يزور وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان تونس الخميس المقبل بعد اسبوعين من زيارة عمل مماثلة قام بها وزير الداخلية نيكولا ساركوزي ما يعتبر مؤشراً قوياً الى الانعطاف الذي أبصرته العلاقات الثنائية منذ ابتعاد الاشتراكيين عن الحكم في فرنسا. ويندرج اهتمام باريس المتزايد بتطوير العلاقات مع تونس في اطار مسار شامل يرمي ل"معاودة بناء السياسة الفرنسية في المغرب العربي" مثلما دلت على ذلك الزيارة الأخيرة لدوفيلبان للمغرب والزيارة "التاريخية" التي يعتزم الرئيس جاك شيراك القيام بها للجزائر في الثلث الأول من العام المقبل. عندما كان الاشتراكيون يحكمون فرنسا في العقدين الماضيين كان مألوفاً أن تمضي سنة من دون أن تطأ أقدام وزير فرنسي تونس بسبب "الخضات" الكثيرة التي زعزعت العلاقات الثنائية. لكن منذ رحيلهم عن مراكز القرار انتقلت العلاقات من حال الى حال وضخت اللقاءات بين مسؤولين في الحكومتين دماء جديدة في قنوات التعاون التي كانت معطلة. واللافت ان الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان لتونس الخميس المقبل تأتي بعد اسبوعين فقط من الزيارة التي قام بها وزير الداخلية نيكولا ساركوزي لتونس واجتمع خلالها الى الرئيس زين العابدين بن علي، مؤكداً عزم باريس على تعزيز التعاون الثنائي "من خلال مبادرات وأعمال ملموسة". وعكس تكثيف التنسيق في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة المستوى الذي وصل اليه التقارب في العلاقات بين تونسوباريس. ويمكن القول انه بعد ابتعاد الاشتراكيين عن الحكم في فرنسا زالت أكثرية القضايا الخلافية بين العاصمتين والتي تعلقت مباشرة أو مداورة بملاحظات الحزب الاشتراكي الفرنسي على أوضاع حقوق الانسان في تونس، ووصلت الى حد اعلان الحزب تجميد الحوار مع "التجمع الدستوري الديموقراطي" في العام ألفين احتجاجاً على ما اعتبره "تدهوراً لحال الحريات في البلد". وعلى خلفية العودة القوية لليمين الى الحكم في باريس تسارعت المؤشرات الى التقارب وتوجت بعقد اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون برئاسة وزيري الخارجية في باريس في يونيو حزيران الماضي والتي فتحت آفاقاً واسعة أمام تنشيط التعاون في مجالات مختلفة، ظل بعضها عالقاً أو معطلاً طيلة سنوات. ولعل من علامات نهاية الاحتقان في العلاقات الثنائية تمضية وزراء وشخصيات رسمية فرنسية اجازاتهم السنوية في تونس الصيف الماضي وفي مقدمهم وزيرة الدفاع ميشال أليو ماري وعمدة باريس برتران دولانوي. تركيز على شمال افريقيا اضافة الى الانعكاسات المحتملة لزيارة دوفيلبان في تسريع تطبيع العلاقات، ترتدي الزيارة أبعاداً اقليمية اذ هي تأتي بعد زيارة مماثلة قام بها دوفيلبان أخيراً للمغرب وقبل الزيارة "التاريخية" التي من المقرر أن يقوم بها الرئيس جاك شيراك للجزائر أواخر آذار مارس المقبل. وكان وزير الخارجية الفرنسي نفسه أكد ان علاقات باريس مع البلدان المغاربية دخلت الى مرحلة جديدة. ووصف مدير ادارة شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية سابقا السفير الحالي في تونس ايف أوبان دولامسوزيير اطار الاهتمام الجديد بكونه "أبعد من تعزيز العلاقات الثنائية مع البلدان المغاربية نحن ننطلق الى مرحلة معاودة بناء لا بل معاودة تأسيس لعلاقاتنا مع شمال افريقيا". ويتزامن التركيز الفرنسي على المنطقة مع اهتمام مماثل بها من الولاياتالمتحدة، اذ كثف مسؤولون اميركيون زياراتهم للعواصم المغاربية في الفترة الأخيرة وأبدوا اهتماماً واضحاً بتطوير التنسيق السياسي والأمني وتكثيف التعاون الاقتصادي على الصعيد الاستثماري أو التجاري. وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج زار المنطقة المغاربية في وقت سابق من العام الجاري ثم زارها هذا الاسبوع مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية مارك غروسمان الذي لم يخف أن واشنطن تتطلع الى توسعة علاقاتها مع البلدان المغاربية على كل الأصعدة. ومن هذا المنظور يشكل اقبال الولاياتالمتحدة على تكثيف التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي مع منطقة شمال افريقيا حافزاً لباريس على الاهتمام بتجاوز مصادر التباعد الموروثة من الحقبة الاشتراكية مع العواصم المغاربية والبحث عن صيغ جديدة ل"معاودة بناء" سياستها في المنطقة.