تتعرض سواحل البحر الأبيض المتوسط، وهي مهد الحضارات القديمة، لتعديات يومية تهدد نظامها الأيكولوجي، يزيد في حدّتها أنه بحر شبه مغلق، ويحتاج إلى قرن كي تجدّد مياهه. وكذلك تستقطب سواحل المتوسط ملايين من السكان الذين يعيشون عليها، ما يساهم في زيادة الضغط بشرياً على الموارد البحرية المحدودة. وانسجاماً مع دأبها على حماية شواطئ المتوسط، ودفاعاً عن ثرواته وموارده، أطلقت منظمة «غرينبيس» GreenPeace تقريراً حمل عنوان «شبكة محميات بحرية مقترحة في المياه اللبنانيّة». وجاء هذا التقرير مرحلةً متقدمة من حملة «غرينبيس» للدفاع عن المتوسط. وأورد نتائج بحوث عن مياه الساحل اللبناني، أُجريت خلال السنتين الفائتتين. إذ يحدد التقرير وضع المناطق الحيوية على الشاطئ اللبناني، مورداً أهميتها بيولوجياً وتاريخياً واجتماعياً واقتصادياً. يضم البحر المتوسط بيئة غنية قرابة 9 في المئة من التنوع البيولوجي في البحار عالمياً. وتضمن التقرير دراسة عن تجارة الأسماك في لبنان وأساليب الصيد فيه. وكذلك حدّد المخاطر التي تتهدّد البيئة البحرية في لبنان، مثل التلوث، والعمران الساحلي العشوائي، وأساليب الصيد الجائرة وغيرها. وركز التقرير على مروج الأعشاب البحرية، ومصبات الأنهار التي سُنّت القوانين لحمايتها ولكنها لا تطبق. ولم يهمل التقرير المحميتين الوحيدتين لبنانياً، في طرابلس (جزيرة الأرانب) وصور. وفي هذا الصدد، قال مسؤول حملة المحيطات في لبنان، قره بيت قزانجيان: «التقرير ثمرة جهود استمرّت لأكثر من ثلاث سنوات... وتستند إليه «غرينبيس» في خطواتها في حماية تنوع البيئة البحرية الساحلية وإنعاش المخزون السمكي المستنفد». وكذلك شدّد عالم البحار في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ميشال باريش على اقتراح إنشاء شبكة المحميات البحرية، لحماية الأنواع المائية ومواطنها. واقترح التقرير إضافة 18 موقعاً إلى قائمة المناطق اللبنانية البحرية التي يجب حمايتها. تمتد هذه المناطق المقترحة من العريضة في شمال الشاطئ اللبناني إلى الناقورة في جنوبه. وتشمل طيفاً واسعاً من النُظُم الأيكولوجية وأنواع الحياة البحرية المعرضة للانقراض. والمعلوم أن أعداد الأسماك تتضاءل سنوياً في لبنان بسبب عوامل إقليمية وعالمية. وتحظى ثلاث مناطق في التقرير باهتمام واسع لكونها الأقل عرضة للنشاطات البشرية وتمتعها بمواصفات طبيعية متفوّقة. وطالب التقرير بتوسيع رقعة الحماية المائية لجزر الأرانب، وتأمين الحماية لمواقع مثل مصب نهر القاسمية (صور) وخليج الروشة (بيروت) وشاطئ البترون وأنفه (في الشمال) والشاطئ الصخري لمدينة صور. وحضّ التقرير على إنشاء منطقة حظر على طول الساحل اللبناني، تمتد 500 متر في عرض البحر، فيُمنع فيها استخدام أساليب الصيد الجائرة، بهدف حماية الأسماك الفتية. وراهناً، تعمل «غرينبيس» مع وزارة البيئة وبلدية جبيل لوضع اللمسات الأخيرة لإنجاز محمية جبيل البحرية، كأول خطوة في تنفيذ شبكة المحميات البحرية في لبنان.