أعلنت أمس في البحرين أسماء جميع نواب المجلس الجديد إثر انتهاء الدورة الانتخابية الثانية وفوز 21 نائباً اضافة الى 19 نائباً انتخبوا في الدورة الأولى. ومن المتوقع ان يعين الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة منتصف هذا الشهر، أعضاء مجلس الشورى بحيث تستكمل عملية انتقاء اعضاء السلطة التشريعية بشقيها المنتخب من قبل الشعب والمعين من قبل الملك. وهكذا تصبح التجربة المستحدثة التي طرحتها الدولة كمخرج سياسي لتفادي تكرار تجربة دستور 1973، الاختبار العملي لامتصاص نتائج مقاطعة الجمعيات المعارضة الأربع، أي الجمعيات التي تضم التيارات الممثلة لأقصى الحركات الدينية الأصولية مثل "جمعية الوفاق الوطني الاسلامية" و"جمعية العمل الاسلامي"... أو تلك التي تضم التيارات اليسارية والقومية مثل "جمعية العمل الوطني الديموقراطي" و"جمعية التجمع القومي الديموقراطي". والملاحظ ان الجمعيات الأربع كانت تراهن على تعطيل عملية الاقتراع بسبب فوزها الساحق في انتخابات البلدية أيار/ مايو وحصولها على أكثر من ستين في المئة من الأصوات. وربما قادها الى قرار المقاطعة ما لمسته من حماس لدى أنصارها الذين تصوروا أن توزيع الدوائر قد يحرمهم في معركة الانتخابات النيابية ما كسبوه في معركة الانتخابات البلدية. وبناء على استفتاء عام أجرته القيادات بين الأعضاء تبين لها ان الغالبية المطلقة تعارض مبدأ المشاركة في الانتخابات النيابية. وحجتها ان المادة الثانية من الميثاق تنص على تعديل احكام الفصل الثاني من الدستور وذلك باستحداث نظام المجلسين، بحيث يتولى مجلس النواب المنتخب من الشعب المهام التشريعية الى جانب مجلس معين شورى يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم. ويركز المقاطعون حملتهم الاعلامية على انتقاد مهام مجلس الشورى باعتبارها مساوية في التوازن مع السلطة التشريعية المنتخبة عن الشعب. ويقول الشيخ علي سليمان، رئيس "جمعية الوفاق الوطني الاسلامية" ان ايقاع التعيين في المجالس التشريعية إيقاع غير متعارف عليه وغير معمول به، لأن مفاتيح التجربة الديموقراطية، تبقى موجودة لدى السلطة التنفيذية. وفي هذا السياق يشير عبدالرحمن النعيمي، رئيس "جمعية العمل الوطني الديموقراطي" الى الشلل الدستوري الذي يمكن ان ينتج عن مجلسين متساويين في العدد والمهام. وهو يعلن ان خيار المقاطعة جاء ليؤكد عدم جدوى المساهمة في القضايا التشريعية داخل البرلمان الجديد. ويبدو أن هذا القرار لم يكن مرتجلاً بدليل ان جمعيات المعارضة رفعت الى الملك عريضة مذيلة بتوقيع سبعين شخصية تطالبه فيها بإعادة العمل بدستور 1973 وتتمنى عليه تأجيل تعيين مجلس الشورى مدة ستة أشهر. وتضمنت العريضة اقتراحاً يقضي باجراء التعديلات الدستورية داخل المجلس النيابي الجديد. ولم يكن من الصعب التكهن بأهداف هذا الاقتراح داخل مجلس نيابي تتحكم بقراراته اكثرية معارضة. والغاية من كل هذا الغاء فكرة انشاء مجلس شورى بواسطة مجلس النواب، الأمر الذي سيخلق خللاً في التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولكي يتفادى الملك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة هذا المأزق الدستوري، رفع الحظر المفروض على الجمعيات الوطنية وطالب زعماءها أثناء استقبالهم في قصر "الصافرية" بضرورة المشاركة في الانتخابات بهدف تعزيز الوحدة الوطنية والالتزام بالمشروع الاصلاحي، أي مشروع الميثاق الذي نال غالبية مطلقة في الاستفتاء، وأزال قانون أمن الدولة واطلق سراح السجناء السياسيين وسمح بعودة المبعدين. وترى حكومة البحرين في طروحات المعارضة شيئا من التعجيز المحرج، خصوصاً لجهة مطالبتها باحياء الدستور التعاقدي الذي صدر عام 1973، علماً بأنه واجه المقاطعة في حينه بحجة أن نصف اعضائه منتخبون والنصف الثاني معينون. وهكذا تعرضت تجربة المشاركة الأولى للنزاع، الأمر الذي اضطر الدولة عام 1975 الى حل المجلس الأول. السؤال المطروح في البحرين عقب انتهاء العملية الانتخابية، يتعلق بمستقبل التيار المقاطع، وما إذا كان سيستخدم الشارع للتعبير عن معارضته خارج البرلمان؟ يجمع المراقبون على القول ان الأجواء السياسية التي قادت الى اضطرابات 1992 و1994 و1997 لن تتكرر بسبب ظهور المشروع الاصلاحي الذي حقق للمعارضة الكثير من مطالبها، كعودة الحياة البرلمانية وحكم القانون الدستوري واعطاء المرأة حقها السياسي واطلاق الحريات العامة. اضافة الى هذه المعطيات فإن تراجع طهران عن نهج تصدير الثورة أوقف نزعة الاستقواء بالخارج لدى الطائفة الشيعية. وهذا ما لمسه عاهل البحرين اثناء زيارته لايران والاتفاق مع قادتها على أهمية التقيد بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، حسب اعلان مؤتمر طهران. ولكن هذا كله لن يمنع المقاطعين من ممارسة النشاط السياسي وعرض المطالب بطريقة ايجابية بعيدة عن العنف السابق. ويقول رئيس "جمعية الوفاق الوطني الاسلامية" الشيخ علي سلمان "ان المعارضة ستتحرك في اطار القواعد السلمية انسجاماً مع الايقاع الدستوري لتحريك المطالب. ان مشاركتنا في الانتخابات أو عدم المشاركة لا يحرمنا من حقوقنا السياسية والمدنية. خصوصاً وأن القوانين تسمح لنا بعقد الاجتماعات والندوات والاعتصام والتجمع. ولقد اختصر كل هذه النشاطات بدور "التعبير السلمي" كبديل من دور فقدته المعارضة في المجلس الجديد. وفي حديث مع راديو لندن وصفت الدكتورة منيرة فخرو، نائب رئيس "جمعية العمل الوطني الديموقراطي"، دور القوى المقاطعة بأنه "برلمان ظل". أي ان الدكتورة منيرة وسّعت اطار العمل الذي تؤديه حكومات الظل - كما في بريطانيا - لتولي المعارضة البحرينية مسؤولية مراقبة البرلمان الجديد ومشاركته من الخارج في وضع التشريعات. وحول هذا الموضوع يقول الشيخ علي سلمان: "لا أحد يستطيع أن يدعي القدرة على التغيير من داخل البرلمان. اذا أنصفنا قراءة الدستور ومتطلبات التطوير هناك استحالة للتغيير من خلال الايقاع الذي فرضه دستور 2002. فالتغيير لا بد أن يأتي من الخارج. لذلك علينا أن نستخدم كل الوسائل القانونية من أجل الضغط في سبيل التغيير". يقول الديبلوماسيون العرب في المنامة ان الانتخابات النيابية الأخيرة حققت انتصار التيار الاسلامي السني بسبب مقاطعة التيار الشيعي. وعليه يمكن لهذه المقاطعة ان ترى الحل المناسب لاستيعاب التيار الشيعي الذي يمثل الاكثرية بين سكان لا يزيد عددهم على 680 الف نسمة موزعين فوق 33 جزيرة تبلغ مساحتها 700 كلم مربع. وتظهر المراجعة التاريخية ان "لؤلؤة بحر الزمرد - كما لقبها العرب - تعرضت لسلسلة اضطرابات سياسية كانت دائماً تخرج منها منتصرة. ويعزو أدباء البحرين هذه المقدرة الى صفات تجمعهم مع الفينيقيين الذين استوطنوا البحرين قبل انتقالهم الى صيدا وصور وجبيل. ويعزز هذه النظرية التاريخية أن القبور القديمة التي عثر عليها في الجزيرة الكبرى تشبه النواويس الفينيقية. ومن أبرز الأزمات المصيرية التي واجهتها هذه الجزر الصغيرة كانت الأزمة التي افتعلها شاه ايران عندما أعلن البحرين محافظة تابعة لايران أطلق عليها اسم "المحافظة 14" وعين ممثلاً لها في البرلمان الايراني. وتدخل في حينه الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي ارسل مستشاره كمال ادهم الى طهران في مهمات استمرت سنتين اتفق في نهايتها على اجراء استفتاء عام تشرف عليه منظمة الاممالمتحدة. وارسل الامين العام مبعوثاً خاصاً يدعى فيتوريو وانسبير نزل في احد فنادق المنامة، وواصل مهمة الاستطلاع لمدة طويلة. ووفرت له الدولة كل الامكانات اللازمة للاجتماع بمختلف شرائح المجتمع وفي اي مكان يختاره. وكتب في نهاية جولاته تقريراً يؤكد فيه اجماع الشعب على عروبة البحرين، الامر الذي انتهى باعلان الاستقلال سنة 1971 وقبول البحرين عضواً في الاممالمتحدة. مع نهاية عصر صيد اللؤلؤ واكتشاف النفط في البحرين سنة 1932، بدأ سكان هذه الجزر يتطلعون الى مصدر آخر للثروة توقعوا ان ينتشلهم من الضائقة الاقتصادية المزمنة. وبوشرت اعمال الانتاج في منطقة "عوالي" سنة 1934، ومعها ازدادت الحاجة الى نشر الثقافة والتعليم والعناية الصحية وتوسيع شبكة المياه ومد اقنية الري. ولكن مستوى انتاج النفط بدأ في التدني منذ سنة 1980 وبذلك ضعف المورد الرئيسي لسكان خامس دولة في العالم من حيث كثافة عدد السكان، على اعتبار ان كل كيلومتر مربع يضم الف شخص. ويرى رجال الحكم ان موقع بلادهم الجغرافي ساعد على رفع سقف المطالب الشعبية كأن البحرين دولة نفطية مثلها مثل الكويت وقطر والسعودية. وللتعويض عن الثروة النفطية التي شحت خلال مدة لا تزيد على الثلاثين سنة، استنبطت الدولة خدمات مصرفية وجمركية وتجارية جعلت فرص العمل مساوية لأي بلد خليجي مجاور. ويصف احد المراسلين ممن عاشوا في البحرين طوال فترة الاضطرابات، ولادة المشروع الاصلاحي بأنه يشبه ولادة تكوين اللؤلؤة. فالمحارة المجروحة بفعل تسلل حبة الرمل تصبح مع الوقت حلية جميلة ينتزعها الغطاس بقساوة. وهو بهذه الصورة الرمزية كان يشير الى ولادة نقلة دستورية متطورة اثر احداث اجتماعية وسياسية مقلقة. وللحفاظ على هذه الخطوة المتقدمة تقضي ظروف المرحلة الخطرة ان يتم استيعاب المعارضة في الشارع لان مصلحة اهل البحرين تفرض ضبط الأمن وسد كل ثغرات العنف والاضطراب. * كاتب وصحافي لبناني.