يشهد إياب بطولة تونس لكرة القدم اختبارات دورية للمنشطات، علمًا أن الاتحاد السعودي قرر أخيرًا أنه سيستعين بمختبري باريسوتونس لاكتشاف المنشطات ضمن جهوده لتعزيز إجراءات الاحتراف في مسابقاته، ما شكل مبادرة تجاه المختبر التونسي الحديث العهد والأول عربيًا والثاني أفريقيًا بعد جنوب أفريقيا. والذي أكد نجاح هذا المشروع الاستثماري الذي تأسسس العام الماضي على هامش احتضان دورة ألعاب البحر الابيض المتوسط. وسيشجع ذلك التوانسة على تعزيز قدراتهم العلمية وصدقيتهم الأخلاقية في حقل مكافحة المنشطات وتطوير الطب الرياضي، الذي لا يزال يعاني هشاشة في التشريع والممارسة في غالبية الدول العربية. لقد تحول إجراء تناول المنشطات واقعًا في ظل هوس الرياضيين والأندية والمنتخبات بالتواجد على منصات التتويج بأي ثمن، وتجاهلوا تحت الضغط الجماهيري والاعلامي والاعلاني الكبير تحذيرات "قتل" هذه الآفة الروح الرياضية والمنافسة الشريفة والعادلة. ويعتقد 90 في المئة من الفرنسيين أن العدائين وسائقي الدراجات الهوائية يتناولون المنشطات، وشككوا بنتائج غالبية الاستحقاقات الإقليمية والدولية. وإذ أحيا تأسيس الوكالة الدولية لمراقبة تناول المنشطات عام 1999 الأمل في عودة الروح للمبادئ الرياضية السامية، إلا أن المسافة الشاسعة بين الأمل المنشود والوقائع الميدانية لا تزال بعيدة في السباق من أجل الألقاب والتتويجات وسيطرة المال على الرياضة. وأبرزت دراسة أجراها المركز التونسي للطب الرياضي بالتعاون مع كلية الطب المحلية عن نتائج مئة رياضي ينتمون إلى المنتخبات الوطنية في ألعاب مختلفة أن 20 في المئة فقط منهم يعرفون بعض أسماء المواد المنشطة، في حين اعترف 72 في المئة منهم بمعرفتهم رياضيين تناولوا المنشطات غالبيتهم زاولوا ألعاب القوى. وأوضح 78 في المئة أنهم يطلعون على تفاصيل هذه المسألة من طريق وسائل الإعلام، و42 في المئة منهم عبر مدربيهم أو أطباء الأندية التي يدافعون عن ألوانها. وكانت كشفت الحالة الاولى لتناول المنشطات في تونس عام 1991، في حين أشار المختبر إلى وجود حالتين إيجابيتين فقط في 259 اختبارًا أنجزها العام الماضي، علمًا أن ستة رياضيين من "الضفة الشمالية" تنشطوا في دورة ألعاب المتوسط. وفي الاطار ذاته، كفى تناول إسكندر السويح ابن صفاقس المدلل وصانع ألعاب الترجي التونسي حاليًا قطعة شوكولا مستوردة في ظل جهله المواد المنشطة المحظورة وغياب الإشراف الضروري من طبيب النادي، لوقوعه في فخ الفحص الايجابي عقب إحدى المباريات الودية لمنتخب بلاده، وحرمه الاتحاد الدولي من اللعب فترة ستة أشهر، ما جعله يغيب عن المونديال الاخير ومباريات فريقه الترجي في دوري أبطال أفريقيا الذي تجددت خيبته فيه للموسم الرابع على التوالي. يذكر أن المركز التونسي للطب الرياضي أنشئ بالقرب من مختبر مراقبة تناول المنشطات بتكاليف إجمالية تجاوزت 5،2 مليون دولار وبتجهيزات حديثة استوردت من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. إبحث عن المرأة ويوظف المركز 26 طبيبًا يتصل عملهم بالطب الوقائي والعلاجي والإسهام في تحسين أداء الرياضيين التوانسة الذين يتمتعون بخدماته مجانًا. ويعمل في مختبر مراقبة المنشطات أطباء وصيادلة ومهندسون في الكيمياء التحليلية خضعوا لدورات تدريبية في بلدان أصبحت لها تقاليد عريقة في هذا المجال. ولعل المثير في التجربة التونسية الرائدة أن الدينامو المحرك في المركزين العلميين هي الدكتورة زكية البرطاجي أول أخصائية تونسية في الطب الرياضي ومعتمدة من الفيفا والاتحادين الأفريقي والعربي لكرة القدم لمراقبة المنشطات... فإذا أردت الحداثة، إبحث عن المرأة. وعمومًا، تصب هذه الخطوات كلها ضمن "الثورة الهادئة" في تونس التي تسعى بإرادة رئاسية حازمة إلى دفع عجلة الرياضة المحلية على درب الحداثة والاحتراف استنادًا إلى أسس علمية تهدف إلى النهل مجددًا من سلة الذهب عربيًا وإقليميًا ودوليًا. ونذكر من بين هذه الأسس إنشاء وزارة مستقلة بدأت في ضخ الدماء في شرايين الإصلاح التي تمس زيادة نشاطات المعاهد والجامعات وإعداد الرياضيين والمشرفين ضمن اختصاصات علمية دقيقة ومركز الطب الرياضي ومختبر مراقبة المنشطات.