} قال تقرير عن اداء الاقتصاد السعودي عام 1999 وتوقعات سنة 2000، أعده مكتب رئيس الدائرة الاقتصادية في "البنك السعودي الاميركي"، إن أسعار النفط المرتفعة حددت ابرز ملامح الاقتصاد السعودي عام 1999، إذ أدى الاتجاه التصاعدي في الاسعار الى وضع الامور في نصابها بعد التراجع الذي كان شهده الاقتصاد السعودي في العامين المنصرمين. "الحياة" تنشر بعض ما جاء في التقرير في ثلاثة أجزاء. كان أبرز تطورات الاقتصاد السعودي لعام 1999 أسعار النفط المرتفعة، إذ كان الاتجاه التصاعدي في أسعار النفط عالمياً بين كانون الثاني يناير وكانون الأول ديسمبر 1999 كاسحاً بمعنى الكلمة. وتراوحت أسعار النفط السعودي في حدود 9 دولارات للبرميل في كانون الثاني، في حين رجحت كافة التوقعات استمرار انخفاضها إلى خمسة دولارات في نهاية العام وليس العكس، أي ارتفاعها حتى 23 دولاراً مخالفة التوقعات. وبلغ متوسط سعر سلة النفط السعودي خلال العام 5.17 دولار. وكانت موجة من المضاربات على الريال اجتاحت أسواق العملات في كانون الأول، اثر إشاعة بخفض قيمته، وبأن النمو في اجمالي الناتج المحلي بشقيه الاسمي والفعلي سيكون سالباً، وبأن العجز في ميزان الحساب الجاري سيرتفع من 13 بليون دولار إلى 16 بليوناً. لكن ذلك كله تغير بصورة جذرية بمرور العام الذي انتهى مؤذناً بنقلة في الاقتصاد السعودي من مسار تراجع إلى ازدهار. واجمالاً، سجل الاقتصاد السعودي بنهاية العام نسبة للارتفاع في أسعار النفط نمواً في اجمالي الناتج المحلي الاسمي بلغ 1.8 في المئة، ما أتاح زيادة الانفاق الحكومي وخفض العجز في موازنة الدولة وتقليص العجز في الحساب الجاري إلى أربعة بلايين دولار. وتلاشت نتيجة لذلك ضغوط المضاربة على الريال السعودي في أسواق العملات. وعلى رغم ذلك، تظل هناك جهود مطلوبة لوضع المملكة العربية السعودية في المسار الثابت للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي، مع أنه تم انجاز الكثير لبلوغ هذه الغاية. وإذا كانت أسعار النفط هي أبرز ملامح عام 1999، فإن سنة 2000 ستؤذن ببداية تغير وتحول ايجابي في مسار هذا الاقتصاد. وتظل أهمية النفط حيوية للاقتصاد السعودية، ونتوقع ان تحافظ أسعاره على تماسكها خلال السنة الجارية. ومن المعلوم ان دورات أسعار النفط عادة ما تراوح بين 16 شهراً وعامين، وارتفاع أسعار النفط الأخير في آذار مارس الماضي يشير إلى بداية دورة جديدة كبيرة. وكانت أسعار النفط ارتفعت مبدئياً كرد فعل لتعاملات تجار النفط استجابة لاتفاقية خفض الانتاج التي خطتها السعودية في ذلك الشهر والتي لم تساندها توازنات العرض والطلب العالمي الأساسية لأسواق النفط، إذ كان هناك مخزون نفطي كبير في الأسواق العالمية في بداية عام 1999. ولكن حسب تقارير وكالة الطاقة الدولية، فإن قوى العرض والطلب العالمية بدأت في دعم الاتجاه التصاعدي للأسعار بعدما خفضت دول منظمة "أوبك" من انتاجها، وشرع المخزون النفطي في الانخفاض نتيجة تزايد السحب بمرور عام 1999. وبحلول كانون الأول 1999، أعلنت وكالة الطاقة الدولية إلى ان صافي السحب من المخزون النفطي تعدى الخمسة ملايين برميل في اليوم. وعلى رغم توافر المعطيات الأساسية لاستمرار تماسك أسعار النفط، هناك قلق من أن تطرأ مستجدات تؤثر في أسعار النفط انخفاضاً، وتشمل هذه المستجدات شتاء دافئاً على غير العادة في أوروبا والولايات المتحدة، الأمر الذي لم يحدث حتى كانون الثاني 2000، أو انهيار التزام اعضاء منظمة "أوبك" العشرة من دون العراق والمكسيك بسقوف الانتاج المحددة، أو تراجع الانتعاش الاقتصادي لدول آسيا، أو تباطؤ النمو الاقتصادي في دول أوروبا والولايات المتحدة. لكن هذه الحالات الطارئة مستبعدة الحدوث سنة 2000، ومن المرجح ان تواصل المملكة اغتنام ايرادات النفط المرتفعة بالنظر إلى مزاج وأساسيات الأسواق حالياً. إذ ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في كانون الثاني 2000 حتى 29 دولاراً للبرميل من خام غرب تكساس، مقابل 26 دولاراً لبرميل متوسط سلة النفط السعودي. وأشار تقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر كانون الأول الماضي حول التوقعات لسنة 2000، إلى استمرار حالة الشح في العرض خلال السنة الجارية مع وجود نقص في العرض العالمي يقدر بحوالي 75.2 مليون برميل يومياً. الوضع المالي: تحسن تدريجي ويتضح الأثر الأكبر لأسعار النفط على الموارد المالية للدولة، إذ تتدفق ايرادات شركة النفط العربية السعودية أرامكو المملوكة بواسطة الدولة إلى وزارة المال، التي تشكل ايرادات النفط 75 في المئة من اجمالي مواردها المالية، ومن ثم ينعكس اثر ايرادات النفط على الاقتصاد بصورة أوسع من خلال الانفاق الحكومي على المشاريع والخدمات. ورصدت الدولة في موازنة عام 1999 نحو 165 بليون ريال سعودي 44 بليون دولار لبند المصروفات، و121 بليون ريال سعودي 3.32 بليون دولار لبند الايرادات، وبالتالي يقدر العجز في الموازنة ب44 بليون ريال سعودي 7.11 بليون دولار. وحسب أرقام الاداء المالي الفعلي للدولة خلال عام 1999، بلغت المصروفات الفعلية 181 بليون ريال سعودي 3.48 بليون دولار، أما الايرادات الفعلية فبلغت 147 بليون ريال سعودي 2.39 بليون دولار بزيادة قدرها 9.6 بليون دولار عن الايرادات التي قدرت في خطاب الموازنة، ما أدى إلى تقلص العجز فيها إلى 34 بليون ريال سعودي 1.9 بليون دولار. وتم تمويل العجز من خلال الاقتراض الداخلي وبصورة رئيسية عن طريق اصدار سندات حكومية لصندوق معاشات التقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. كما ساهمت المصارف التجارية في تمويل العجز عن طريق زيادة صافي اقراضها للدولة بصورة رئيسية عن طريق شراء السندات الحكومية بمبلغ 9.3 بليون ريال سعودي بليون دولار. وكإجراء اضافي لتعبئة التمويل، قامت الدولة بتحويل مبلغ 12 بليون ريال 2.3 بليون دولار من مستحقات مالية متأخرة للمقاولين إلى سندات دين عادية وذلك بإصدار سندات حكومية خاصة مقابل مستحقات المقاولين الذين قاموا بأداء أعمال للدولة في السابق. ونظمت عملية تحويل المتأخرات إلى سندات الدين الحكومي بصورة فعالة. ولا يؤثر هذا الاجراء إلى على موازنة هذا العام، وذلك فقط بالنسبة للسندات التي تستحق آجالها خلال السنة المالية الجارية. أما السندات الخاصة الصادرة للمقاولين فتتفاوت آجال استحقاقها بين عام وأربعة أعوام. ولن يحين أجل استحقاق أي من السندات التي صدرت عام 1999 خلال العام نفسه، والتزمت مؤسسة النقد بالكامل استيفاء معظم السندات المشابهة التي أصدرت للمقاولين منذ عام 1995 وحانت مواعيد استحقاقها. وعلى رغم تحسن أداء الدولة في استيفاء المستحقات خلال عام 1999، ما زالت هناك جيوب كبيرة من الحسابات المدينة المتأخرة للمقاولين. ويمثل العام 1999 امتداداً لفترة 17 عاماً من العجز المالي المتواصل للحكومة السعودية، ما أدى إلى تراكم الدين المحلي على الدولة حتى بلغ ما يعادل 115 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، ما يعد مرتفعاً جداً قياساً بالمستوى العالمي. وبالمقارنة، فإن ارشادات اتفاقية ماستريخت التي يتعين مراعاتها للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة تشترط ألا يتعدى معدل الدين إلى اجمالي الناتج المحلي 60 في المئة. وحسب تقديرات "سامبا"، فإن الدين المحلي للدولة سيبلغ 600 بليون ريال سعودي 8،159 بليون دولار بنهاية عام 1999، وستستنفد كلفة خدمة الدين المحلي 17 في المئة من اجمالي الموازنة أو ما يعادل 30 بليون ريال سعودي. ومعرفة مكونات هيكل الدين المحلي مهمة أيضاً، إذ ان 80 في المئة منه يأتي من صندوقي تقاعد حكوميين يتفوق تدفق الموارد إليهما على دفعات التقاعد للمستفيدين، وذلك بسبب تركيبة السكان الديموغرافية. وتوفر المصارف التجارية السعودية نسبة ال20 في المئة المتبقية من الدين المحلي. وتسهل حقيقة ان صناديق التقاعد الحكومية تعتبر أكبر دائني الدولة من عملية إعادة جدولة الديون وتجعلها تتم بهدوء أكبر مما إذا كانت الديون تعود لمصارف أجنبية. ويراوح الاقتراض الرسمي الأجنبي في حدود 10 بلايين دولار إضافية، ويشتمل ذلك قرضاً بمبلغ 6.6 بليون دولار تضمنه وزارة المال للناقل الوطني لشراء طائرات "بوينغ"، وقرض بمبلغ 3.2 بليون دولار لشركة "ارامكو السعودية" لمشاريعها الرأسمالية. وتشكل الديون على الدولة المحلية والأجنبية مجتمعة ما نسبته 120 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لعام 1999. وأعلنت الدولة ان الانفاق الحكومي في موازنة سنة 2000 سيبلغ 185 بليون ريال 3.49 بليون دولار بما يتفوق على الانفاق الفعلي لعام 1999 بمبلغ أربعة بلايين ريال. ما يعكس سياسة الدولة المستمرة في تحجيم الانفاق الحكومي ونقل مسؤولية تحقيق النمو إلى القطاع الخاص. وتبلغ الايرادات حسب الموازنة مبلغ 157 بليون ريال سعودي 87.1 بليون دولار. وبالتالي يقدر العجز ب28 بليون ريال سعودي 47.7 بليون دولار. وغالباً ما تكون الدولة استخدمت سعر متوسط لخام النفط السعودي يبلغ 18 دولاراً للبرميل 21 دولاراً لبرميل نفط تكساس القياسي عند تقديرها لايرادات الموازنة. وعلى رغم التحسن الملحوظ في ايرادات النفط، لا تزال هناك ثلاثة اختلالات في الموازنة السعودية تتركز السياسة المالية على التخلص منها تدريجاً، وهي كما يأتي: الدين الحكومي المرتفع. تدني الانفاق الرأسمالي الاستثمار في البنى التحتية مقارنة بالمصروفات الجارية المرتبات والتشغيل والصيانة وخدمة الدين. وحسب تقديرنا لم تتعد مخصصات الاستثمار الرأسمالي 10 في المئة من موازنة 1999. وستظل عند هذه المستويات المتدنية في سنة 2000. ونتيجة لذلك، فإن معدل استهلاك البنية التحتية للبلاد يتعدى معدل استبدالها. وهذا الموقف هو العنصر المحفّز وراء جهود الدولة في مجال التخصيص. الاعتماد الكبير على ايرادات النفط. إذ تعتمد الدولة على مبيعات النفط في 75 في المئة من دخلها. وللتقليل من ذلك تنظر الدولة جدياً في تفعيل النظام الضريبي وفرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم المالية. وأثبتت تجربة عام 1999 ان الارتفاع في أسعار النفط، حتى وإن طال، لم يعد يستوفي حاجة الدولة لمجابهة النفقات ولن يحفز نمواً قوياً في الاقتصاد. وسيكون الطريق لضبط المالية العامة طويلاً، إذ تحتاج الدولة سنوات عدة كي تخفض نسبة الدين المحلي إلى اجمالي الناتج المحلي حتى 60 في المئة كهدف متزن. وكي ترفع انفاقها الرأسمالي على مشاريع التنمية إلى 20 في المئة من اجمالي الموازنة، وكي تضع سقفاً لا يتعدى 50 في المئة في اعتمادها على النفط في كافة ايرادات الدولة. وسلكت وزارة المالية هذا الطريق سلماً، وكان وزير المالية أكد في خطاب ألقاه في واشنطن في أيلول سبتمبر الماضي ان دور الدولة ينحصر في المسؤولية المالية في ظل اقتصاد يقود القطاع الخاص عملية التنمية فيه.