ادوار الخراط مصر: ما تبقى من فيكتور هوغو هو الجرسُ المجلجلُ والنغمةُ العالية في الاشعار التي قرأتها له في العام 1941، أي قبل 60 عاماً بالتمام والكمال، عندما كان مسيو فيشتر، الاستاذ السويسري الفرنكفوني يدرسنا الفرنسية في مدرسة العباسية الثانوية في مدينة الاسكندرية الزاهرة في الاربعينات. بعد ذلك قرأتُ "البؤساء" كاملة بعالمها المصطخب المحتشد وميلودراميتها العالية، بعد أن كنت قرأتُ ملخصاً معرباً لها بقلم حافظ ابراهيم في اواخر الثلاثينات، ولعلني كنت في الثالثة عشرة من العمر حينذاك. يصعب أن أقتنص من الذاكرة شيئاً آخر إلا زيارتي لبيته ومتحفه في باريس وجولتي على هذا الاثر الزاخر بشخصية ألقت بظلها على الحياة الثقافية والادبية والسياسية معاً في ذلك القرن الذي يبدو زمناً سحيقاً وغابراً إنقضت آثاره وعفا عليه الزمن.. القرن التاسع عشر البديع. وأخيراً ما زال تمثاله الذي صنعه رودان ماثلاً في ذاكرتي بقوة. محمد شكري المغرب: "البؤساء" هو أوّل كتاب أجنبي قرأته مترجماً الى العربية، ثم قرأت لفيكتور هوغو كتباً أخرى. هذا كاتب رومانطيقي كبير لكن مواقفه لم تخلُ من بعض الديماغوجية. فهو دافع عن الطبقة الفقيرة وكان على صداقات سياسية كبيرة. كان فيكتور هوغو مهماً في عصره ومهماً لعصره أيضاً. وهو سيظل رمزاً من رموز الرومانطيقية وخصوصاً في أشعاره. في بداياتي تأثرت قليلاً برواياته لكنني ما لبثت ان انصرفت عنه الى عالمي الواقعي الخاصّ. وتبقى في ذاكرتي روايته "البؤساء". واسيني الأعرج الجزائر: يرتبط فيكتور هوغو في ذاكرتي بمرحلة الطفولة. فأنا تكوّنت في مدرسة "استعمارية" كما يقال وكانت الفرنسية هي لغة المدرسة في الجزائر. والانفتاح على هوغو كان من خلال البرنامج المدرسيّ نفسه. رواية "البؤساء" بقيت فعلاً في الذاكرة وكنّا نحاول تقليدها لا من ناحية اللغة أو الشكل وانما في بعدها المأسوي. وأعتقد ان هذه الرواية كان لها أثر كبير في اتجاهنا الأدبي. وشخصياً دفعتني مأساته الشخصية وخصوصاً موت ابنته غرقاً الى تقليده شعرياً. فيكتور هوغو لحظة طفولية قبل ان يكون لحظة وعي أو معرفة. إلا انني لم ألبث أن أعدت اكتشاف هذا الكاتب الكبير في شكل آخر، ووعي آخر. وكتبت عنه مقالات عدة. ويجب أن أذكر أن له علينا أثراً من ناحية الارتباط العضوي للأدب بالمجتمع وكذلك التصوير الواقعي للحياة. وهو مثل بلزاك وزولا وسواهم من الكتّاب الأساسيين الذين ينبغي ان نقرأهم. الياس خوري لبنان: لا يغيب عني ذلك المشهد: كنت في العاشرة ربما، كنت أقرأ "البؤساء" عندما انقطع التيار الكهربائي وغرقت في الظلمة لكنني أضأت شمعة ورحت أتابع قراءة رواية فيكتور هوغو على نورها الشاحب. لا أستطيع أن أنسى صورة جان فالجان تتراقص من صفحة الى أخرى في ضوء تلك الشمعة في غرفة معتمة في منطقة "الجبل الصغير". يوسف الشاروني مصر: تقدم لنا حياة فيكتور هوغو نموذجاً لمعنى العبقرية. إبداعه يجمع بين الغزارة والتنوع والعمق. فمن شعر الى قصص، ومن مسرحيات الى نقد فني وسياسي وتاريخ وفلسفة. ولم تعقه كثرة ما واجه من إحباطات على المستويين الشخصي والعام: ماتت إحدى ابنتيه وزوجها غرقاً في النهر، بينما اصيبت الاخرى بالجنون، وماتت زوجته وإبناه في أوج شبابهما أثناء حياته. وبلغت معاناته السياسية حد النفي عن بلاده أعواماً طوالاً وهو مندفع في إبداعه. حوّل هوغو كل هذه الكوارث الى مصدر إلهام، بدلاً من أن تكون مصدر إحباط. عاصر فيكتور هوغو، إبان حياته الطويلة التي بلغت ثلاثة وثمانين عاماً، مختلف أنواع الحكم في فرنسا من الامبراطورية الى الملكية المطلقة ومن الملكية الدستورية الى الجمهورية. وكان والده يريده أن يدرس الهندسة ولكنه هجرها ليحترف الادب فحرمه مما كان يمنحه من معونة مالية. كان والده جنرالاً في الجيش الفرنسي وعُزل من وظيفته لتأييده نابليون بونابرت، لكن فيكتور هوغو نجح في إقناع الملك شارل العاشر بأن يعيد إليه رتبته العسكرية. وعلى رغم أنه فشل في مسرحيتيه الاوليين: "أمي روبار" و"ماريون دي لورم" فإنه ما لبث أن أبدع درة مسرحياته "هرناني" العام 1829، التي بلغ الاقبال عليها حداً لم يسبق له مثيل، ودارت معركة شهيرة في حفلة افتتاحها بين المناصرين لها والمحافظين المعادين، كان النصر فيها لفريق المجددين. ويعتبر نجاح هذه المسرحية فاتحة عهد جديد للحركة الشعرية الرومانطيقية الحديثة. سمية رمضان مصر: ما تبقى في ذاكرتي من فيكتور هوغو هو رواية "البؤساء" والثورة الفرنسية، وباريس القرن التاسع عشر، حيث الفقر والجوع والجهل والمرض، وكذلك انتصاره لشكسبير باعتباره واحداً من أهم عبقريات الأدب على رغم ما كان بين الانكليز والفرنسيين من عداء. وكذلك انتصاره للرومانطيقية ضد الكلاسيكية في وقت كان الادب الكلاسيكي هو السائد. عبده خال السعودية: عندما كتب فيكتور هوغو الكلمة الأولى من روايته "البؤساء" شن هجومه على القانون والأعراف المتغاضية عما كان يراه جحيماً على الأرض بسبب الفقر، وتحطيم كرامة المرأة والجوع، وتقزيم الطفولة والجهل. هل تكفي هذه الكلمات لأن تبقي فيكتور هوغو صوتاً عابراً للزمن يندب هذه الانسانية التي تغادر أعشاش العذاب؟ سيبقى فيكتور هوغو شاهداً على العصور المقبلة وليس على عصره فحسب، فما زال كل شيء كما هو حتى وان غادر الجهل والبؤس فرنسا وحلاّ في مكان آخر من العالم وما زالا يصوغان حياة لا تليق بالإنسان. بقي في ذاكرتي من هوغو انه ما زال يذكرني بغصة أولئك الذين يصرخون ولا يجدون من يلملم صرخاتهم ويعيد انسانيتهم اليهم، كيف لو ظهر هوغو الآن وشاهد الدمار الإنساني الذي لا يزال يحصد انفاس الباحثين عن الحياة الكريمة؟ هل سيصاب بالفجيعة لأن رواياته لم تعلم الساسة أن هناك بشراً يرغبون في حياة كريمة؟ أظن انه سيخجل، سيخجل حين يجد ان صناعة البؤس في العالم أصبحت تُصدّر عبر القانون الذي ناشده لحماية هذا الكائن البائس الذي يسمى الإنسان. سيخجل لأنه سيكتشف ان البؤس لم يبرح مكانه. أحمد الدويحي السعودية: عندما يرد اسم فيكتور هوغو لن تبرح بعيداً عن روايته العظيمة "البؤساء"، تلك الرواية التي جسدت مأساة الإنسان، المأساة التي لا تقف عند زمان أو مكان بل تظل تتمدد في كل الاتجاهات وتشعرك بألم أن ترى الحياة أضيق من كم الخياط... وفيكتور هوغو هو البوابة التي أوقفتنا على الأدب الفرنسي لندخل منها نحو جهات أخرى من الأدب الفرنسي. كان هوغو بوابة حقيقية للتعرف إلى الأدب الفرنسي الحقيقي. حنان الشيخ لبنان: لم يبق في ذاكرتي سوى "البؤساء". حين قرأتها أحسست أنني أعرف بطلها جان فالجان جيداً. وكنت أشبّهه لأحد رجال حيّنا البيروتي. وكنت كلما أراه أقول له: أنت جان فالجان. قرأت رواية "البؤساء" مترجمة الى العربية. أذكر أنني استعرتها من ابن الجيران وكانت النسخة مهلهلة وبائسة وورقها أصفر وعتيق. وبدا عليها أنها تجول بين أيدي الكثر من القراء في الحيّ. لاحقاً شاهدت "الميوزيكال" الذي استوحي من الرواية ولم أفرح به كثيراً. فالقراءة الأولى لتلك الرواية ولون ورقها ورائحتها هي التي بقيت. أحمد ابراهيم الفقيه ليبيا: كان القرن التاسع عشر في فرنسا هو قرن فيكتور هوغو بلا منازع، سيد أدباء تلك البلاد، ومؤسس مجد الرومانطيقية في الشعر والرواية، وصاحب الادوار السياسية الخطيرة التي أسهمت في تأسيس فرنسا الحديثة. وإذا كنا نقول، إن الشخصية في الفن أكبر من الشخصية في الحياة، فإن خير مثال على صحة هذا القول، شخصيات أعماله الروائية، مثل جان فالجان، في "البؤساء" السارق الذي قضى أجمل سنوات عمره في السجن لأنه سرق رغيف خبز، ومثل العاشق الأحدب، ضارب الناقوس في الكنيسة العريقة، في رواية "نوتردام" وعشيقته الغجرية أزميرالدا... هذه جميعها تبقى شخصيات حية، خالدة، تجتذب لأدبه جمهوراً جديداً على مر العصور والأجيال. أحمد أبو دهمان السعودية - باريس: بقي من فيكتور هوغو ما صنعه هو وأمثاله، أعني الذاكرة نفسها، بقي منه ما يرفع الرأس ويحميه من الانحناء. بقي الشعر والحرية والعدالة. بقي هذا الإرث الذي تركه لقبيلته الممتدة في كل الثقافات البشرية، ذلك الإيمان بالكتابة والمعرفة، إيماناً هو الايمان بالحياة. بقيت فرنسا التي من دونه لا يمكن ان تكون تلك التي نرى اليوم، تلك التي نحب. كان تمثاله رفيقي الوحيد في مدينة بيزانسون حين كنت غريباً. لم أكن بائساً لأنني أدركت من خلال رفقته ان الذين يصيغون الذاكرة لا يبرحونها. وليد اخلاصي سورية: عندما تمر بكنيسة نوتردام وهي أشبه بالنتوء الحضاري في جسد باريس، يقف فيكتور هوغو سداً أمام رؤيتك جمال البناء وهيبة الإيمان، ليظهر الأحدب وهو يذكرك بتعاسة الإنسان التي لم تتوقف منذ القديم على رغم وعود السعادة التي تنتجها المبادئ والعهود. يقفز فيكتور هوغو أبداً في ساحة روحك وأنت تواجه البؤس والبؤساء في منعطفات طريقك باتجاه المستقبل الذي طالما حلمت به زمناً أفضل. فهل يمكنك أن تنسى حضور الكاتب العظيم في سيرة ارتباط الابداع بالحياة؟