قررت لجان التنسيق بين الولايات التابعة لتنظيمات العروش البربرية، مقاطعة الإنتخابات التشريعية المقررة في 30 أيار مايو المقبل. وجاء القرار عقب إجتماع لمندوبي العروش في قرى ومداشر منطقة القبائل. ووصف ممثلو العروش في تسع ولايات، إثر مشاركتهم في اجتماع لجان التنسيق الجمعة، في منطقة بشلول ولاية البويرة الانتخابات المقبلة ب"المسخرة". واعتبروا انها "لن تغير من واقع الجزائريين في شيء" وانها "عملية إستعراضية يقوم بها الحكم". واتخذ المجتمعون أيضاً سلسلة قرارات أخرى بينها عدم تسديد مستحقات فواتير الكهرباء والماء. ولفت مراقبون الى ان قرار مقاطعة الانتخابات صادر عن ممثلي "الجناح المتشدد" في تنظيمات العروش البربرية، وانه صدر بعد يوم فقط من اللقاء الذي جمعهم، مساء الخميس، مع الدكتور سعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية. وقال سعدي في تصريحات صحافية أنه أبلغ ممثلي العروش إعترافه ب"شرعية المطالب" التي يرفعونها و"صواب غضب الشبان، شرط الإبتعاد عن أعمال التخريب التي لا تفيد أحداً". ويعني قرار العروش البربرية مقاطعة الانتحابات، من الناحية السياسية، ان عمليات الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة ستتعرقل في كل ولايات القبائل، ويمكن ان تمتد أيضاً الى ولايات أخرى فيها وجود قبائلي. وكانت تنظيمات العروش توعدت في السابق بشل منطقة القبائل، ونجحت فعلاً في فرض موقفها عبر اللجوء إلى أعمال عنف وتخريب. ويثير ذلك مخاوف من ان تتكرر خلال الانتخابات المقبلة المواجهات التي حصلت في الصيف الماضي بين الشبان البربر وقوات مكافحة الشغب، خصوصاً أن مندوبي العروش قد يعتبرون الإصرار على إجراء الإنتخابات في منطقتهم تحدياً لهم في "عقر دارهم". ويتقاسم "الوعاء الإنتخابي" في منطقة القبائل كل من جبهة القوى الإشتراكية التي يتزعمها السيد حسين آيت أحمد والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية الذي يقوده الدكتور سعدي. غير أن نسبة مشاركة منطقة القبائل في الإستحقاقات الإنتخابية لم تكن تتجاوز، خلال السنوات الأخيرة، ال40 في المئة فقط من عدد المسجلين في قيود الناخبين. وتحولت منطقة القبائل، منذ مقتل الشاب ماسينيسا قرماح في 18 نيسان أبريل الماضي في مركز تابع للدرك، مسرحاً للمواجهات بين المتظاهرين البربر وقوات مكافحة الشغب. وتفيد تقديرات ان نحو مئة شخص قُتلوا وأكثر من ثلاثة الآف جُرحوا في تلك المواجهات. وتشير تقارير الى ان أجهزة الدولة فقدت، منذ فترة، قدرتها الكاملة على التحكم في الأوضاع في المنطقة، خصوصاً بعد إستئناف المواجهات أخيراً إثر وفاة ثلاثة شبان بربر في ظروف غامضة. ويعتبر بعض المصادر أن شعور القوى السياسية البربرية باستحالة تنظيم الانتخابات المقبلة في منطقة القبائل بسبب تحكم مندوبي العروش في القرى والمداشر، هو سبب تشديدها اللهجة ضد الحكومة. فقد أعلن سعدي أن منطقة القبائل "لن تقبل بالأمرالواقع". واختصر توقعاته لمرحلة ما بعد الانتخابات ب"الكارثة التي تتحمل السلطة الحالية وحدها مسؤولية العواقب التي تنجر عنها". وضم زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية صوته إلى صوت العروش البربرية في المطالبة بضرورة "الانتقال الى السلطة اللامركزية لإعطاء سلطة أكبر للمواطن في تسيير شؤونه"، لافتاً في هذا الصدد إلى أن "كل مناطق الوطن متضامنة مع منطقة القبائل في كفاحها ضد الديكتاتورية التي تمارسها السلطة". أما جبهة القوى الإشتراكية فقد قررت، على ما يبدو، الدخول في عملية "إستعراض قوة" من خلال دعوتها إلى تنظيم مسيرة احتجاجية في العاصمة الخميس المقبل، تتبعها تحركات مماثلة في منطقة القبائل. وحاولت الجبهة تأكيد ان تحركها ليس خضوعاً لضغط تنظيمات العروش، إذ قال أمينها العام السيد أحمد جداعي أن "الحزب مستقل وله سيادة كاملة لإتخاذ قراراته ولا يمكن لأي جماعة أن تفرض علينا أن نختار ما يريدون هم .... فموقفنا مستقل ونعلنه في وقته". ولفت جداعي، في تصريحات أدلى بها الجمعة، الى أن الانتخابات المقبلة "هي اقتراع وليست إنتخابات، على غرار ما حدث في الإنتخابات السابقة رئاسية كانت أم تشريعية، إذ لوحظ أن كل شيء يتم بالتزوير المفضوح، وهو ما يُعد لصوصية إنتخابية". ويحظى البربر بتمثيل محدود في البرلمان الجزائري لا يتجاوز 39 مقعداً من مجموع 382 مقعداً. ويتقاسم هذه المقاعد كل من جبهة القوى الإشتراكية 20 مقعداً، والتجمع من أجل الثقافة والديومقراطية 19 مقعداً. وإذا نجحت تنظيمات العروش في منع إجراء الإنتخابات المقبلة في منطقة القبائل، يمكن ان تلجأ الحكومة إلى تبني خيار تأجيل الاقتراع 60 يوماً، وهو التدبير الذي ينص عليه قانون الإنتخابات الصادر في آذار مارس 1997.