أصدرت محكمة أمن الدولة العليا في القاهرة أمس أحكاماً مشددة في قضية "فساد الجمارك" التي اتهم فيها وزير المال السابق الدكتور محيي الدين الغريب وتسعة آخرين من كبار موظفي مصلحة الجمارك ورجال اعمال. وجاءت الاحكام في سياق حال من الغضب تسود الاوساط المصرية، ازاء فساد بعض الاجهزة الحكومية والاهمال الذي استشرى في دوائر من المفروض أن ترى مصالح الدولة والمواطنين، خصوصاً مع تكرار حوادث سقوط البنايات القديمة اضافة الى كارثة قطار الصعيد التي لم يبدأ القضاء النظر فيها بعد. وقضت المحكمة بمعاقبة الغريب بالاشغال الشاقة 8 سنوات ورئيس مصلحة الجمارك السابق علي طه بالاشغال الشاقة 11 سنة والمدير العام للجمارك في الاسكندرية أحمد عمر بالسجن سنة واحدة ومديرة مكتب رئيس مصلحة الجمارك في الاسكندرية أمينة عفيفي بالاشغال الشاقة ثلاث سنوات ورجل الاعمال علي خليل بالاشغال الشاقة 5 سنوات ورجل الاعمال ابراهيم العربي بالاشغال الشاقة ثلاث سنوات، ورجل الاعمال عادل اغا ثلاث سنوات ايضاً. وبرأت المحكمة ثلاثة متهمين هم رئيس قسم مكافحة التهرب الجمركي في الاسكندرية يحيى السيد ورئيس الادارة الجمركية لجمارك الاسكندرية حفني خضر ورجل الاعمال حاتم خليل عودة. وشمل الحكم ايضاً غرامات مالية على كل من الغريب وخليل 13 مليون جنيه والزامهما متضامنين سداد المبلغ للدولة، وتغريم علي طه وعلي خليل بمبلغ مليوني جنيه والزامهما رد مثل هذا المبلغ للدولة. كما قررت ايضاً تغريم االغريب وعلي طه وعادل اغا مبلغ مليون و70 ألف جنيه والزامهم رد مثلها للدولة. كما قررت المحكمة منع الغريب وبقية المدانين في القضية من تولي أي مناصب رسمية لمدد تعادل مدة العقوبات التي سيقضونها. وشغلت القضية الرأي العام بسبب مساسها بالمال العام وحرصت النيابة على عدم تناول أي تفاصيل عنها طوال 18 شهراً استغرقتها التحقيقات بدءاً من تشرين الثاني نوفمبر 1999. وتعلقت وقائع القضية بثلاثين مخالفة منها خمس مخالفات نسبت للوزير ورئيس مصلحة الجمارك ومدير مكتب رئيس المصلحة أمينة. وفي ضوء تداعيات القضية تم إحالة رئيسي مصلحة الجمارك السابقين و27 آخرين على المحاكمة التأديبية بتهمة الاضرار بحقوق الخزانة العامة وتمثل 6 وقائع تشكل جرائم تهرب جمركي وتم حفظ 12 واقعة لأنها لم تتضمن أي مخالفة ولم يكن فيها ثمة جريمة. وبلغ إجمالي الاضرار بالمال العام نتيجة تلك الجرائم 39 مليوناً و441 ألفاً و501 جنيه، سدد المتهمون خلال التحقيقات 10 ملايين و339 ألفاً وخمسمئة جنيه بالإضافة إلى شيكات آجلة بمبلغ 4 ملايين جنيه. وبلغ عدد من تم استجوابهم من المتهمين والشهود 268 فرداً وعدد المستندات في القضية 5500 مستند. وتكاد تكون هذه المرة الاولى التي تنجح فيها السلطات المصرية في الانتهاء من التحقيقات في قضية كبيرة تتعلق بالفساد، قبل أن يتمكن أي من المتهمين من الفرار الخارج، واللجوء الى احدى الدول التي لا تربطها بمصر معاهدات لتبادل تسليم المطلوبين أو المحكومين. ومعروف أن عدداً من رجال الاعمال بينهم سيدات فروا الى الخارج قبل أيام أو ساعات من إعلان لوائح الاتهام في قضايا اتهموا فيها، مما تسبب في رواج شائعات عن تورط مسؤولين في عمليات تهريبهم. والغريب هو الوزير السابق الثاني الذي يخضع للمحاكمة خلال السنوات الاخيرة. اذ تنظر دائرة اخرى تابعة لمحكمة امن الدولة حالياً في قضية "قروض النواب" المتهم فيها وزير السياحة السابق توفيق عبده اسماعيل اضافة الى نواب ومسؤولين في مصارف، ورجال اعمال. وصدرت الاحكام في القضية العام الماضي بإدانة غالبية المتهمين وبينهم اسماعيل، لكن نيابة امن الدولة طعنت فيها أمام محكمة النقض واعترضت على إسقاط المحكمة تهمة التربح عن المتهمين ما يعفيهم من رد الاموال المتهمين بالحصول عليها مرة اخرى الى الدولة. وقبلت محكمة النقض الطعن لتعاد محاكمة المتهمين مجدداً.