فازت رواية "حياة باي" للكاتب الكندي يان مارتيل بجائزة "مان" "بوكر"، الاسم الجديد للجائزة لهذه السنة وتبلغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني وتعتبر الأهم في بريطانيا. وتتسم الرواية بغرابة موضوعها، إذ تدور على الصبي الهندي باي باتيل ونمر يقضيان فترة طويلة معاً في قارب نجاة في عرض البحر. الرواية بالانكليزية نشرتها دار "كانون غيت برس" في ادنبره اسكوتلندا 2002. هنا قراءة في عالمها. "حياة باي" رواية حافلة بالألغاز وبالغة الأصالة. وقد أدرجها البعض ضمن تيار "الواقعية السحرية" الا ان المؤلف يرفض هذا الوصف. كما يرفض مارتيل اعتبار الرواية أمثولة. ويقول: "انها ليست أمثولة، كما انها ليست أسطورية، بل اعتبر انها تنطوي على قصتين... وللقارئ أن يختار أيهما يصدق". تطرح "حياة باي" أسئلة عن العلاقة بين القصص والواقع، وتستكشف حيز الإيمان الديني، ولكن بأسلوب يمتاز بالتلاعب وخفة اللمسة. وقالت رئيسة لجنة التحكيم ليزا جاردين: "اخترنا كتاباً جريئاً يقدم استكشافاً ابداعياً للإيمان". يان مارتيل 39 سنة من مونتريال، وهو نجل الأكاديمي والديبلوماسي - وأيضاً الشاعر الكيبيكي المرموق - اميل مارتيل، الذي يعمل حالياً بالاشتراك مع زوجته نيكول على ترجمة رواية ولده الى الفرنسية. ولد يان مارتيل في اسبانيا وتنقل يافعاً مع أسرته في أنحاء العالم، من الأسكا وكوستاريكا الى فرنساوالمكسيك، قبل أن يقضي وقتاً في كل من ايران وتركيا والهند. وقد أعطته تجربة الحياة في هذا العدد من البلدان انفتاحاً على الثقافات الأخرى، وهو ما نلمسه في "حياة باي". يقع النص في ثلاثة أقسام. ويتحدث باي في القسم الأول بأسلوب كوميدي عن نشأته في مدينة بونديتشيري الهندية حيث يملك والده حديقة للحيوانات. ويبين السرد أن باي الصبي مفكّر ذو تطلعات روحية. انه من أسرة هندوسية لكنه لا يلبث ان يعتنق أيضاً المسيحية والإسلام، مثيراً بذلك سخط والديه والكهنة المحليين. ويتعرف باي على الإسلام وهو في الخامسة عشرة من عمره، عندما يذهب لاستكشاف حي المسلمين في بونديتشيري ويصادق خبازاً مسلماً هناك. ويقول باي: "أتحدى أي شخص أن يفهم الإسلام وروحه ولا يعشقه، انه دين جميل للأخوّة والإخلاص". ويقول عندما يصلي في المسجد للمرة الأولى: "شعرت بسعادة عندما حنيت جبهتي الى الأرض. أحسست فوراً انه تواصل ديني عميق". كان والد باي يشعر بضيق متزايد من سلطة رئيسة الوزراء انديرا غاندي، وقرر في 1977 الهجرة مع أسرته الى كندا وبيع حيوانات الحديقة الى حدائق في أميركا. وغادرت الأسرة مع الحيوانات الهند على متن سفينة يابانية، وسرعان ما حلّت الكارثة وغرقت السفينة "بصوت يشبه تجشؤاً معدنياً هائلاً. وبقبقت الأشياء على السطح ثم اختفت". ويجد باي نفسه في زورق للنجاة مع حمار وحشي مكسور الساق وضبع وقرد من فصيلة أورانغ أوتانغ ونمر بنغالي زنته 205كلغ. وفي وقت قصير يقتل الضبع الشرير الحمار الوحشي والقرد، ثم يقتل النمر الضبع. ويصف القسم الثاني من الرواية، وهو الأطول، الأيام ال227 التي قضاها باي وله من العمر 16 سنة مع النمر في القارب الذي تقاذفته مياه المحيط الهادي. واجه باي خلال تلك الفترة خطر القتل إزاء النمر، لكنه استعمل ذكاءه ومعرفته بطبائع الحيوان للنجاة مرة بعد مرة، وكان النمر أعطاه إرادة الحياة. وحافظ خلال كل ذلك على ايمانه بالله: "الإيمان بالله هو الانفتاح. هو التسليم، الثقة العميقة، التقدم الحر نحو الحب - لكن الحب كان صعباً جداً احياناً". وواظب خلال كل ذلك على اداء شعائر دياناته، من بينها الصلاة خمس مرات في اليوم. ومرّت بباي، بالترافق مع مهماته العملية اليومية، مثل الاستمرار في محاولة ترويض النمر وصيد السمك والسلاحف والحصول على الماء، نوبات من اليأس العميق. "الحياة على قارب النجاة لا تستحق اسم الحياة". ويضيف: "انها مثل نهاية لعبة الشطرنج، اي لعبة ببيادق قليلة. العناصر لا يمكن ان تكون اقل ولا المخاطر اكبر". ويحدث في مرحلة من معاناته الطويلة ان يصاب باي بالعمى. وعندما يسمع صوتاً يكلمه يعتقد انه النمر، ثم يدرك ان رجلاً يكلمه بلكنة فرنسية. إنه على قارب آخر للنجاة، ويقول لباي انه ايضاً اصيب بالعمى، وأنه قتل امرأة ورجلاً. وينتقل الى قارب باي ليقتله ويأكله لكن النمر يقتل الرجل ويلتهمه. عندما يصل القارب الى ساحل المكسيك يهرب النمر الى الغابة وتختفي آثاره. في القسم الثالث من الرواية يأتي مسؤولان يابانيان لمقابلة باي اثناء نقاهته في المستشفى. إنهما يحققان في ظروف غرق السفينة. وعندما يخبرهما عن رحلته مع النمر لا يصدقانه. وهكذا يوافق باي على ان يروي لهما قصة تخلو من الحيوانات. ويقول في هذه الرواية البديل ان الرحلة كانت برفقة والدته وأيضاً طباخ السفينة وبحار كسرت ساقه - وهي قصة بشعة مملوءة بالقتل وأكل لحم البشر ولا ينجو في النهاية سوى باي. ثم يسأل باي المسؤولين اليابانيين: "اذاً قولا، لأن لا فارق لديكما على صعيد الواقع ولا تستطيعان البرهنة على الصحة او الخطأ: ما هي القصة الأفضل، القصة بالحيوانات ام من دونها؟". وهو السؤال الذي تطرحه الرواية بالتالي على القراء. لقصة باي روايتان: إحداهما مستمدة من يان مارتيل نفسه، اي من شخصية كاتب كندي يذهب الى الهند ويزور بونديتشيري حيث يخبرونه عن رحلة باي العجيبة عبر المحيط وينصحونه بالسعي الى لقاء باي الذي يسكن تورونتو وقتذاك. الرواية الثانية هي رواية باي نفسه، الذي يسرد للروائي الكندي وقائع تلك الرحلة. ويوضح باي انه بعد وصوله الى كندا التحق بجامعة تورونتو حيث حصل على شهادة في موضوعي الدراسات الدينية وعلم الأحياء. ونجد ان موضوعي الأحياء والدين يتمازجان طوال الرواية. وكان مارتيل هيأ نفسه لكتابتها بقضاء ستة اشهر في الهند زار خلالها حدائق الحيوان والمعابد والمساجد والكنائس، ثم قضى سنة في كندا في دراسة النصوص الدينية الإسلامية والهندوسية والمسيحية، اضافة الى دراسة انماط سلوك الحيوان وسيكولوجيا الأطفال وعلم الأحياء. وقرأ الكثير من التقارير الحقيقية والقصص الخيالية عن كوارث السفن والجزر المهجورة. والرواية حافلة بالتفاصيل العلمية والمعلومات المثيرة عن الكثير من المواضيع، وهو ما يضاعف من متعتها. يعترف مارتيل بدينه الى الروائي البرازيلي ماوسير سكليار في ما يخص الفكرة الأساسية ل"حياة باي". وكان قرأ قبل عشر سنوات مراجعة الروائي الأميركي جون ابدايك لرواية سكليار "ماكس والقطط". وتدور هذه الرواية - التي لم ترق كثيراً لأبدايك - على رجل يهودي يجد نفسه في قارب نجاة وليس معه سوى فهد اسود، وذلك زمن الحرب العالمية الثانية. وبقيت الفكرة كامنة في ذهن مارتيل عدداً من السنين بعد قراءة مقال ابدايك، ثم تفتحت فجأة عندما زار الهند ووضع المخطط الأولي للرواية في فترة قصيرة. وتمثل جائزة بوكر النجاح الأول لمارتيل، الذي بدأ حياته الأدبية قبل 12 سنة، عندما كان في السابعة والعشرين. وقد حاز كتاباه السابقان: الأول مجموعة من القصص القصيرة، والثاني رواية بعنوان "الذات" ثناء النقاد، لكنهما لم يلقيا انتشاراً واسعاً. الناشر الأصلي لرواية "حياة باي" كان دار الفريد اي. نويف في كندا، نشرتها في الولاياتالمتحدة دار هاركورت. وفي بريطانيا رفضتها خمس من دور النشر، قبل ان تقبلها دار كانون غيت الاسكوتلندية المستقلة. ويشكل حصول الرواية على جائزة بوكر اشارة اضافية الى النجاح الذي يحرزه الروائيون الكنديون حالياً. وتألفت القائمة القصيرة للجائزة من ست روايات: ثلاث منها لكتاب كنديين الاثنتان الاخريان هما "ما لم" لكارول شيلد، و"أمور عائلية" لروهنتون مستري. في مقدمة "حياة باي" يقدم مارتيل شكره الى تلك "المؤسسة العظيمة"، المجلس الكندي للفنون، الذي اعطاه منحة مكنته من كتابة الرواية. وقال رداً على سؤال عن وجود هذا العدد من الروائيين الكنديين الناجحين ان من بين الاسباب دعم الحكومة الكندية للأدب والفنون. إضافة الى ذلك فإن كندا مفتوحة على اصوات الآخرين. "العالم موجود في كندا. انها بلد بلغتين رسميتين ولكن من دون ثقافة رسمية. ولذلك هناك ترحيب بالناس من انحاء العالم لكي يأتوا ويرووا قصصهم. وهذا ما يفسر تنوع الادب الكندي وجودته في السنين الاخيرة". يعمل مارتيل حالياً على رواية عن المحرقة: "انها قصة رمزية عن المحرقة، وهي تدور على قرد وكلب يتجولان في ارض شاسعة لها تربتها وأشجارها وانهارها - لكنها ايضاً قميص!". * كاتبة بريطانية. مقطع من "حياة باي" نمت طيلة النهار. ثم ايقظني القلق. تلك الموجة من الغذاء والماء وسواهما التي سرت في جسمي الضعيف وأعطتني حياة جديدة وهبتني ايضاً بما يكفي من القوة لكي ارى وضعي اليائس. وانتبهت الى حقيقة وجود ريتشارد باركر. هناك نمر في قارب النجاة. لم اكد اصدق ذلك، لكنني عرفت ان ليس امامي سوى التصديق. وكان عليّ ان انقذ نفسي. فكرت بالقاء نفسي في الماء والسباحة بعيداً، لكن جسمي رفض التحرك. كنت على بعد مئات الاميال، ان لم يكن ألوف الاميال، عن اليابسة. لم يكن لي ان اسبح كل هذه المساحة، حتى بمساعدة طوق النجاة. ماذا آكل؟ ماذا اشرب؟ كيف سأبعد اسماك القرش؟ كيف ادفئ نفسي؟ كيف اعرف في أي اتجاه امضي؟ لم يكن لدي ادنى شك في الموضوع: ترك القارب يعني الموت المحقق. ولكن ماذا عن البقاء فيه؟ انه سيأتي نحوي من دون صوت، كما هي عادة القطط. وقبل ان اعرف، سيقبض على مؤخرة عنقي او حنجرتي ويغمد فيّ انيابه. لن أستطيع الكلام. وسيسيل مني دم الحياة من دون كلمة مني. او انه سيقتلني بضربة من برثنه الهائل تكسر عنقي. "أنا على وشك الموت"، قلت باكياً مرتجف الشفتين. الموت المقبل مرعب كفاية. الاسوأ من الموت المقبل ألا يكون امامه كل ما يريد من الوقت. الوقت لكي تتلامع امامك كل السعادة التي عرفت وكل السعادة التي كان يمكن ان تكون لك. وترى بصفاء مطلق كل ما ستخسره. وتأتيك هذه الرؤية بحزن ثقيل لا يساوي ما تشعر به عندما تقترب سيارة لتدهسك او الماء الذي سيغرقك. انه شعور لا يطاق. ثم دهمتني الكلمات: الأب، الأم، رافي، الهند، ويتييغ، مثيرة فيّ لوعة حادة. كنت على وشك الاستسلام. كنت اريده، لو لم اسمع في قلبي ذلك الصوت. الصوت الذي قال: "لن اموت. ارفض ذلك. سأنجو من هذا الكابوس. سأتغلب على هذه الصعاب مهما كانت عظيمة. لقد نجوت حتى الآن بمعجزة. وعليّ الآن تحويل المعجزة الى روتين. الشيء المذهل سيكون عادياً. سأقوم بكل العمل المضني المطلوب. نعم، لن اموت ما دام الله معي. آمين". يان مارتيل