شموس واهية أيّها البدو الذين يقرأون في الرمل التبرَ ودم الغزالة، أيّها الصيّادون الذين يجيدون عبر أنفاس البحر رصد أسماك الطون المطعونة، أيّتها النسوة ذوات العيون المكحّلة اللواتي ينسجن، بصمت الخيوطَ الدقيقة للابتهال، أعمالك، أيتها الشموس الواهية ليس لها من عادة سوى الموت لكنّ هذا الموت لا يشيخ. غزّة مخيم "موقت" للاجئين الفلسطينيين، نُصب هنا على الكثبان، قبل اعوام، قرب غزة. بقاء عابر في المخيمات الوبيئة المحصورة بين البحر والأسلاك الشائكة التي تأكّلها الصدأ. هاربين من النتانة التي ينشرها الهواء - لا ماء يجري ولا مزاريب - يجتاز الأطفال، كل صباح، الطريق الحربية التي تجوبها الآليات المصفحة، ذاهبين الى الشاطئ ليلعبوا لعبة الحرب، من حول سفينة عتيقة اصطدمت بالرمل. البنادق والرشاشات التي يستخدمونها ببراعة ما زالت من خشب اسود، ولكن بات يلتمع في نظراتهم بريقُ المعدن المصقول الذي يماثل الاسلحة الحقيقية التي ستصبح قريباً بين ايديهم. سنونوة سيدي بو سعيد لاحت حينما كان الصوت المجوِّد للمؤذّن يدعو الى صلاة العشاء. بدت أولاً، كأنها تجمدت نصب مقهى البورياء، لكنّ نسمة خفيفة جعلتها تنزلق باندفاعتها، وخلال ثانية، امتزج خطّ جناحيها بالخط الذي يتزاوج فيه البحر والسماء. ثم، اذ واصلت هبوطها، اصبحت فجأة العلامة المتحركة والقاتمة ملء أبيض الجدران وأزرق المشربيّات. راح الهواء يفوح بعطر الياسمين، ومن قرطاج كانت تصّاعد ضبابة دافئة عندما انقضّت السنونوة صوب المرفأ حيثما اصبحت مرة اخرى ذلك الشراع الذي اتاح له سحرُ المكان، للحظة، ان يتخلى عن ظاهره. كل هذي العصافير الخائرة في بعض أيام الشتاء تنسى الريح شراستها وتحمل وشاحاً من أوراق الى مجرى الدروب المحفورة الأرض والمطر متحالفين يرغبان في ذلك التحنان ليُشبعا به الكرمة أو الدراقن يا زائر السياج بالزرد الذي ما برح يابساً أنت لا تستأهل مثل هذه الأشجار عند قدميك ولكن بما ان هذه السقطة هي المحط الأول شجرة الكستناء دع للصبي كل هذي العصافير الخائرة. شجرة الكستناء، من ورائي لها يدا رجل عجوز ترفع جذوره البيت لذلك حُكم عليها ثم انقذتها صنج الأناة لقد أبصرتْ عجوز المزرعة القديمة يرحل وستبصرني أرحل، وربما، مع صديقها قصرِ الماء، بينما المنزلُ يواصل صعوده صوب صرخات الأطفال بقع شمس لاستكشافنا الهارب الانسان وأقنعته مقاطع الرجل وحصانه كانا يؤثران ان يعدوَا في الغابات وخصوصاً في الشتاء. لم يكونا يتوهان أبداً، حتى في الميدان المألوف قليلاً: كان الجليد الرقيق والثلج يحتفظان بأثر من عَدْوِهما، كمثل الأشجار السود التي كانت أفنانها الخفيضة مقصوفة عند الممر. في أحيان كانا يلتقيان الموت، الذي كان هو نفسه ضائعاً ولكن من غير ان يعلم. كان يحدث اذاً ان يصنعا له خيط وجهة نحو فرجة غابة حيثما كانت الشمس تحتضر. *** عندما تصبح الأشجار من آجرّ والمنازل من أوراق يصبح الليل مائعاً كالبحر وننام في الأعشاش التي ستكون حلّت محلّ النجوم، العصافير، نفسها، ستعمل في المصارف، مع الحطّابين. *** هذي النار التي يحملها في داخله، هل كانت تأتي من أبولون أم من علبة الثقاب؟ هذا المفتاح الذي في جيبه، هل كان يصلح ليفتح آفاقاً أم ليُغلق على المستقبل؟ العلبة فقدها والمفتاح. في مطعمه المألوف أرسلت الخادمة من أجل الطعام "... وكبد مشوية جداً للسيد برومثيوس، كبد واحدة!" *** هنا، يرمون الخبز من النوافذ. هناك، يموتون جوعاً. هنا يرمون السيارات على الأشجار. هنا يمشون حفاة في الغبار. هنا يشتهون منزل جارهم. هناك ليس من منزل لديهم. *** الانسان تسكنه غيوم تعرفه منذ الطفولة. *** إنها عدن حيثما كان الأسد يحيا بسلام مع الانسان. كل واحد، بنظرته كان مرآة الآخر، واللغة كان ما زال لها مظهرُ الأشجارِ الكبيرة.