قال اسعد ان ابنه طلب منه السماح له بالمشاركة في التظاهرة التي كانت المعارضة في لبنان تنوي اقامتها احتجاجاً على اقفال محطة تلفزيون "ام تي في". الآن السلطة في لبنان لم تعط ترخيصاً للتظاهرة، واكتفى الطلاب باعتصامات في جامعاتهم، وهذا من باب الوسائل المستخدمة من دولة لبنان التي استضافت قمة الفرنكوفونية وأشبعت رؤساء الدول المشاركة دروساً في ديموقراطيتها واحترامها حقوق المجموعات وحريتهم. قبل قرار المنع، فكر اسعد بما سيقوله لابنه الذي لم يبلغ بعد ال16 عاماً. الأمر محير فعلاً. فهو، أي أسعد، كان استقال من السياسة كما تمارس في لبنان بعد ان امعن في الانغماس فيها، لكن حماسة ابنه للمشاركة في التظاهر كبيرة، وزملاء الفتى في مدرسته سيشاركون. ثم ان اسعد نفسه يشعر ان التظاهر هذه المرة ضرورة، وعندما راح يتشاور مع زوجته في شأن مشاركة ابنهما الوحيد في التظاهرة، أسرّ لزوجته انه هو بنفسه يرغب في المشاركة. اما الزوجة فكان رأيها عدم اعطاء الاذن للفتى في التظاهر، اذ انها سبق ان تعاهدت مع زوجها ومع نفسها بعدم الانزلاق مجدداً في الانحياز في بلد تبدو الحقائق فيه غير واضحة. منع الشباب من التظاهر في بلد كان استضاف قبل ايام القمة الفرنكوفونية. وسلطة هذا البلد كانت قبل اشهر قليلة اقفلت محطة تلفزيونية يدرك جميع اللبنانيين ان وراء قرار اقفالها دوافع عائلية بالدرجة الأولى وسياسية بالدرجة الثانية، اما قضية مخالفتها القانون فأمر ثانوي قد لا تكون اقدمت عليه، وهي إن فعلت فقد سبقها الى هذه المخالفة معظم المحطات التلفزيونية في لبنان وفي مقدمهم المحطة الرسمية التي كان أركان الدولة الواقفون وراء إقفال "ام تي في" استعملوها في معاركهم الانتخابية الخاسرة أسوأ استعمال. المشكلة ان سياسيي لبنان راغبون في اقحام الشباب مجدداً في الدرك الذي اوصلوا السياسة اليه. فهم سبق ان عالجوا مسألة لقاء قرنة شهوان بأن انشأوا لقاء حمد الذي دُفع اعضاؤه الى تخوين لقاء قرنة شهوان واتهام اعضاء فيه بارتباطهم بمشاريع خارجية "تلك التهمة التقليدية البائسة". ويبدو ان الأمر انسحب على الطلاب، ففي الجامعة الأميركية في بيروت وبينما كان طالب من التيار العوني يلقي كلمة في اطار الاحتجاج على منع التظاهر انبرى له طالب من حركة "أمل" واتهمه بأنه ينتمي الى تيار حليف لإسرائيل. الميل التخويني هذا المستمد من ثقافة ترعى السياسة في لبنان قد يبقى في نادي السياسيين في حدود الضبط المعروفة من جانب اللبنانيين، ولكنه في اوساط الطلاب يؤسس لضغائن جديدة. فهؤلاء الطلاب في الجامعة الأميركية مثلاً من المفترض ان يعيشوا معاً وأن يلتقوا كل يوم بحكم انتسابهم الى جامعة واحدة، وأن يتبادلوا مشاعر من هذا النوع. فالأمر مختلف. السياسيون طبعاً وبحكم قصورهم، غير معنيين بنتائج ذلك، وهم بحكم صدورهم عن حروب وارتزاق لا يشعرون بأي مسؤولية حيال ما يجري في الجامعات. أن يتحول النائب ناصر قنديل الى نموذج في الجامعات يستمد الطلاب من معاني خطبه اساليب تخاطبهم، فإن الأمر يستدعي توقفاً عن اي نشاط. هذا التحول سلاح فتاك من المفضل الاستسلام له. هكذا تمنع المجتمعات من الانخراط في السياسة ومن لعب اي دور عام، خصوصاً ان القوى الأمنية على الأبواب... علينا مراقبة ما جرى: اقفلت ال"ام تي في" بعد انتخابات فازت فيها المعارضة ثم منعت هذه المعارضة من الاحتجاج، وفي هذه الأثناء قام القريبون من السلطة بالتلويح بأسلحة النصف الثاني من الشارع، ونبشت ملفات كانت نسيت. بالأمس شاهدنا على شاشات التلفزيون في لبنان طلاباً يقفون خلف البوابات الحديد لجامعاتهم، في وجوههم شهرت خراطيم ماء شديدة الدفع، فتكتلوا لدفع الماء عن اجسام بعضهم. لم يكن عناصر الشرطة مستأسدين في تصديهم للطلاب هذه المرة، ولكن قرار المنع كان صارماً، فكان الطلاب والشرطة وكأنهم يؤدون طقساً يدرك طرفاه حدودهما فيه، ولكنهما مجبران على تأديته. الطلاب يشعرون بضرورة التجمع خلف اسوار الجامعة مع علمهم أنه لن يسمح لهم بالخروج، ورجال الشرطة مطلوب منهم توجيه خراطيم مياههم باتجاه الطلاب على رغم انهم يدركون ان أحداً لا ينوي الخروج. هذا المشهد سيضاعف حيرة اسعد. هل كان من المفترض ان يسمح لابنه بالمشاركة؟ التظاهرة ألغيت وتبددت حيرة الرجل.