن البلدان التي تعمل على تهيئة مناخ مؤات للاستثمار ستحقق أفضل النتائج. وقال نيكولاس ستيرن النائب الأول لرئيس البنك الدولي رئيس الخبراء الاقتصاديين: "تضخمت الأزمات المالية في أواخر التسعينات بتقلب التدفقات المالية، وفي حين أن المخاطر المرتبطة بهذه التقلبات هي بالغة الأهمية" لكن من المؤكد أن "بإمكان التدفقات الرأسمالية في المدى المتوسط تعزيز النمو وخفض أعداد الفقراء في البلدان النامية التي تتبنى مناخاً استثمارياً متيناً ومنفتحاً".