تعيش البحرين حالاً غير معهودة، مع اجراء ثاني انتخابات نيابية تشهدها البلاد التي تحولت الى مملكة في 14 شباط فبراير الماضي. ويتوجه اليوم نحو 243 ألفاً من البحرينيين لانتخاب 37 نائباً، من بين 174 مرشحاً، لعضوية المجلس النيابي، يشكلون مع ثلاثة فازوا بالتزكية الغرفة الأولى من المجلس الوطني، والأخير مكون من 80 عضواً، نصفهم يعينهم ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في مجلس الشورى: الغرفة الثانية في المجلس الوطني. ويعد اعطاء مجلس الشورى المعين صلاحيات تشريعية إحدى الاعتراضات الرئيسة التي حدت بأربع جمعيات معارضة أبرزها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية تيار اسلامي شيعي، يعتبر المحرك الأساس لأحداث 1994 - 1998 الى مقاطعة الانتخابات، على رغم كون البرلمان المنتخب أبرز مطالبها منذ حل البرلمان السابق في 1975. ويقول المراقبون ان اعلان التحالف الرباعي - الذي يضم أيضاً العمل الديموقراطي امتداد للجبهة الشعبية، وهي في الأساس تيار يساري، يرفع الآن شعار تعويم الايديولوجيا في محاولة لتجاوز المأزق الايديولوجي الذي أربك التيارات اليسارية عموماً بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، والتجمع القومي بعثيون وقوميون قريبون من نادي العروبة أحد الأندية الثقافية العريقة والعمل الإسلامي تيار شيعي محدود، امتداد للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، كان يطالب بديموقراطية تتجاوز دستور 1973 - مقاطعة ثاني انتخابات نيابية بعد الأولى التي جرت في 1973، أدى الى قلق الحكومة من انخفاض نسبة المشاركة، ودفع الأخيرة الى اتخاذ اجراءات عدة، منها اصدار تعليمات، يقول البعض أنها ملزمة، تحض العسكريين والمدنيين في وزارتي الدفاع والداخلية على المشاركة في الانتخابات، واجراء تغيير على قانون مباشرة الحقوق السياسية صدر في تموز/ يوليو الماضي يلزم الناخبين التأشيرات في الجواز بما يفيد ادلاء الناخب بصوته، وفتح 15 مركزاً يحق لجميع الناخبين التصويت فيها. ويفسر المراقبون فتح المراكز العامة ب"رفع الحرج عمن سيقاطع في منطقته السكنية، إذ يمكن له التصويت في منطقة لا يعرفه فيها أحد". وانتقدت المعارضة الاجراءات السابقة، خصوصاً التأشير في الجواز واعتبرته ضاراً بحرية ممارسة العملية الانتخابية. لكن المراقبين يرجّحون أن تكون الاجراءات الحكومية السابقة، فضلاً عن المبادرات التي قام بها الملك أخيراً لتحسين السكن للمواطنين بإعلانه تدشين مدينة اسكانية تضم 30 ألف وحدة سكنية في المحافظة الشمالية غالبية شيعية، ستؤدي الى كسر نسبة المشاركة الشعبية حاجز ل50 في المئة، الأمر الذي سيتسبب، اذا حدث فعلاً، في احراج المعارضة التي تعول على انخفاض النسبة الى 35 في المئة كدليل على رفض المواطنين التعديل الذي أجري ب"إرادة ملكية" . وتبرر الحكومة التعديل الدستوري الذي أحدثته من "طرف واحد"، بموافقة المواطنين بنسبة مطلقة 98.4 في المئة على صيغة "ميثاق العمل الوطني" التوافقية، ما أعطى الملك تخويلاً لإجراء التغييرات الدستورية، فيما تصر المعارضة على أن التصويت الشعبي لا يعطي صلاحيات بذلك، ولا بد من الالتزام بالمادة 104 من دستور 1973 التي تشترط ان يتم التغيير بعد اقراره من طرف ثلثي المجلس المنتخب. وإضافة الى الجمعيات الأربع المقاطعة، انتقدت أربع جمعيات أخرى هي المنبر التقدمي امتداد لجبهة التحرير الوطني البحرينية التي تأسست عام 1955، وعدت من أنشط التنظيمات الماركسية، وقضى أمينها العام أحمد الذوادي - رئيس المنبر حالياً - أكثر من نصف عمره منفياً، والتجمع الوطني تحالف هش اسلامي - علماني يقوده المحامي عبدالله هاشم، والوسط العربي تشكيل اسلامي سني حديث النشأة، والمنبر الإسلامي إخوان مسلمون، التغييرات الدستورية، لكنها فضلت المشاركة "دعماً للمشروع الإصلاحي، وأملاً في التغيير من الداخل". يذكر ان التصويت على "ميثاق العمل الوطني" أخرج البلاد من أزمة طاحنة بلغت أوجها بين 1994 و1998، وراح ضحيتها نحو 40 فرداً، فضلاً عن حوالى 15 ألف معتقل ومئات المبعدين. وأحدث ملك البلاد الشاب الشيخ حمد إثر توليه السلطة بعد وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في آذار مارس 1999، بإلغائه قانون أمن الدولة السبب في حل برلمان 1973، وإفراجه عن المعتقلين السياسيين، وسماحه بعودة المبعدين، وحواره مع المعارضة، وسماحه لها بالتشكل الحزبي تحت مسمى جمعيات، وإتاحته مجالاً للرأي الآخر، حالة انفراج لم تشهد البلاد مثيلاً لها... لكنها أصيبت بانتكاسة إثر التغيير الدستوري في 14 شباط 2002، وما تلاه من خطوات عدتها المعارضة تراجعاً عن الإصلاح. ولا يزال المقاطعون يعلنون دعمهم لبرنامج الملك الإصلاحي، ويرون في الشيخ حمد الضمانة الأساسية لإخراج البلاد من حال الشك، ووعدوا بأن تبقى معارضتهم سلمية. لكن القلق يراود المراقبين من عودة التشنج، إذ سجل تزايد دوريات الشرطة في بعض المناطق، وحدثت احتكاكات محدودة بينهم وبين جمهور المقاطعين. وكانت الفصائل السياسية شاركت جميعها في الانتخابات البلدية التي جرت في أيار مايو الماضي، مما أدى الى ارتفاع عدد المرشحين، الى 306، من بينهم 31 امرأة، تم انتخاب 50 منهم لعضوية خمسة مجالس بلدية في كل محافظات البلاد الخمس بمعدل 10 لكل مجلس محافظة. واكتسح التيار الإسلامي حينها بشقيه الشيعي والسني الانتخابات، ولم تفز المرأة أو الليبراليون بأي مقعد. وبسبب مقاطعة جمعية الوفاق الإسلامية التي يرأسها الشيخ علي سلمان المعارض الذي أبعد الى الخارج في 1995، فإن المناطق الشيعية في سترة وعموم المحافظة الشمالية وبعض دوائر محافظة العاصمة لم تشهد أي مظاهر انتخابية، وتناقص في شكل واضح عدد المرشحين. وتبدو محافظة المحرق، وبعض دوائر المحافظة الوسطى أكثر المحافظات سخونة، وفي احدى دوائر المحرق السابعة يتنافس ثلاثة رؤساء جمعيات سياسية على مقعد الدائرة، هم: عبدالله الحويحي رئيس جمعية الوسط العربي، وعبدالرحمن عبدالسلام رئيس جمعية الشورى، وعبدالله هاشم رئيس التجمع الوطني. أما حظوظ النساء الثماني اللواتي ترشحن للانتخابات فتبدو محدودة، بسبب المقاطعة، والاشكالات التقليدية التي تحيط عمل المرأة العام في مجتمع جديد على التجربة السياسية. ويتوقع ان يتكون المجلس المقبل من التيار الإسلامي السني القريب من الخط الرسمي، أما الشيعة فسيمثلون بأعضاء مستقلين قريبين من الحكومة، ما يرجح احتمال أن يكون البرلمان ضعيفاً، خصوصاً مع كون المرشحين ليسوا ذوي تاريخي "نضالي". ويعتبر بعض المراقبين ان المقاطعة ستهمش القوى المقاطعة، فيما يرى المقاطعون في عدم المشاركة وسيلة ديموقواطية للتعبير عن الرأي. أما التخوف الأكبر فيتمثل في امكان ازدياد الفجوة، تتبعها نبرات حادة وتكشير للأنياب. وكانت جهات مستقلة سعت "للتوسط" بين الحكومة والجمعيات المقاطعة، باقتراح تمديد فترة الترشح وتأجيل الانتخابات. وتفيد هذه المصادر ان جهات قريبة من صنع القرار وافقت على ذلك، لكن المعارضة رفضت الطلب لأنه لا يحقق لها مطلباً كانت تقدمت به الى الملك، يقضي بأن تتاح مدة ستة أشهر، للمجلس الذي سينتخب في 24 تشرين الأول أكتوبر يتم خلالها قراءة دستور 2002 وإقراره، بما يضفي عليه صفة التعاقد بين الشعب الحكومة، على غرار دستور 1973 الذي أعده مجلس تأسيسي نصفه معين والآخر منتخب. وتبدو الأوضاع مربكة للجميع: الحكومة، والمشاركون في الانتخابات، والمقاطعون، ويتوقع ان تظل حال المراوحة سيدة الموقف، فلا تنفجر الأوضاع كما حدث في تسعينات القرن الماضي، ولا هي تستقر كما استقرت خلال عام الميثاق بين 14 شباط 2001 و14 شباط 2002، عاشت فيها البحرين اياماً من الوفاق لم تعشها طوال تاريخها الحديث.