نشأ الفنان البحريني خالد الشيخ على ثقافة الاغنية العربية وتقاليدها. خاض تجارب فنية متنوعة جعلت منه فناناً نخبوياً يحارب العصر الغنائي المتدهور بثقافة واتزان. اعماله الغنائية تتحدث عن رهافة حس وتره ورقة نبرة صوته ورومانسيته مثل أغنية "عيناك" للشاعر الراحل نزار قباني وأغنية "يا معلق بحبل الحب". كذلك اغانيه الملتزمة والناقدة. وفي الالحان يضع خالد الشيخ كل احاسيسه في نغمة يطوع ثقافته المكتسبة في خدمة المقطوعة الموسيقية التي لا يبتعد فيها عن الانغام العريقة. هنا حوار معه: عملت ونقبت عن الاشغال والأسس والأبحاث الموسيقية... هل من المعقول ان تتفرغ كلياً للبحث الموسيقي وتأخذ لقب "دكتور" مثلاً؟ - لا اعتقد، مع العلم انني درست العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة الكويت لمدة ثلاث سنوات. وبعدها خرجت الى القاهرة لأدرس العلوم الموسيقية وبقيت سنة واحدة في الكونسرفاتوار وأخذت بعض العلوم الابتدائية في الموسيقى. وأنا ادرّس نفسي بنفسي، منذ العام 1981، وأهتم بأن ابقى طالباً مجتهداً، لكن ليس وارداً عندي ان اكون باحثاً. هل تؤثر خلفية الفنان في اختياره للكلمات؟ - اعتقد ان مصيبة ستحصل اذا كان الفنان لا يمكنه ان يكون فناناً إلا بوجود نص. وبعدم وجود النص يصبح الفنان غير موجود، وهذا ما تأسست عليه ثقافة الاغنية وتقاليد الاغنية العربية، وهناك فئة من الملحنين، مع احترامي الشديد لهم وتقديري لعطاءاتهم، قدموا صورة تقول انه اذا لم يكن هناك نص لا يمكن ان تكون هناك موسيقى، وأنا اعتقد ان العكس صحيح، مثلما يكون هناك شعر جيد هناك موسيقى جيدة واذا حصل بينهما زواج شرعي فأهلاً وسهلاً، واذا لم يحصل اعتقد ان هذا هو الفن الحقيقي، وهناك تجارب قوية في العالم العربي اثبتت انه عندما يكون الملحن مؤلفاً يستطيع ان يلوي عنق النص... ما الذي أثر فيك فنياً وأسهم بنجاحك؟ - اعتقد ان البيئة والتنشئة الدينية التي تربيت عليها في بيت جدي لوالدي كان لها الاثر الكبير. وما زلت اتذكر انهم عندما لاحظوا ظهور أعراض الفن عليّ، قالوا "يظهر من ظهر العالم فاجر"، وقصدهم انه لا يجوز ان يخرج احد من بيئة دينية ويدندن على العود ويغني. وكان هذا التحدي الاكبر في الموضوع، وكنت في البداية امارس الموسيقى خارج البيت بطرق ملتوية، حتى لا تعرف العائلة. وفي مرحلة لاحقة وفي الكويت خلال عملي في وزارة الاعلام كانت مرحلة البداية الحقيقية في الجو الطالبي وبعيداً من الاهل وبالاعتماد على الذات ووجود آخرين من جنسيات مختلفة يحبون الموسيقى فشجعوني على العزف وأتذكر منهم صديقي محمد الشناني الذي علمني النوتة في الكويت، وأصبحت عنصراً مهماً في المجتمع الطالبي الذي كان ينظر اليّ نظرة تقدير لأنني اعزف على العود. لماذا توقفت عن دراسة الموسيقى في الكونسرفاتوار في مصر؟ - كان وراء ذلك حكاية، وهي انه فُتحت سفارة لاسرائىل في شارع محي الدين ابو العز في منطقة الدقي في القاهرة، وكان في تلك الايام معارضة عربية لافتتاح سفارة اسرائىلية في مصر، وكنا مجموعة من الطلاب العرب نسكن في الشارع نفسه وتجاه مبنى السفارة وكان عليها طبعاً حراسة مشددة، وعندما كنا نمشي في الشارع ينظر الينا الحراس نظرة ارتياب وشك، وصرت اتضايق شخصياً من هذا الوضع فغادرت مصر بعد سنة اولى في الكونسرفاتوار وتابعت تعليم نفسي بنفسي. كل فترة تنزل الى الاسواق موضة فنية، برأيك من يفرض هذا التغيير، الجمهور ام الفنان؟ - الفنان لا يفرض شيئاً الآن، لأنه عبارة عن وسيلة لتوصيل منتج او سلعة، ولا اريد ان اذكر امثلة. لقد اقتنع الفنان من داخله بأنه صلة وصل جيدة لسلعة معينة تباع للناس، والسلعة تصنعها شركات الموسيقى في العالم العربي وهذه السلعة تسوّق جيداً ويتقبلها الناس. قدمت مع رجاء بلمليح اغنية عن فلسطين... لماذا لم تصورها بطريقة الفيديو كليب؟ - لحنت قصيدة لسميح قاسم اسمها "الزنادق" وغنيتها مع رجاء... وقد طبقت فكرتها في اكثر من مكان: بعض المشاهد صورت من قبل وبعض المشاهد لم تصور، اخذ كل تلفزيون او محطة القصيدة وقطعت عليها بعض المشاهد... هناك عشرات الفيديو كليبات للقصيدة نفسها ولكن لم تصور حقيقة حتى الآن. ضد فكرة تبني الاصوات! هل تأثرت بالسنباطي في تلحينك للقصائد الفصحى؟ - في البدايات تأثرت بالجميع، وكان تأثري أكبر بالسنباطي وعبدالوهاب وفيلمون وهبي. كان هناك تردد وخجل في دخول الاصوات النسائية المجال الفني، والآن هناك بعض الفنانات في الخليج، وخصوصاً في دولة الامارات، دخلن الفن واشتهرن، فهل ما زال هناك بعض القلق والخجل وهل تشجع هذه التجارب؟ - الخجل والمعارضة في طريقهما الى الانحسار... او بالأحرى تم طردها. وأعتقد ان المستقبل سيشهد اعداداً اكبر من الاصوات النسائية في الخليج العربي، سواء كن تملكن الكفاية ام لم تمتلكنها، انا اعتقد ان الخطوة التي تمت على صعيد الصوت النسائي في الخليج خطوة مهمة جداً. كانت لك تجربة في الغناء للشاعر نزار قباني وكانت ناجحة وكذلك الفنان كاظم الساهر وله تجربته ونجحت، برأيك اي تجربة سلط الضوء عليها اكثر، تجربتك ام تجربة كاظم الساهر؟ - في لبنان سلط الضوء على التجربتين وساهم في بقاء علامات متفرقة وبقاء انتاج كاظم متألقاً. لكن من الجانب الآخر اعتقد ان كلانا تقليديان في موضوع التناول الموسيقي، فأغنية "عيناك" تقليدية في المعنى الذي اشير اليه اي انها خليط من الانسجة اللحنية العربية وهي الموسيقى التابعة في شكل مخلص للقصيدة وبالكاد تفارق خطوط النص، انا انظر ايضاً الى الكثير من تجربة كاظم من هذه الرؤية وإلى انه ايضاً تقدم الى القصيدة باللحن نفسه. عندما تعطي لحناً لعبدالله الرويشد هل يكون بطريقتك وأسلوبك ام بالطريقة التي يريدها هو؟ - اعطيه لحناً خليطاً من الاثنين. فحاولت في فترة من الفترات ان ابعد عبدالله عن الاغاني التي كنا نقدمها معاً وكان عنيداً ويكافح بضراوة فكرة ان يأتي الى السكة التي اريدها ونجحت في عملين وهو نجح في كسر عودي قليلاً في بعض اغانيه. من هو الصوت الذي علمك؟ - عبدالله الرويشد وعبدالمجيد عبدالله، هذان الاثنان علماني كيف اغني لذلك احسن القليل من الغناء بفضلهما. فأنا مدين داخل الاستديو لهما وللتوجيه الذي قدماه لي.