التميمي يُشارك في فعالية "الفضاء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة"    مقتل 51 شخصا في انفجار منجم للفحم في شرق إيران    إشادة عالمية بفوز الهلال على الاتحاد في الكلاسيكو السعودي    الأمم المتحدة تحذر من "كارثة وشيكة" في الشرق الأوسط    شيخ شمل قبيلة السادة والخلاوية: نستلهم في اليوم الوطني ال94 النجاحات المُحققة للمملكة على مرّ الأجيال    القيادة تهنئ رئيس الفترة الانتقالية رئيس الدولة في جمهورية مالي بذكرى استقلال بلاده    "فلكية جدة": اليوم "الاعتدال الخريفي 2024" .. فلكياً    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    "الأرصاد" استمرار هطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    أخضر تحت 20 عام يبدأ التصفيات الآسيوية بالفوز على فلسطين    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    صناديق التحوط تتوقع أكثر السيناريوهات انخفاضاً للديزل والبنزين    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    لعبة الاستعمار الجديد.. !    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    مسيرة أمجاد التاريخ    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناطق الردم وتجمعات الأكواخ وأكوام النفايات تلوث شواطئ لبنان

فتح ملف الشاطئ اللبناني يطرح الكثير من المشكلات في بدايته ونهايته. انه، في رأي كثير من متابعيه، ملف سياسي أولاً، وبيئي ثانياً، وعبثي بامتياز. فالشاطئ يمتد حوالى 220 كيلومتراً، من العريضة شمالاً الى رأس الناقورة جنوباً. وتشكل المناطق الساحلية نحو 12 في المئة من مساحة تبلغ 10452 كيلومتراً مربعاً، وهذا يشمل كل الأراضي الواقعة على شريط اليابسة من شط المياه الى ارتفاع 250 متراً. فالشاطئ جميل التضاريس وغني بتنوعه البيولوجي، وشكل ثروة وطنية بدأت تنحسر منذ منتصف السبعينات، لأسباب عدة، أهمها التلوث والردم والاستملاك غير المشروع. فما هي تلك المشكلات وما هو سبيل حلها؟
تتشابه هموم الشاطئ اللبناني من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، من تلوث بمياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية إلى تعديات على الأملاك العامة، مع خصوصيات مميزة لبعض المناطق الساحلية.
ففي عكار، تتوزع النفايات على طول الشاطئ، الممتد حوالى 10 كيلومترات، الذي تعرض لسرقة رماله، ويشهد اليوم هجمة أكواخ التنك. لا رقابة، ولا بلديات تحمي الشاطئ من العابثين، ربما باستثناء بلدية بدنين التي يقوم ضمن نطاقها مرفأ الصيادين المملوء دائماً بالأوساخ.
مدينة طرابلس هي ثاني أكبر تجمع سكاني على الساحل اللبناني بعد بيروت حوالى 250 ألف نسمة. ويعاني شاطئها التلوث الناجم عن مجاري الصرف الصحي، ويتهدده مشروع الضم والفرز الذي أقر حديثاً وشمل بساتين الليمون المحاذية للبحر. التحول المتوقع لهذه المنطقة إلى مشاريع سكنية وسياحية وصناعية سيغير معالم الشاطئ، وسيقضي على منطقة بحرية ما زالت تعتبر عذراء هي "رأس الصخر". وكانت طرابلس في الثمانينات خسرت شاطئ البحصاص الرملي لمصلحة المشاريع السياحية. الكورنيش البحري الذي يلف شاطئ المدينة بات معلماً سياحياً ومتنفساً شبه وحيد للسكان. وحالياً، ليس لهم مسبح شعبي، وشواطئهم التي كانوا يسبحون فيها مجاناً صاروا يرتادونها في مقابل بدل مالي يدفعونه لأصحاب المنتجعات. ولكل منتجع سياحي مارينا مرفأ قوارب وسنسول، وقد رُدم البحر أمامه وقضي على الثروة السمكية والنباتية. أما المكبّ المحاذي للبحر، فالأمواج والتيارات توزع نفاياته على طول الشاطئ الشمالي من عكار حتى البترون. وتبرز مشكلة تلوث نفطي في مرفأ طرابلس، إذ تنظف حاويات النفط عنابرها في المياه من دون رقابة.
شاطئ القلمون كان من أجمل الشواطئ الشمالية، ازدهرت فيه اقتصادات محلية تميزها الملاحات التي تنتج الملح من مياه البحر. أما اليوم فخربت المشاريع البحرية الملاحات، وردمت البحر، وشوهت الطبيعة، وغيّرت الموارد، وأربكت الحياة الاجتماعية، وقطعت تواصل الشاطئ، ولوّثت المياه، فأصبح بحر القلمون من أسوأ النقاط البحرية الشمالية تلوثاً، باستثناء الواجهة البحرية من مدخل البلدة الى مفترق البلمند التي ما زالت تحتفظ بطبيعتها وبملاّحة يتيمة.
وفي الجوار يمتد شاطئ الحريشة ورأس الناطور وأنفه، الذي أنصفه التنظيم المدني الى حد ما بتصنيف أراضيه، فحافظ على الملاحات وعلى بعض الخصائص الجمالية والاقتصادية، ولا سيما كروم الزيتون والآثار والنسيج العمراني التراثي. وهذا أغضب أصحاب العقارات المجاورة للبحر وللملاحات، الذين يحاولون التأثير لتغيير التصنيف بهدف استثمار أراضيهم عمرانياً. فالملاحات تشكل حزاماً "أمنياً" يحمي الشاطئ والبيئة البحرية من جشع المستثمرين. لذلك، فمن المشكلات الرئيسة في المنطقة إهمال قطاع إنتاج الملح، الذي يعود إلى أيام الفينيقيين، وعدم حمايته أو تشجيعه كمورد بحري ومصدر عيش لعائلات كثيرة. ويأمل المتابعون التجاوب مع المطالبة بإعلان الملاحات مناطق محمية، كما في فرنسا واليونان والبرتغال ومعظم دول حوض المتوسط. والمشكلة الثانية في هذه المنطقة هي إهمال الآثار البحرية. فشواطئ أنفه ورأس الناطور والحريشة غنية جداً بالآثار السائبة. وأخطر ما يهدّدها السرقة في البر والأعماق والبحث عن الكنوز بعيداً من أي رقابة أو ملاحقة. وصدر قرار عام 2001 بتحويل منطقة الملاحات بين أنفه وشكا من سياحية إلى صناعية، ولم تتم إزالة ردميات المرفأ الملغى في شاطئ قلعة أنفه فبقيت تتلاعب بها الأمواج منذ خمس سنوات فتبعثر صخورها الضخمة وتزيد من تخريب البيئة البحرية والآثار، وتصب معظم مجاري المنازل والمنتجعات في البحر بانتظار محطة التكرير المقرّرة في المنطقة، وتصل النفايات العائمة من مكب طرابلس ومن البواخر.
ويعد شاطئ شكا والهري وسلعاتا أجمل الشواطئ الشمالية ... وأكثرها تلوثاً. فوجود شركة الترابة الاسمنت مباشرة على الشاطئ، مع المرفأ والبواخر التابعة لها وما يصدر عن عملياتها اليومية من غبار وملوثات، يجعل الشاطئ موبوءاً ومهدّداً في أي لحظة. وعلى رغم بعض التحسينات على المداخن، ما زال كثيرون يرون وجوب انتقال الشركة بعيداً من الشاطئ إلى نقطة مقالعها فوق الاوتوستراد، كما فعلت شركة الترابة الأخرى في الهري، التي ما كادت المنطقة ترتاح منها حتى جاء مشروع ضخم سيطر على الشاطئ الرملي وحجب الواجهة البحرية وبدأ يمدد ردمياته في بحر الشقعة. كما كان شاطئ الهري الرملي، الذي تقصده الفئات الشعبية من المناطق الشمالية كافة، انحصر استعمال معظمه اليوم بذوي الدخل "غير المحدود". وفي سلعاتا اصبح الشاطئ "صحراء". الأعماق أحرقتها النفايات السائلة من مصنع الكيماويات التي حولت القاع إلى جحيم. وهذا ما تؤكده صور التقطها نقيب الغطاسين في لبنان محمد السارجي ومشاهداته المرعبة تحت الماء.
مدينة الردم ومدن الأكواخ
تنتشر المسابح والمنتجعات والمطاعم على معظم الشاطئ من جبيل إلى جونية والزوق، حتى يكاد الوصول إليه يستحيل إلا عبر بواباتها. وبرزت منذ عام 1983 ظاهرة جديدة مثلت تغييراً نوعياً في التعاطي مع الشاطئ واستثماره. فقد أطلق مشروع تطوير ساحل المتن، وقضى بردم البحر من انطلياس حتى ضبية بهدف إنشاء "مدينة" جديدة على طول الشاطئ.
انطلق هذا المشروع من خلفية المشكلات البيئية المتفاقمة في ساحل المتن الشمالي، خصوصاً مكب برج حمود الشهير الذي أقيم في الثمانينات، والتلوث الناتج من المجاري والصناعات وخزانات الغاز والنفط ومشتقاته. وتم ردم حوالى 4،1 مليون متر مربع من البحر بين انطلياس والضبية. وفي العام 1995 رخص مجلس الوزراء للشركة اللبنانية لتطوير الساحل الشمالي لمدينة بيروت لينور بطمر البحر على مسافة حوالى 4 كيلومترات وبعرض يتراوح بين 400 و500 متر، بين انطلياس ومصب نهر الكلب. المشروع يحرم خمس بلدات، يقطنها مئات الآلاف، من الواجهة البحرية ومن أي منفذ على البحر.
في العام 1991 أعلن بدء مشروع إعادة إعمار وسط بيروت الذي دمرته الحرب. ولحظ ردم البحر على مساحة 60 هكتاراً، أي ما يقارب ثلث مساحة الوسط التجاري. وتغطي الردميات شاطئ العاصمة الذي يمتد عقارياً من فندق السمرلند حتى نهر بيروت بطول حوالى 10 كيلومترات، وتتوزع المنتجعات السياحية على طوله. ومن أبرز مصادر تلوثه مجاري الصرف الصحي والمسلخ وبعض الدباغات وردميات الوسط التجاري.
وعلى الساحل الممتد من مدخل بيروت الجنوبي، ابتداء من منطقة الجناح، تبرز مشكلة أكواخ الصفيح التي يقطنها مهجّرون نزحوا خلال سنوات الحرب وبعدها من البقاع وجنوب لبنان والكرنتينا وغيرها. وهذه الظاهرة سائدة أيضاً في منطقة الاوزاعي وصولاً حتى خلدة، إذ بنيت أحياء عشوائية كثيفة على الشاطئ، من دون شبكات صرف صحي أو خدمات عامة. ومن آخر الاوزاعي حتى أول منطقة خلدة تم ردم الشاطئ لتنفيذ توسعة مطار بيروت الدولي. ومن الجناح الى خلدة لم يبق للعامة أي منفذ على البحر.
وفي صيدا، يعد المخطط التوجيهي للواجهة البحرية نموذجاً صارخاً للتخطيط المديني العشوائي. فالمشروع، الذي بدأ تنفيذه عام 1995، اقتطع قسماً كبيراً من الشاطئ شمال المدينة، ودمّر الواجهة البحرية لصيدا القديمة وفصلها عن البحر، وألغى حوض الميناء القديم بالإنشاءات، وردم البحر. ويرى بعض الخبراء أن تصميم الواجهة البحرية لصيدا يتعارض مع تقرير منظمة الاونيسكو الذي يطلب الحفاظ على اتصال المدينة القديمة مع البحر عبر الميناء وعدم مرور الاوتوستراد البحري عبره. ونادى كثير من المهندسين عام 1993، عندما قررت الدولة تنفيذ الاوتوستراد، بضرورة نقل مساره إلى شرق المدينة وخارج نطاقها العقاري. وأمام اعتراض تجار صيدا خوفاً على مصالحهم من إبعاد الاوتوستراد عن المدينة، قررت الدولة تحويل البولفار البحري إلى طريق سريع. ولم يتبقَ لإكمال الاوتوستراد إلا الوصلة على الميناء، ويتوقع قريباً هدم بناية الجمرك وبناية السنيورة الاثريتين في مقابل القلعة إفساحاً في المجال أمام الاسفلت. أما المكب على شاطئ صيدا فأصبح في حجم جبل اقتحم المياه عشرات الأمتار، وهو يوزع نفاياته على الشواطئ المجاورة.
أما شاطئ صور، ومعظمه رملي، فيمتد من منطقة جل البحر وصولاً حتى مخيم الرشيدية. واحتلت محمية صور جزءه الجنوبي. وتقوم البلدية منذ سنوات بتأجير هذا الشاطئ لمستثمرين أقاموا عليه مسابح ومقاهي وخيماً لرواد التنزه والسباحة. وتعرض بين منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات لسرقة رموله التي سحبت منها آلاف الأطنان. وبرزت مشكلة الاوتوستراد على مدخل صور الشرقي كأحد أبرز التعديات على شاطئ المدينة. فقد ردم الشاطئ الرملي، وردمت معه آثار نفيسة، ومرَّ الإسفلت فوقه، ولم تنفع اعتراضات أبناء المدينة في وقف الأذى.
وبين صور والناقورة يمتد أحد أجمل الشواطئ وأنظفها في لبنان. ومعظمه رملي، وتنتشر في محاذاته بساتين الحمضيات والموز. لكن شاطئ الناقورة، الذي لم تعبث به أيدي المواطنين أثناء الاحتلال الاسرائيلي مدة 23 عاماً، سرق الاحتلال معظم رموله.
أبحاث ومشاريع
ليست هناك مؤسسة رسمية أو وزارة معينة تتولى مراقبة الشاطئ اللبناني لرصد تلوثه ومكافحة أسبابه. المؤسسة الوحيدة التي تلعب بعض هذا الدور هي "مركز علوم البحار" في مدينة البترون الساحلية، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، ومهمته إجراء أبحاث على البيئة البحرية ومراقبة الشواطئ واقتراح خطط لحماية البحر. لكن دور المركز لا يتجاوز فعلاً الإطار النظري والبحثي، ونتائج دراساته لا تعمم على الناس، حتى يتلافون مثلاً الصيد أو السباحة في المواقع الملوثة. فتقاريره ترسل الى المجلس ووزارة البيئة، فتطمس في الملفات أو تطبع في مجلات متخصصة، معظمها في الخارج. وهي مثال صارخ للحلقة المفقودة بين العلم والحقائق التي تصل الى الناس. "الأبحاث تنشر"، قال رئيس مصلحة علوم البيئة في المجلس ومدير المركز سابقاً هراتش قيوميجان، متصفحاً بحثاً له حول تأثير المعادن الثقيلة في الأسماك، نشر بالإنكليزية في المجلة الدورية الصادرة عن المجلس.
تتولى وزارة البيئة و"المجلس الوطني للبحوث العلمية" تنفيذ مشروع لمراقبة الشاطئ في أكثر من 20 نقطة، وفحص المياه كل شهر لدراسة حرارتها وملوحتها وحموضتها وحالها البكتيريولوجية وقياس نسب المعادن الثقيلة فيها، وإجراء تحاليل على الأسماك. ويقوم بهذا خبراء مركز علوم البحار. ويؤكد قيومجيان أن الدراسات كانت إيجابية: "لا تلوث في مياهنا، باستثناء مصبات مجاري الصرف الصحي، حيث التلوث واضح بسبب عدم معالجة المياه المبتذلة".
وثمة مشروع لإدارة المنطقة الساحلية في الدامور والصرفند والناقورة، بتمويل من "خطة المتوسط"، ما زال في إطار الدراسات. وفي حقيبة الوزارة مشروع آخر موله الاتحاد الأوروبي، لإجراء "دراسة حالة" على إدارة الساحل في أربعة مواقع بين جبيل في لبنان واللاذقية في سورية. وتم اختيار الشاطئ الممتد بين جبيل وعمشيت في القسم اللبناني. والغاية إجراء تقويم اقتصادي لمشاريع ممكنة في مجالات إدارة النفايات الصلبة ومعالجة المياه المبتذلة والسياحة البيئية الساحلية.
تقول المسؤولة عن متابعة المشروعين في وزارة البيئة لمياء شمص، إن المشروع الأول هو مع البلديات، وهدفه تحديد المشكلات الموجودة على شواطئها لإيجاد الحلول لها. وتم اختيار هذه البلديات تحديداً لأنها تشكل حالات مختلفة. فساحل الدامور زراعي، وساحل الصرفند صناعي، وساحل الناقورة ما زال نظيفاً وليست عليه منشآت عمرانية. أما الشاطئ الواقع بين جبيل وعمشيت، الذي يشمله المشروع الثاني، فليس تابعاً لبلدية معينة، والهدف وضع دراسات عن كيفية إدارته، حتى يمكن تعميم تجربة المشروع على شواطئ أخرى.
ويبقى السؤال: كيف تتم الإفادة من هذه الدراسات ضمن خطة عامة لادارة الشواطئ قابلة للتطبيق؟
مجارٍ بلا معالجة
في غياب المعطيات الرسمية الحسية والدراسات الميدانية عن الشاطئ، تبرز أهمية الجولات الميدانية التي تقوم بها منظمة "غرينبيس". ففي العام 1997 قام ناشطوها بجولة على طول الشاطئ اللبناني للوقوف على الصناعات الأساسية الملوثة. وأخذوا 111 عينة من أماكن مختلفة، أجريت عليها تحاليل في مختبرات المنظمة في بريطانيا، وأكدت وجود ملوثات عضوية ومعادن ثقيلة سامة في المياه.
تنتشر المصانع على الشاطئ في شكل عشوائي، وتلقي نفاياتها السائلة في البحر مباشرة من دون معالجة. وهي قامت في غياب مخطط مسبق للمناطق الصناعية. وجاء في تقرير "غرينبيس" عن جولة عام 1997 أن نقاط التلوث الصناعي الحاد تتركز في المناطق الآتية: خليج الدورة على مدخل بيروت الشمالي حيث تتركز صناعات مختلفة مثل الدباغات والكيماويات والدهانات والمنظفات والورق والحديد، صيدا والغازية في الجنوب حيث تتركز الدباغات، سلعاتا في الشمال حيث صناعة الأسمدة الكيماوية، شكا في الشمال حيث صناعة الإسمنت ومنتجات الأسبستوس الاميانت، ذوق مصبح في جوار بيروت شمالاً حيث صناعة الأقمشة والكيماويات والدهانات فضلاً عن معمل الكهرباء.
وتلفت مسؤولة حملات "غرينبيس" زينة الحاج، الى أن لبنان الذي وقع اتفاق برشلونة لحماية مياه البحر المتوسط، لم يوقع التعديلات المتعلقة بالتلوث الصناعي والمحميات الطبيعية. وتبنت حديثاً الدول الأعضاء في الاتفاق خطة تطبيقية لمكافحة التلوث الناجم عن المواد الخطرة والسامة، نصت على أن تجري كل دولة قبل نهاية سنة 2003 تقويماً لوضع بحرها وشواطئها وتعدّ لائحة بالعناصر والمواد الملوثة من مصادر برية. وتساءلت: "هل تعرف وزارة البيئة الملوثات الموجودة في البحر لإعداد جردة بها؟"
وفي تعليق على منهجية عمل المنظمة، تقول الباحثة في مركز علوم البحار ماري عبود أبي صعب ان الأبحاث العلمية تترتب عليها مسؤوليات ولها شروط وأصول، "فالعينات يجب أن تؤخذ من مواقع عدة، وخلال الفصول الأربعة، وفي حالات بحرية مختلفة، وفي شكل دوري منتظم. ولا يكفي أخذ عينات مرة واحدة وإجراء تحاليل عليها وإطلاق أحكام عشوائية. ان أخذ عينة قرب مجرور في الصيف، حين يكون البحر هادئاً، يعطينا نتيجة مختلفة عما إذا أخذنا عينة من المكان ذاته في بحر هائج. فاختلاف أي ظرف زماني أو مكاني أو مناخي قد يُغير النتائج".
وتردّ زينة الحاج منتقدة أسلوب مركز علوم البحار، ومعتبرة أنه "يجري دراسات نخبوية من برجه العالي ولا يوضح الحقائق للناس". وفي تموز يوليو 2001 قامت "غرينبيس" بالتعاون مع جمعية "غرين لاين" بجولة ميدانية لمدة خمسة أسابيع على طول الشاطئ تحت شعار "حق المعرفة". وتم وضع خريطة حددت فيها مصادر التلوث البحري باستخدام نظام المعلومات الجغرافية. وأحصت الجولة 55 مجروراً بلدياً كبيراً، و30 مجروراً صناعياً، وأكثر من 10 أنهر يمكن اعتبارها مجاري مفتوحة تحمل المياه المبتذلة من المدن والقرى الداخلية، وكلها تقذف مياهها الملوثة في البحر.
ويلحظ المخطط التوجيهي لإنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي في لبنان إقامة 12 محطة على الشاطئ. وكلفت الحكومات المتعاقبة "مجلس الإنماء والاعمار" تأمين التمويل اللازم لهذه المحطات. وتم تلزيم محطتي الغدير وجبيل/البترون، ويتوقع تلزيم محطة طرابلس صيف 2002، والعقود جاهزة لمحطات طرابلس وشكا وكسروان وصور. وهذه المحطات أولية ينحصر دورها في تصفية المياه المبتذلة من الأجسام الصلبة، وليست ثانوية قادرة على معالجة مياه الصرف الصحي للإفادة منها في الري والاستخدام البشري وتصنيع الأسمدة الزراعية، كما أنها لن تعالج مياه الصرف الصناعي. ويقول مسؤول في "مجلس الإنماء والاعمار" ان دراسة الجدوى الاقتصادية بيّنت أن كلفة إنشاء محطات ثانوية باهظة، وان المناطق الساحلية الزراعية التي تحتاج إلى الري تنحسر، إضافة إلى قلة المساحات المتوافرة لإنشاء محطات كهذه.
وفي غياب البنى التحتية الملائمة وشبكات الصرف الصحي الوافية، ترى الحاج أن إبقاء الوضع على ما هو يبدو أفضل من إنشاء المحطات. فالمحطة ستجمع مياه الصرف في مكان واحد من دون معالجتها في شكل كامل. أما المجاري المبعثرة فتوزع التلوث على مناطق أوسع بنسب ضئيلة. وتضيف: "أنصاف الحلول لا تنفع. ولا يجوز اعتماد أسلوب الأمر الواقع ووضع المواطنين بين خيارين سيئين: إما محطات قاصرة وإما تلوث".
"خصخصة" الشاطئ
تحولت المكبات الساحلية جبالاً عالية اقتحمت البحر. هذه المشكلة برزت بداية مع مكبَّي برج حمود والنورماندي في مياه بيروت، اللذين أغلقا منذ سنوات قليلة، لكن آثارهما البيئية على المياه ما زالت قائمة، والمشكلة متواصلة مع مكبي صيدا وطرابلس اللذين يلامسان المياه. فجميع أنواع النفايات، منزلية وصناعية وطبية، ترمى فيهما عشوائياً، فتحملها الأمواج والتيارات البحرية وتقذفها في أماكن عدة. وغالباً ما تظهر هذه النفايات على الشواطئ، وتعلق في شباك الصيادين، أو تفاجئ السابحين في البحر. وعند هبوب عاصفة يتحول كل شاطئ صيدا إلى مكب للنفايات من كل الأنواع، كإطارات السيارات والأبقار النافقة. وخلال سنوات الأحداث، من منتصف السبعينات إلى مطلع التسعينات، هيمنت قوى الأمر الواقع على الشاطئ، فأقامت موانئ غير شرعية ومنتجعات ومنشآت عمرانية غير مرخصة، بل "وهبت" بعض النافذين فيها أجزاء منه. ولم تنجُ من عمليات القضم والردم إلا مساحات ضئيلة، إما لأنها بعيدة من العاصمة والمدن الرئيسة مثل ساحل عكار، وإما بسبب تهجير أهلها كساحل الدامور، وإما نتيجة الأوضاع الأمنية في المنطقة الحدودية مع إسرائيل مثل شاطئ الناقورة. ويعتبر أمين سر جمعية "الخط الأخضر" المهندس سلمان عباس أن ملف الشاطئ اللبناني هو ملف سياسي بامتياز، "والا، فبماذا نفسر فشل كل الحكومات في معالجة موضوع الاعتداء على الأملاك البحرية؟". ويضيف نائب رئيس "التجمع اللبناني لحماية البيئة" عباس شمص: "إن رجال السياسة يتقاسمون الهيمنة على الشاطئ". ويذكر أن هذه المنتجعات الخاصة، المخالفة والمرخصة، تصرّف مياهها المبتذلة مباشرة في البحر، ولا يفرض عليها اقامة محطات معالجة داخلية.
وفي مسح لمديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، قدرت المساحات المشغولة على الأملاك العمومية البحرية، الشرعية وغير الشرعية ب335،567،7 متراً مربعاً، ما عدا مشروع شاطئ ضبية الذي تبلغ مساحته حوالى 000،400،1 متر مربع، والأرض التي تشغلها شركة إعمار وسط بيروت سوليدير والمقدرة ب000،600،1 متر مربع، ومشروع لينور ومساحته حوالى 000،300،2 متر مربع.
وقبل بضع سنوات وضعت وزارة النقل والأشغال العامة مشروع قانون لتسوية المخالفات على الأملاك العمومية. وبرز خلاف رسمي على حجم العائدات الممكن تحقيقها من التسوية، في حين رفض أصحاب المؤسسات والمجمعات السياحية البحرية الصيغة المقترحة.
ويرى كثيرون أن هذا المشروع لم يأتِ حباً بتسوية الوضع البيئي للشاطئ، بل نظراً لما يحققه من موارد مالية تسد جزءاً من العجز الحاد في خزينة الدولة.
حتى اليوم لم يتم اقرار مشروع القانون. ويتساءل سلمان عباس: "أليس غريباً في بلد يعاني ضائقة اقتصادية ألا يُعمد إلى تغذية خزينته من أموال الذين استملكوا شاطئه خلافاً للقانون؟ أليس غريباً ألا يتوصل المسؤولون إلى رقم نهائي حول العائدات، وأن تتفاوت التقديرات بين 6 بلايين دولار، وفق حسابات النائب السابق وديع عقل، و235 مليون دولار، بحسب وزير المال السابق جورج قرم، و27 مليون دولار بحسب مصادر وزارة المال الحالية؟". ويبقى الحل النهائي أن تُهدم كل المخالفات، ويعود الشاطئ المسروق ملكاً للناس، ضمن مخطط تنظيمي عصري.
* ينشر التحقيق بالاتفاق مع مجلة "البيئة والتنمية"، عدد شباط فبراير 2002.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.