دفعت سلسلة احداث شهدتها السنة الماضية بالشرق الاوسط الى مركز الانتباه في السياسة الدولية مرة اخرى، ما أدى الى تحفيز الاهتمام مجدداً وعلى نطاق واسع بمنطقة تعاني التوتر وعدم الاستقرار منذ وقت بعيد. ويطرح الناس، من الاوساط الديبلوماسية الى صفوف المدارس والشوارع، اسئلة عن السبب الذي جعل الازدهار والاستقرار في المنطقة شيئاً صعب المنال الى هذا الحد - على رغم ثروتها النفطية الهائلة وعلى رغم الاصلاحات الاقتصادية التي اطلقتها حكومات كثيرة في العقد الاخير. وأكدت جدالات حيوية على طرفي الاطلسي اهمية السلام والاستقرار بالنسبة الى النمو. لكن هذا ليس إلاّ جزءاً من المسألة. فما لا يقل اهمية هو ان الازدهار الاقتصادي متلازم مع المجتمعات المفتوحة. ويبيّن لنا نموذج للتنمية المتطورة، عرّفت به على احسن وجه ابحاث امارتيا سين الحائز على جائزة نوبل، ان ثروة بلد ما لا يمكن ان تُقاس بنمو اجمالي الناتج المحلي او بحجم اقتصاده فقط. يقول سين ان التنمية هي الحرية. انها تدور حول خلق بيئة يمكن للناس فيها ان يشاركوا في تقرير مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي. وهي تدور حول خلق فرص لكل شخص كي يسعى لتحقيق آماله واحلامه. وفي اجواء القلق التي تخيم على المنطقة اليوم ، تواجه حكومات بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا القرار الصعب بتمهيد الطريق لانفتاح سياسي يزج بشعوبها - رجالاً ونساءً على السواء - في عملية التنمية ويدمج بلدانها في الاقتصاد العالمي. وفي ظل بطالة في المنطقة تتأرجح حول 20 في المئة، يدخل الشباب قوة العمل بمعدل اسرع من الوظائف التي يتم توفيرها. كما ادى الركود الاقتصادي والبطالة خلال التسعينات الى زيادة في الفقر. ويعيش 30 في المئة تقريباً من السكان على اقل من دولارين يومياً. ومما فاقم المشكلة ان معظم الناس في المنطقة يعانون ايضاً من نوع آخر من الفقر - فقر المشاركة - اذ لا يملكون صوتاً في عملية التنمية التي تمس حياتهم. ويتجلى هذا بشكل خاص في المشاركة المحدودة للنساء في المجال العام. ويؤدي تزايد اعداد الشباب العاطلين عن العمل الذين يخنقهم الفقر بالاقتران مع فقر المشاركة الى زيادة الضغوط بالنسبة الى زعماء المنطقة على الجبهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لكن التحدي الأكبر على المدى البعيد الذي يواجه هذه الحكومات يتمثل بتوفير العمل، او بكلمة اخرى الأمل في المستقبل، للشبان والشابات. وتشير دروس مستمدة من تجربة البلدان التي عاشت فترة انتقال ان سعيها الى تحقيق النمو يتوقف على مدى وعمق الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ودرجة الانفتاح في النظام السياسي ومستوى مشاركة المجتمع المدني في أجندة التنمية. ومع تنفيذ معظم الاصلاحات بشكل جزئي في الغالب وكون القطاع العام ما يزال يحتل الموقع القيادي الى حد كبير، فإن اقتصاديات بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا لم تستوف بعد قدرتها على خلق الوظائف بتشجيع قطاع خاص نابض بالحيوية وبالانفتاح على الاقتصاد العالمي. وعندما انطلقت التجارة العالمية في اواخر التسعينات، لم تكن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا جزءاً من هذا التطور، ولو ان هذا الوضع يتغير ببطء. ويكشف القاء نظرة على الصادرات غير النفطية، وهي مؤشر الى القدرة التنافسية الاقتصادية، ان اجمالي صادرات بلدان هذه المنطقة يبلغ حوالي 40 بليون دولار - أي أقل من صادرات فنلندا وحدها التي لا يزيد عدد سكانها على 2 في المئة من سكان الشرق الاوسط وشمال افريقيا. كما ان الاستثمارات المباشرة الاجنبية، التي تعكس تلمس المستثمرين لوجود بيئة اعمال مزدهرة، لم تُستغل بعد في المنطقة. واذ تبلغ هذه الاستثمارات 1 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، فان المنطقة تجتذب أدنى حصة من الاستثمار المباشر الاجنبي في العالم - حتى اقل من حصة بلدان افريقيا جنوب الصحراء التي تبلغ 7،1 في المئة من اجمالي الناتج المحلي. ومع اخذ هذه الامكانات غير المستغلة في الاعتبار يتضح ان الآفاق لتحفيز النمو عبر انفتاح وتفاعل اكبر مع الاقتصاد العالمي تبدو واعدة. لكن الصادرات والاستثمارات الاجنبية ليست المقاييس الوحيدة لمجتمع مفتوح. ففي هذه الايام، يمثل "اقتصاد المعرفة" على نحو متزايد مقياساً مهماً لمدى ارتباط الناس بثورة المعلومات التي تجتاح العالم. فهو يوفر الاساس لشكل جديد للتنمية الاقتصادية يزدهر بالاعتماد على قوة عمل ماهرة ومبتكرة وعلى نزعة العمل الحر وبنية تحتية حديثة للاتصالات وعلى الابحاث والتطوير. وما يزال النشاط الاقتصادي المرتبط بالمعرفة متواضعاً في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ويقدر الجهد الذي تبذله المنطقة على صعيد الابحاث والتطوير بحوالي خمس او اقل بالمقارنة مع البلدان الصناعية. كما تسجل المنطقة أدنى مستوى في العالم بالنسبة الى عدد المواقع على شبكة الانترنت ومستخدمي الانترنت، وهو احد المؤشرات الاساسية للاندماج في اقتصاد المعرفة العالمي. هكذا هو الوضع، على رغم ان بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا تستثمر نسبة أعلى من اجمالي الناتج المحلي في التعليم بالمقارنة مع مناطق اخرى في العالم. هناك الكثير مما ينبغي السعي الى تحقيقه، والكثير مما يُطمح اليه في منطقة غنية بالامكانات الى هذا الحد. وفي الاسبوع المقبل، سيجتمع في عمان حوالي 500 مندوب يمثلون الحكومات والقطاع خاص والمجتمع المدني من المغرب الى ايران، ليشاركوا في "المنتدى الرابع للتنمية في منطقة المتوسط" الذي تنظمه مراكز ابحاث محلية في المنطقة بدعم من البنك الدولي. ووسط اجواء التوتر المتصاعد في المنطقة، سيتأمل المنتدى هذه السنة مستقبل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وسيقف وزراء ونواب برلمان الى جانب رجال اعمال حرة ونشطاء من القطاع غير الحكومي وصحافيون ليناقشوا المهارات التي تحتاج اليها فئة الشباب في بلدانهم، ويفكروا كيف يمكن اجتذاب شعوبهم للتفاعل مع ثورة المعلومات، وكيف يُخلق المزيد من فرص العمل وكيف تُشجّع التجارة والاستثمارات. وفي وقت يبدو فيه الازدهار شيئاً صعب المنال، تمثل هذه لحظة مناسبة للعالم كي ينصت لأصوات وتطلعات شعوب المنطقة. * نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.