استمر التصعيد العسكري الذي بدأته المعارضة السودانية في الجبهة الشرقية السودانية الخميس الماضي، فيما بدأت الحكومة اتصالات مكثفة مع المعنيين بالازمة السودانية للضغط على اريتريا التي اتهمتها الخرطوم بدعم الهجمات العسكرية على ثماني مناطق حدودية، واغلقت الحدود بين الدولتين. لكن الرئيس الاريتري نفى في اتصال اجراه امس مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الاتهام السوداني وابدى استعداده استقبال لجنة التحقيق الليبية التي شكلت في وقت سابق لتقصى الحقائق. وعلى الصعيد العسكري، اكد الحكومة السودانية انها صدت كل الهجمات على قواتها في الجبهة الشرقية، باستثناء منطقة خور كبريت. لكن قائد قوات "التحالف السودانية" عضو "التجمع الوطني" المعارض عبدالعزيز خالد اكد في حديث الى "الحياة" ان قوات المعارضة تتقدم نحو مدينة كسلا في الشرق "التي باتت في مرمى مدفعيتنا"، مؤكداً انهاقواته على مسافة 15 كلم منها. طلبت القيادة السودانية تدخل مصر وقطر وليبيا لاحتواء التوتر مع اريتريا إثر اتهامها أسمرا بالوقوف خلف هجوم المعارضة السودانية على ثماني مناطق حدودية منذ فجر الخميس، واغلقت الحدود بين الدولتين، وأعلنت أنها بصدد شكوى اريتريا لدى مجلس الأمن والاتحاد الافريقي والجامعة العربية. وعلم أن الرئيس عمر البشير أجرى اتصالاً هاتفياً بالزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي يرأس تجمع دول الساحل والصحراء وقاد في وقت سابق مساعي لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وأسمرا، وأبلغه اتهام حكومته اريتريا بدعم المعارضة عسكرياً ولوجستياً. وقالت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة" إن القذافي أجرى بدوره اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الاريتري أساياس افورقي الذي أكد له عدم تورط بلاده في هجوم المعارضة السودانية على نقاط حدودية، وأبدى استعداده لاستقبال لجنة ليبية شكلها القذافي سابقاً للتحقق من الاتهامات السودانية. كما أخطرت الخرطومالدوحة التي توسطت في وقت سابق لإصلاح علاقتها مع أسمرا ب"التورط الاريتري" ووعدت القيادة القطرية بتنشيط مساعيها وبعثت وزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إلى اريتريا، ونقل رسالة من الأمير حمد بن خليفة آل ثاني إلى الرئيس أفورقي. وجدد وزير الإعلام السوداني الزهاوي إبراهيم مالكي أمس اتهام حكومته اريتريا ب"الوقوف خلف الهجوم الذي تعرضت له ثمانية مواقع متفرقة على حدود البلاد الشرقية. وقال إن القصف الذي وقع فجر الخميس لم يقف عند مدينة همشكوريب، وإنما امتد على جبهة طولها 180 كيلومتراً، وهي منطقة صحراوية جبلية تفتقر إلى مقومات الحياة من ماء ووقود وطعام أو طرق امداد الأمن داخل العمق الاريتري". وأوضح أن "القصف المركز على المواقع الحدودية تم بتوقيت دقيق وموحد وآليات عسكرية متقدمة واسناد مدفعي من داخل الحدود الاريترية". وأضاف ان حكومته ظلت حريصة على تطبيع علاقاتها مع اريتريا واستجابت جهود ليبيا وقطر في هذا الشأن، إلا أن "النظام الاريتري لم يألو جهداً في تخريب هذه العلاقة بمختلف الوسائل دعماً للتمرد تدريباً وتسليحاً واسناداً وضيافة حتى أضحت أسمرا ملاذاً ومقراً لحركة التمرد وقياداتها السياسية والعسكرية والإعلامية". وتابع: "ان النظام الاريتري صار يشكل بؤرة توتر وعدم استقرار في كل الأقاليم". إلى ذلك، قرر حاكم ولاية كسلا الحدودية اغلاق الحدود بين ولايته واريتريا اعتباراً من أمس، وحظر تنقل المواطنين عبر المعابر الحدودية حفاظاً على سلامتهم. شكوى ضد اريتريا وأعلن وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان أمس أن حكومته بصدد شكوى الحكومة الاريترية إلى مجلس الأمن والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية. وحمل القيادة الاريترية مسؤولية ما حدث في شرق السودان. وقال للصحافيين إن الرئيس عمر البشير أجرى اتصالات مع نظيره المصري حسني مبارك والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي لاطلاعهما على التطورات الأخيرة، كما أجرى اتصالات مماثلة مع وزراء خارجية مصر وليبيا وقطر واثيوبيا. وأوضح أن السفير السوداني لدى أسمرا نقل رسالة من البشير إلى افورقي تؤكد أن ما يجري ليس في مصلحة البلدين. لكن العمليات لا زالت جارية في مناطق حدودية. وزاد: "تلقيت تقريراً من وزير الدفاع يؤكد أن الجيش يملك زمام المبادرة ولن يرضى بغير النصر بديلاً. ويبدو أن القيادة الاريترية قررت شن عدوان علينا ولذلك لا بد من المواجهة". تحفظ في المفاوضات وعن إعلان الوسيط الكيني الجنرال لازاراس سيميويو موافقة الحكومة و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" على توقيع تفاهم لوقف النار ومعاودة مفاوضات السلام في 14 تشرين الأول اكتوبر الجاري، قال عثمان إن حكومته ترحب بذلك ومستعدة لتوقيع تفاهم لوقف النار والعودة إلى مائدة التفاوض، ولكنها في انتظار اخطار رسمي من الوسطاء على رغم عدم تشكيكها فيما ورد في وسائل الإعلام. عبدالعزيز خالد ل"الحياة": كسلا في مرمى مدفعية المعارضة وفي اسمرا، اكد قائد "قوات التحالف السودانية" المعارضة والتي تنشط عسكرياً في شرق البلاد ان قوات "التجمع الوطني الديموقراطي" تبعد عن مدينة كسلا الاستراتيجية مسافة 15 كيلومتراً فقط معتبراً "ان العمليات الأخيرة خلقت واقعاً جديداً لمصلحة المعارضة" وأشار الى ان "الهدف الأخير هو الخرطوم وطريق كسلا هي احدى الطرق التي توصل اليها". وعزا قائد "قوات التحالف" العميد المتقاعد عبدالعزيز خالد توقف العمليات العسكرية في شرق السودان في العامين الماضيين الى سببين احدهما عسكري والآخر، سياسي. وقال ل"الحياة" "ان السبب العسكري متمثل في ان النظام أعاد ترتيب قواته خلال العامين الماضيين وزاد عديدها وتسليحها، الأمر الذي جعلنا نتوقف خلال تلك الفترة لإعادة ترتيب خطتنا، والاستعداد لعمليات جديدة". وأوضح ان "السبب السياسي أدى الى اهمال الخيار العسكري والاهتمام بالحل السلمي المتفاوض عليه لإعطاء الفرصة لخيار السلام". واعتبر: "ان التجمع الوطني" كان مخطئاً في ذلك لأن النظام مراوغ في حين ان الجبهة الشرقية هي أقصر الطرق للوصول الى الخرطوم وتحرير العاصمة من القبضة الدينية والنظام الشمولي". مشيراً الى ان "طرق الوصول الى الخرطوم كثيرة وليس مهماً ان تكون جوبا - توريت - الخرطوم، أو مشاكوس الخرطوم، لكن كسلا - مدني - الخرطوم هي احدى هذه الطرق. وعن الأوضاع العسكرية في الشرق، أكد قائد "قوات التحالف" ان المبادرة العسكرية في يد المعارضة حالياً. وزاد: "نحن اليوم على بعد 15 كيلومتراً فقط من مدينة كسلا التي تقع في مرمى نيران مدفعيتنا". لكنه شدد على انه ليس ضمن خطط المعارضة قصف المدينة، وذلك حفاظاً على أرواح المدنيين". وقال: "نحن نستهدف قوات النظام الذي أصبح الآن امام خيارين للدفاع عن مواقفه، فإما ان يدعم قواته، وهذا خيار ضعيف لأننا نعلم أوضاع الجيش المتردية، واما أن يدعم قواته من الميليشيات التي يسميها المجاهدين والدبابين، ونحن نرحب بهؤلاء لأن معركتنا ليست مع الجيش، وانما مع الميليشيات وجماعات النظام".