سفينة "راينبو وارير" التابعة لمنظمة "غرينبيس" الدولية التي تحولت في مرفأ الدوحة الى منبر لمعارضي العولمة اثناء عقد مؤتمر منظمة التجارة العالمية، وصلت الى بيروت، وكان رسوّها في مرفأ العاصمة مناسبة لاستعادة الحملة التي لم تلق اصداء رسمية حتى الآن لمكافحة التلوث الذي يصيب الشاطئ اللبناني ويهدد ثروته الحيوانية وصحة سكان البر الذين، كما قالت مسؤولة حملات المنظمة في لبنان زينة الحاج، يسجون في مياه تصب فيها كل أنواع المياه الآسنة ويأكلون منها. وكانت حملة "حق المعرفة" التي جرت على طول الشاطئ اللبناني خلال اشهر اليف حيث قام ناشطو المنظمة بتوثيق مواقع التلوث، اظهرت ان، إضافة الى المكبات الساحلية المعروفة، هناك اكثر من 55 مجروراً، على طول الساحل اللبناني. علماً ان المنطقة الممتدة من الجية جنوباً مروراً ببيروت وصولاً الى جونيه شمالاً تحتوي على مكبين وأكثر من 25 مجروراً ونحو 10 مجار صناعية. وهذه منطقة تشهد أعلى نسبة من المسابح في مسافة تمتد لنحو 30 كلم. وتشهد صيدا كارثة بيئية نتيجة وجود مكب ضخم يسرب المواد السامة مباشرة الى البحر ونحو 10 مصبات صناعية وأكثر من 12 مجروراً، اما طرابلس فتستدعي تدخلاً مباشراً، على ما جاء في تقرير الحملة. في حين تمثل شكا وسلعاتا الشماليتان معلماً للتدمير الصناعي. وأوضحت الحاج ان ناشطي الحملة كانوا أخذوا عينات من مصادر التلوث على طول الشاطئ اللبناني خلال العام 1997 وبينت نتائج التحاليل وجود نسب مرتفعة من الملوثات السامة، لا سيما المعادن الثقيلة، وفاقت هذه النسب المعدلات المسموح بها والموجودة طبيعياً في أماكن عدة". وأضافت: "وعلى رغم توفير الدراسات العلمية للحكومة منذ أربع سنوات، فإن الجولة التي قامت بها "غرينبيس" هذا العام لم تظهر أي تحسن طرأ على حماية المورد الطبيعي والتاريخي والسياحي والاجتماعي الوحيد الا وهو البحر الأبيض المتوسط". وكان ناشطوا المنظمة قاموا بين 27 تموز يوليو و26 آب اغسطس 2001 بجولة على طول الشاطئ اللبناني لمدة خمسة اسابيع وزاروا ابرز المرافئ والمنتجعات الساحلية والشواطئ، واتضح ان المواد الصناعية ومياه الصرف الصحي والتسربات والسوائل تسبب التلوث المستمر لمياه الشواطئ اللبنانية. وكشفت تقارير الجولة عن وجود اكثر من عشرة انهر تصب في البحر يمكن اعتبارها مجارير ايضاً، وحددت الحملة 143 مصدراً للتلوث على الشاطئ اللبناني الذي يبلغ طوله 217 كلم. ولحظت وجود مكبات والى جوارها مرافئ صيادين يصطادون السمك ويبيعونه للمواطنين، على ان الصيادين يتذمرون من وجود كميات كبيرة من البلاستيك او اكياس النايلون التي تعلق في شباكهم ومحركات قواربهم. وتترسب من النفايات التي تُلقى في البحر سوائل تلون المياه بلون رمادي داكن او اسود بينما يجد السابحون نفايات صلبة هنا وكتلاً من الزفت هناك الى جانب اكياس بلاستيكية عائمة في اكثر من مكان. ويقدر عدد المجارير في منطقة الرملة البيضاء بنحو ستة وهي منطقة تضم مسبحاً شعبياً يقدر عدد قاصديه بنحو 250 ألف نسمة على مدار السنة، في حين ان في منطقة جونية نحو 30 مسبحاً محاطة بغابة من المصانع التي تلقي نفاياتها في مصبات في البحر. كما تجاور المسابح المصانع في منطقة جبيل. ولا يبق سليماً نسبياً من الشاطئ اللبناني الا مساحات قليلة جداً لم تطلها مسببات التلوث. منها: الزهراني - الصرفند والدامور وعمشيت قبل نفق شكا. ولا يتقصر خطر التلوث على المياه المبتذلة بل يتعداها الى الصحة البشرية فالجراثيم البكتيريا والفيروسات الموجودة في السوائل المتدفقة الى البحر قد تنتقل الى الاشخاص الذين يحتكون بمياه البحر الملوثة. وتتوزع مناطق التلوث الصناعي الحاد على الشاطئ اللبناني على الشكل الآتي: خليج الدورة صناعات مختلفة بما فيها المدابغ والمصانع الكيماوية وصيدا والغازية صناعة الدباغة وسلعاتا صناعة الأسمدة الكيماوية وشكا صناعة الاسمنت والانترنيت/ اميانت وذوق مصبح صناعة الأقمشة والصناعات الكيماوية. وتغيب اشارات التحذير من مخاطر الصيد في الأمكنة التي تصب فيها مصارف المياه الصناعية. على ان المواد العضوية القابلة للتحلل البيولوجي تحذب الرخويات والاسماك التي تتغذى عليها، كما تدخل الملوثات السامة التي ترمى في البحر بما فيها المعادن الثقيلة كالكادميوم والزئبق الى السلسلة الغذائية لتلحق الضرر بالصحة العامة. وكان عدد من الصيادين افاد عن خفض عدد الاسماك التي يصطادها، إضافة الى اختفاء بعض انواعها في بعض المناطق. وأشار غواصون الى وضع مريع فيعمق المياه في بعض المناطق حيث امست الحياة البحرية نادرة او غائبة بالكامل، وتشكل خلجان سلعاتا والدورة وصيدا ادلة فاضحة على ذلك. وكل ذلك يدفع الى دق ناقوس الخطر كما قالت الحاج، ومطالبة وزارة البيئة اللبنانية بتوقيع اتفاق برشلونة 1976 اتفاق حماية البحر المتوسط من التلوث، وتنص على انه يتوجب على جميع الدول الموقعة بصورة فردية او مجتمعة اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب التلوث في المتوسط وازالته بهدف حماية البيئة البحرية وتحسينها في المنطقة كي تسهم في تعزيز التنمية المستدامة. وكان الاتفاق عُدل عام 1995. وتؤدي البرتوكولات الستة الجديدة في حال التصديق عليها الى تأمين الحماية للبحر المتوسط. وكانت انضمت الى الاتفاق كل دول المتوسط الساحلية، إضافة الى الاتحاد الاوروبي الا ان تونس هي الدولة الوحيدة التي صدقت على كل البروتوكولات، في حين ان الاتحاد الاوروبي وكل من اسبانيا والمغرب وموناكو وايطاليا ومالطا وفرنسا ما زالت في حاجة للتصديق على بروتوكول او اثنين. والتزم عدد من الدول منها سورية والجزائر واليونان وسلوفانيا واسرائىل التصديق على بعض البروتوكولات ولم يصدق لبنان الاتفاق او يعلن التزامه حتى الآن بحجة ان الحكومة ما زالت تدرسه وأبعاده على الاقتصاد الوطني. ويعطي اتفاق برشلونة الاولوية لمنع استخدام المواد السامة ذات الأثر الدائم والتي تتراكم في الطبيعة. وحُددت 12 مادة ضمنة الاولوية وهي تتضمن المبيدات الآتية: Endrin - Diedrin - Aldrin - DDT - Toxaphene and hexachloroben zene - Mirex - Heptachlor - Chlordane، كما تتضمن المواد الكيماوية الصناعية مثل "بي سي بي" اضافة الى المواد الناجمة عن عمليات التصنيع والانتاج مثل ديوكسين وفوران. وتشير منظمة "غرينبيس" الى ان احداً لا يدري اين تستعمل وتصنّع وترمى هذه المواد في البيئة اللبنانية، فالأرقام والمعلومات شبه نادرة، والمواطن عرضة لهذه الملوثات من دون معرفته، وبالتأكيد من دون موافقته. ورأى رئىس جمعية الخط الأخضر الدكتور علي درويش الذي شاركت جمعيته في الحملة ان ملف التعديات على الأملاك العامة البحرية لا يقل اهمية عن الملفات الاخرى، ومن غير المقبول بعد عشر سنوات على نهاية الحرب ان تبقى التعديات على الاملاك البحرية قائمة وان يسمح بتعديات جديدة كما حصل في العام الماضي في منطقة شكا - الهري وحالياً في منطقة الرملة البيضاء. وفي تحرك رمزي سلمي للضغوط على الحكومة اللبنانية لمكافحة التلوث الحاصل، انضم طاقم سفينة "غرينبيس" الى الناشطين اللبنانيين في بناء سد فوق مجرى نهر الموت الذي يصب في خليج الدورة لوقف جريانه، وعمدوا الى اقفال انبوب صرف صحي وصناعي يصب نفاياته مباشرة في البحر بلوحة كتب عليها: "يكفي"، ورفعوا لافتة اخرى على جسر النهر كتب عليها "حقنا ان نعرف من السبب"، وعلقوا لائحة بالملوثات التي تستخدم في الصناعة. والمفارقة ان عناصر من قوى الأمن الداخلي حضروا الى المكان واستفسروا من الناشطين عما يقومون به، وحين شرحوا لهم انهم يحاولون وقف التلوث الحاصل، اثنى العناصر على فعلهم لأنهم كما قالوا سبق ان رفعوا شكاوى كثيرة الى المعنيين عن هذا التلوث إلا أن احداً لم يتحرك!