قال الرئيس بوش يوماً: "سأمارس يداً خارجية للسياسة الخارجية". وقال أيضاً: "مفتاح السياسة الخارجية ان نعتمد على الاعتماد". لا أدري ماذا كان يقصد جورج بوش، وهناك يد خارجية في سياسته الخارجية هي يد مجرم الحرب آرييل شارون. الا انني أقول قبل أن أكمل انني مدين بزاوية اليوم كلها للبروفسور مارك كريسبن ميلر، وهو أستاذ صحافة في جامعة نيويورك، صدر له السنة الماضية كتاب بعنوان "قاموس دسلكسيا بوش"، مع عنوان فرعي "خافوا. خافوا كثيراً". كنت حملت الكتاب هذا الى فرنسا الصيف الماضي، وتراكمت الكتب فنسيته، وعدت اليه هذا الصيف، ووجدت انه لا يزال مفيداً، فلا أقول سوى ان فضلي الوحيد هو الترجمة بدقة واختصار من كتاب كل عبارة فيه سجل المؤلف معها تاريخ قولها، ومن نشرها، وهو ما لن أفعل هنا لضيق المكان، وعدم حاجتنا في عجالة صحافية الى دقة البروفسور الاكاديمية. ميلر يؤكد ان جورج بوش "محاط بعصابة يمينية تفتقر الى روح النكتة... وهذا ليس مزاحاً". ويقول ان الرئيس ليس مغفلاً، بل هو خبيث بارد، والزعم انه مغفل يفيده، لأنه يعفيه من مسؤولية أعماله. وقد فرضته على الأميركيين دعاية الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام المؤيدة. وكنت قبل أسابيع نقلت عن كتاب مايكل مور "رجال بيض أغبياء" الذي يعتبر ان جورج بوش سرق الرئاسة. ووجدت في كتاب ميلر الذي سبقه الى الصدور الفكرة نفسها. فهذا الكتاب يعتبر قرار المحكمة العليا في 12 كانون الأول ديسمبر سنة ألفين الذي حسم الانتخابات لمصلحة بوش انقلاباً عسكرياً سرق ارادة الأميركيين. وبما ان مارك كريسبن ميلر، أستاذ جامعي بعكس الصحافي مايكل مور، فهو يقدم دراسة تاريخية مقارنة للرؤساء الأميركيين، كنت أتمنى لو يتسع المجال لعرض بعض جوانبها، غير أنني أكتفي هنا بالحديث عن "أميّة" جورج بوش، والمؤلف يقول انه ليس أول رئيس يتهم بالأمية، ويعود الى جون كوينسي اواخر سنة 1828 عندما اتهم منافسه اندرو جاكسون بأنه أمّي، ويكمل حتى يصل الى رؤساء العصر الحديث، وينتهي الى قرار هو ان جورج بوش الابن اكثرهم أمية، فلا أحد غيره تحدث عن "يد خارجية للسياسة الخارجية" والأسرة الأميركية حيث "الأجنحة تحلق بالأحلام"، بدل "الأحلام تحلق بأجنحة"، وأيضاً "إذا قلت شيئاً ولم أعمله، فهذا دليل ثقة"، ومثله "السلطة الاشتراعية تضع القوانين وواجب السلطة التنفيذية ان تفسر هذه القوانين" مع ان من الواضح ان هذا واجب السلطة القضائية. ولكن المؤلف يصر ان المسألة ليست ان جورج بوش مصاب بمرض "دسلكسيا"، وهو يجعل المصاب يضع حرفاً قبل حرف، أو كلمة قبل كلمة، أو رقماً قبل رقم، فهذا ربما كان صحيحاً، غير ان أمية الرئيس تظهر أيضاً في استعمال كلمات خاطئة، أو الجهل المطبق بقواعد اللغة، حتى ان هناك أمثلة على جهله بالماضي والمضارع من أفعال مستعملة كل يوم. وقرأت رداً ظريفاً، من دون قصد طبعاً، لبوش عندما سئل عن صحافية اتهمته بأنه مصاب بمرض "دسلكسيا"، فقال: "لم أجر مقابلة مع هذه المرأة". بدل ان يقول انها لم تجر مقابلة معه. ميلر لم يجد من يشبه جورج بوش الابن غير دان كويل، نائب الرئيس مع جورج بوش الأب، وهو يقول ان الابن من أفضل أو أسوأ من عرض البديهيات، مثل: "هذه الانتخابات ستقرر من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية"، أو "ان مزيداً من وارداتنا يأتي من الخارج". وربما زدت له من عندي بديهية قد تفيده في المستقبل هي "الصحة أفضل من المرض". إذا كان جورج بوش الابن هو من يصف البروفسور ميلر، فكيف وصل الى الرئاسة؟ باختصار الكاتب يقول ان أسرته، وأباه تحديداً، وراء دخوله البيت الأبيض. وكان بيل كلينتون فر من الخدمة في فيتنام، وجعلت وساطة الأسرة بوش الابن يبقى في أمان الحرس الوطني الجوي في تكساس. ثم قرأت الأسبوع الماضي في "بوسطن غلوب" عن كوميدي هو رامي حنانيا منع من أداء دوره لأنه من أصل فلسطيني أميركي. مع انه خدم في فيتنام، كما لم يفعل آخر رئيسين أميركيين. هناك فصل مهم عن ايمان بوش المسيحي، وقوله انه لا يدخل الجنة إلا من كان مسيحياً، ثم انكاره ذلك القول، غير انني أخشى ان يضيق بنا المكان، وأريد ان أكمل ببعض عباراته التي يوثقها الكتاب، كما أسلفت، بدقة متناهية. القارئ لا بد يذكر جهل المرشح بوش بأسماء رؤساء الدول الأجنبية، والكتاب ينشر نصاً حرفياً، فقد كان أندي هيلر، وهو صحافي محلي في بوسطن يجري مقابلة مع بوش لمحطة و ه د ه، وسأله: هل تعرف اسم رئيس الشيشان؟ فلم يعرف انه اسلام مسخادوف، وسأله عن رئيس تايوان فقال "لي"، من دون ان يعرف بقية الاسم. وسأله عن رئيس باكستان فقال انه جنرال، وبقي يعيد انه جنرال، ثم سأل المراسل ان كان هو يعرفه. وسأله عن رئيس وزراء الهند، فقال انه جديد ولا يعرفه اتال بيهاري فاجبايي وسأل المراسل ان كان هو يعرف اسم وزير خارجية المكسيك. هناك فصل عن روح النكتة عند الرئيس، غير انني وجدت شيئاً أظرف في مكان آخر من الكتاب، فبعد أن فاز جورج بوش بالرئاسة أو أعطيت له، سأله مشترعون جمهوريون ماذا سيفعل، فقال سأذهب وأنام.