افتتح أمس مهرجان السينما الأوروبية التاسع في بيروت ويستمر حتى الثاني والعشرين من الشهر الجاري بعرض فيلم "أن تملك أو تكون" للمخرج الفرنسي نيكولا فيلبير، وهذا الفيلم نصف الوثائقي تدور أحداثه في أحد "الصفوف الفردية" كما وصفها مخرجه قائلاً: "لا يزال يوجد في كل أنحاء فرنسا تقريباً ما نسميه "الصفوف الفردية" أي صفوف تجمع، حول الاستاذ نفسه أو المعلمة نفسها، جميع أطفال القرية من الحضانة وحتى انتهاء الصفوف الابتدائية. إنها الحياة اليومية بكل خيرها وشرّها. وفي أحد هذه الصفوف، في مكان ما جرى تصوير هذا الفيلم". والمهرجان الذي تنظّمه بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان بالاشتراك مع السفارات والمراكز الثقافية لدول الاتحاد الأوروبي يشكّل مناسبة حقيقية لتبادل الثقافات السينمائية بين الأوروبيين واللبنانيين، إذ يضمّ أفلاماً أوروبية حديثة الى جانب أفلام أخرى لجيل جديد من المخرجين اللبنانيين الذين تخرجوا في معاهد السينما في بيروت. ويبلغ عدد الافلام الأوروبية المشاركة 23 فيلماً، تشدد على النوعية العالية للإنتاج الأوروبي، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام الجمهور اللبناني لمشاهدة أول وثاني إنتاج لمخرجين شباب واعدين، إضافة الى أفلام تميزت في أهم مهرجانات السينما العالمية مثل "كان" و"البندقية" و"فالنسيا" و"مونتريال" و"برلين" و"مراكش"... ومن هذه الافلام فيلم "يد إلهية" للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان الذي حاز الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في الدورة الاخيرة لمهرجان "كان" 2002، وأثنت عليه الصحف الأجنبية متحدثة عنه بإعجاب. ومما قيل فيه: "انتبهوا جيداً ولا تدعوا المظاهر تخدعكم... لا تحكموا على الفيلم من عنوانه... أو من اسم مخرجه الفلسطيني أو حتى من موضوعه... كل ذلك قد يخيف من ليس لديه منكم حسّ الكفاح الوطني أو الوعي السياسي أو حتى الحشرية السينمائية... في الحقيقة ما يمكن قوله هنا انه فيلم رائع". ولا يختلف قول مجلة "استديو" هذا عمّا كتبه الكثير من المجلات السينمائية العالمية بتأكيدها نجاح الفيلم خصوصاً لجهة التقاطع بين الكوميديا والتراجيديا. وتدور أحداث الفيلم في مدينة القدس. ففي ظل الأوضاع السياسية المشحونة بين الفلسطينيين والاسرائىليين، يقرر رجل والد إيليا سليمان أخذ الأمور على عاتقه وخرق دائرة النزاعات الصغيرة فتكون النتيجة بتحطيمه نفسه. في هذه الأثناء تولد قصة حب جميلة بين فلسطيني يعيش في القدس إيليا سليمان وفلسطينية في رام الله منال خضر. وبسبب الوضع السياسي يتعذر على الفتاة ان تذهب أبعد من نقطة التفتيش الواقعة بين المدينتين، لذلك يلتقي الحبيبان في موقف للسيارات مهجور قرب نقطة التفتيش... في ظل هذا الواقع يتنازع الرجل العاشق شعوران: الحب من جهة والاعتناء بوالده المريض من جهة أخرى. واللافت في المهرجان غياب مخرج الفيلم عنه وحضور بطلته منال خضر، اذ لم يدرج اسم ايليا سليمان ضمن لائحة المخرجين الذين سيقومون بالتعريف بأفلامهم قبل العروض واكتُفي بذكر اسم بطلة الفيلم الرئيسة في لائحة المدعوين. ما وراء جبل طارق ويُشارك مراد بو سيف وتايلان بارمان في هذا المهرجان بفيلم "ما وراء جبل طارق" الحائز جائزة الجمهور في مهرجان الحب في تونس هذه السنة، إضافة الى الجائزة نفسها في مهرجان جان كارنيه وجائزة أخرى عن أفضل ممثل في مهرجان الفيلم في مراكش 2002. ويروي الفيلم قصة كريم الشاب المغربي الذي يحترم ثقافة بلاده ويحب أسرته، الا انه يقع ذات يوم في غرام شابة بلجيكية تدعى صوفي، فيضطر - أمام محيط ثقافي واجتماعي غالباً ما يتّسم بالعدائية - ان يبدأ بتحرير نفسه من ضغط التقاليد وإحباط مكائد العنصرية. وإذ به يكتشف وهو في صدد بحثه عن هويته الخاصة ان الحب وحده يسمح بتصالح التقاليد مع العصرية. ودفع هذا الفيلم بمراد وتايلان الى عالم الانتاج المهني فبدأت مغامرة جديدة لهما، تطلبت منهما إجراء تعديلات جدّية في أسلوبهما، ما اضطرّهما الى مواجهة تحدي ان يتمكنا من التكيف والإقناع من دون التخلي عن أساس قوتهما وتميزهما. وتتجلّى أهمية "ما وراء جبل طارق" - الذي تمّ تصويره بين بروكسيل وجبل طارق ولعب أدواره ممثلون غير محترفين ومتطوعون ارتجلوا مشاهد مستوحاة من محيطهم ومن محيط مخرج الفيلم في توثيق مختلف البيئات التي يعيش فيها المشتركون فيه بحيث يصبح فيلم هجرة بدلاً من ان يكون فيلماً عن الهجرة. "إنه انعكاس حقيقي ومؤثر للصعوبات التي يواجهها الجيل الثاني من المهاجرين الذين يتخبطون بين الاندماج والرفض في ما يختص بتعلم كيفية ان يصبحوا مستقلين من دون نسيان جذورهم في عالم غلبت عليه العدائية في معظم الأحيان". حفيدة ما ومن الأفلام المشاركة أيضاً في المهرجان الفيلم الاسباني El Abuelo الذي اشترك في الكثير من المهرجانات الدولية وحاز جائزة غويا 1999 لأفضل ممثل، كما رشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي - هوليوود 1998. وتدور أحداث الفيلم مع بداية القرن العشرين في مدينة صغيرة شمال اسبانيا حيث يعود الكونت ألبريت من أميركا وقد أصبح عجوزاً شبه أعمى ومفلساً. وبعد موت ابنه الوحيد، يعلم الحقيقة المرّة وهي ان إحدى حفيدتيه غير شرعية ولا تسري في عروقها دماء عائلة ألبريت النبيلة. وفيما أيامه تشارف على نهايتها، يرغب "دون رودريغو" ان يعرف أياً من الفتاتين تنتمي الى سلالته الأصيلة لأنها ستحصل على إرثه المعنوي فترفض زوجة ابنه ان تبوح له بالحقيقة، ما يضطره الى اللجوء الى صديق لحل هذا اللغز. ومن الأفلام الاسبانية المشاركة أيضاً فيلم "غويا في بوردو" للمخرج كارلوس ساورا الحائز جوائز عدة منها جائزة مونتريال 1999، جائزة سالرنبو 1999 أفضل فيلم، أفضل تصوير، أفضل ممثل، جائزة أكاديمية السينما الأوروبية 2000 وخمس جوائز غويا 2000 أفضل ممثل، أفضل تصوير، أفضل إدارة فنية، أفضل ملابس، أفضل ماكياج وتصفيف شعر. ويدور الفيلم حول الرسام فرانسيسكو دو غويا وحياته المملوءة بالجيّد والسيئ، فنرى فيها غويا الشاب الطموح الذي يكافح بضراوة لصعود السلالم المنزلقة لبلاط كارلوس الرابع. وهناك سيعرف الشهرة والثروة. وهناك أيضاً سيعرف حبه الوحيد، دوقة ألبا، وهي امرأة طبعت تاريخ عصرها، إلا ان حياتها كانت قصيرة إذ قتلها سمّ المتآمرين. ومن ايطاليا يبرز فيلم "سنوات حياتنا" للمخرج دانييل غاليانوني الذي حاز جائزة الجمهور في كل من مهرجان فيليربت 2001 ومهرجان البندقية ومهرجان كان ومهرجان تورين. ويدور الفيلم حول تجارب الأشخاص الذين شاركوا في حرب التحرير ضد النازيين. وقد أجبرت الاحداث هؤلاء الاشخاص على التصرف وكأنهم أكبر سناً مما هم عليه في الحقيقة. في الواقع، بلغ هؤلاء الأشخاص الكهولة وهم لا يزالون في ريعان شبابهم. إذ ان كل شعور بماض وحاضر يتناسب مع صور ذهنية مختلفة. والمقاربة الفنية توازي أيضاً رحلة هؤلاء الأشخاص في مطالبتهم بصداقاتهم القديمة، بشبابهم الضائع وأخيراً بمعنى الحياة بحسب قول مخرج الفيلم. ولا بدّ من ذكر الفيلم النمسوي "أصوات بيروت" للمخرج ماركو دورنغر الذي يلقي الضوء على حرب لبنان من خلال ثمانية أشخاص يتحدثون عن تجاربهم. وقد استطاع المخرج بواسطة استطلاعه آراء جيلين مختلفين في هذا الوثائقي ان يبيّن المقاربات المختلفة لفهم النزاع مستنداً الى معرفة مختلفة يملكها هذان الفريقان عن خلفية قضايا الحرب. كل ذلك اضافة الى عرض الكثير من الأفلام الأوروبية الاخرى التي لا تقل شأناً عن الافلام المنوّه عنها آنفاً. كما سيعرض خلال المهرجان 18 فيلماً قصيراً من انتاج ست مدارس لبنانية للسينما وسيقدّم الاتحاد الأوروبي للسنة الثانية على التوالي بواسطة لجنة التحكيم المؤلفة من مكلفين في شؤون الثقافة في سفارات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومن نقاد سينمائيين لبنانيين - جائزة لأفضل فيلم لبناني قصير، إضافة الى جائزة لجنة التحكيم. أما الهدف منهما فتشجيع المواهب الشابة وتعريف الجمهور بها.