اقترحت فرنسا اجتماعاً وزارياً للدول الاعضاء في مجلس الامن لإزالة "عناصر متناقضة" في مشروع القرار الاميركي المتعلق بعودة المفتشين الى العراق، معتبرة ان القوة وحدها لا تضمن السلام او الامن. وفيما شددت بريطانيا على ضرورة "حسم" النقاشات الجارية في المجلس، اعتبرت بغداد تهديد الرئيس جورج بوش بالخيار العسكري "ابتزازياً واستفزازياً". عبر وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان عن تفاؤله بإمكان توصل مجلس الأمن الى قرار جماعي يتعلق بالعراق بعد تبديد "الغموض" على صعيد مشروع القرار الأميركي، خصوصاً اللجوء التلقائي الى القوة. واعتبر خلال مؤتمر صحافي عقده امس بعد محادثات مع نظيره الفنلندي، ان امكان التوصل الى قرار توافقي في المجلس لا يزال وارداً انطلاقاً من "الموقف البناء الذي نتحرك على أساسه منذ بضعة أسابيع، من اجل التوصل الى قرار دولي يسمح بعودة المفتشين الى العراق سريعاً". وقال: "هاجسنا الدولي هو عودة المفتشين وإزالة أسلحة الدمار الشامل والحاجة الى ذلك باتت ملحة، ومن الضروري ان يتمكن مجلس الأمن من تبني قرار في هذا الشأن بأسرع وقت". وتابع دوفيلبان انه ابلغ وزراء خارجية الدول الاعضاء في مجلس الأمن استعداده للمشاركة في اجتماع وزاري للمجلس "لرفع العراقيل الأخيرة التي تعترض تبني القرار". وعبر مجدداً عن رفض فرنسا أي بند ينص على استخدام تلقائي للقوة ضد العراق، مؤكداً ان مثل هذا الاستخدام ينبغي ان يبقى آخر الخيارات وأن يندرج في اطار مجلس الأمن. وعن تلويح فرنسا بتقديم مشروع قرار في حال تعذر الاتفاق على مشروع القرار الاميركي، قال دوفيلبان ان الاتصالات مستمرة بين فرنسا وشركائها في المجلس، وان الأمور "تتحرك وينبغي الآن تبديد نقاط الغموض" القائمة على صعيد مشروع القرار الاميركي "في غضون الساعات والأيام المقبلة"، استناداً الى النص الاميركي والاقتراحات التي قدمتها فرنسا انطلاقاً منه. وأشار الى ان فاعلية القرارات الدولية مرتبطة بالاجماع الذي يتحقق حولها، وان هذا الاجماع هو الذي حمل الرئيس صدام حسين على القبول بعودة المفتشين، و"من الضروري صون هذا الاجماع" في القرار الجديد الذي يعتزم مجلس الأمن اصداره. وعن نقاط الغموض في مشروع القرار الاميركي قال دوفيلبان انها تتناول عملية التحديد الواضحة للظروف التي قد تقتضي اللجوء الى القوة، استناداً الى مبدأ التحرك عبر قرارين، بحيث يحدد الأول الاجراءات العملية المتعلقة بعودة المفتشين وظروف عملهم في العراق، والعودة الى مجلس الأمن في حال عرقلة الجانب العراقي عملهم، لإنجاز الاجراء المناسب بما في ذلك احتمال اللجوء الى القوة. وذكرت مصادر فرنسية مطلعة ان من دواعي التفاؤل الفرنسي بامكان تطور الموقف الاميركي وتقاربه من الاقتراحات الفرنسية اقتصار عدد مؤيدي المشروع الاميركي على ستة اصوات في مجلس الأمن. ومعروف ان اي مشروع قرار يستدعي تأييد تسع دول من اعضاء المجلس ليتحول الى قرار. وخففت المصادر من امكان عقد اجتماع وزاري لأسباب على صلة ببرامج وزير الخارجية الفرنسي وبرامج نظرائه ما يجعل من الصعب ترتيب مثل هذا الاجتماع قريباً. الى ذلك قال دو فيلبان ان مشروع القرار الاميركي الخاص بالعراق يتضمن في صيغته الحالية عناصر متناقضة، تتطلب مزيداً من التشاور لازالتها، واقترح لذلك اجتماعاً لوزراء خارجية الدول الاعضاء في مجلس الامن. واكد الوزير في حديث نشرته امس صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية انه ينبغي تبديد كل نقاط الغموض في القرار الواجب اتخاذه في شأن العراق، ليحدد بوضوح ما يترتب على الجانب العراقي، ويبيّن ان احترام هذه الواجبات يشكل صلب هذا القرار الجديد الذي يجب ضمان تنفيذه. وتابع ان مجلس الامن يجتمع مجدداً لاستخلاص النتائج في حال اخلال العراق بتلك الواجبات و"طالما قبل الجانب العراقي بالتعاون لا بد من المضي قدماً في تحديد نظام رقابة مشدد على التسلح العراقي وتحديد آلية واضحة تشكل اطاراً لاحتمال اللجوء الى القوة". وجدد دو فيلبان حرص فرنسا على التوصل سريعاً الى اتفاق على قرار جديد تؤيده اكبر غالبية ممكنة من الدول الاعضاء في مجلس الامن، مشيراً الى انه اقترح عقد اجتماع وزاري لهذه الدول ومؤكداً ان العديد من وزراء خارجيتها بمن فيهم الوزير الاميركي كولن باول رحبوا بالاقتراح. ورفض كشف هل ستستخدم فرنسا حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الاميركي، موضحاً ان الجانب الفرنسي اكد منذ البداية انه لن يوافق على نص لا يحترم المبادئ التي يستند اليها موقف باريس من العراق. ورأى ان الرهان الحالي لا يتناول العلاقات الفرنسية الاميركية "الممتازة" بل موقف الاسرة الدولية من الازمة العراقية و"قدرتها على التعامل معها في صورة موحدة وجماعية". وكرر ان اللجوء الى القوة ينبغي ان يكون الخيار الاخير وزاد: "القوة وحدها اثبتت انها غير كفيلة بتحقيق السلام او الامن، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تطورات الوضع في الشرق الاوسط". ونبّه الى ضرورة "تحديد افق سياسي ورؤية للعالم توحد كل الطاقات وتشكل رداً جماعياً في مواجهة تهديدات الارهاب والاصولية". الى ذلك اعتبرت الحكومة البريطانية امس ان النقاشات الجارية في الاممالمتحدة للاتفاق على مشروع القرار الاميركي، وصلت الى مرحلة تتطلب حسم المسألة هذا الاسبوع، وذكر الناطق باسم رئاسة الوزراء البريطانية بأن النقاشات بدأت منتصف الشهر الماضي، محاولاً التقليل من حجم الخلافات داخل مجلس الامن. وشدد على ان الاممالمتحدة لا تزال تمثل افضل السبل لنزع سلاح العراق وحل الازمة لكنه رفض التكهن بالاحتمالات في حال لم تذلل الخلافات على القرار الاميركي سريعاً. ورفض ايضاً الرد على سؤال في شأن موقف بريطانيا من الرؤية الاميركية الداعية الى بناء تحالف دولي ضد العراق، عبر قرار الاممالمتحدة او من دونه. ويرى ديبلوماسيون في نيويورك ان بإمكان هانز بليكس رئيس لجنة التفتيش انموفيك ان يلعب دوراً بارزاً في خفض الخلافات بين اعضاء مجلس الامن، وكان متوقعاً ان يلتقيهم امس. وستكون الايام القليلة المقبلة حاسمة في شأن تبني قرار يشدد اجراءات التفتيش في العراق. وتقف واشنطن ولندن في هذه المواجهة في صف بينما اختارت باريس وموسكو وبدرجة اقل بكين موقفاً آخر. ويعتقد عدد قليل من الديبلوماسيين ان فرنسا وروسيا والصين يمكن ان تستخدم حق النقض اذا قررت واشنطن عرض مشروع القرار على التصويت في المجلس. ويبدو ان نتيجة التصويت ستكون مرتبطة اكثر بموقف الاعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس الذين ينظر معظمهم بفتور الى المشروع الاميركي، بيما يتطلب اعتماد اي قرار موافقة تسعة اعضاء على الاقل. ويمكن ان يؤدي حديث بليكس والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الى ترجيح كفة هذه الجهة او تلك تبعاً لتأكيدهما او عدم تأكيدهما ان اجراءات التفتيش التي تطالب بها واشنطن تدعم مهمة المفتشين او تضايقها. واعتبر ديبلوماسي من احدى الدول الدائمة العضوية ان "الاتجاه داخل المجلس يشير الى ان بليكس والبرادعي سيكونان حكمين"، مشيراً الى ان "الدول غير الدائمة العضوية في المجلس تريد معرفة هل مشروع القرار يساعد المفتشين او يضايقهم". وقال ديبلوماسي آخر في الاممالمتحدة "سنتفق اياً كان ما سيقوله بليكس والبرادعي". وكانت واشنطن الغت اجراءات وخففت اخرى كانت مدرجة في المشروع الاميركي الاولي واعتبرها العديد من اعضاء المجلس استفزازية للعراق. وتخلت واشنطن عن طلب ان تضم فرق التفتيش رجالها، وتأمين مواكبة مسلحة لهذه الفرق، لكنها لا تزال تطالب بإمكان اعلان مناطق محظورة جواً وبراً في محيط المواقع المشتبه فيها" واعلان مواصلة العراق خرق شروط وقف النار، وتحذيره من "عواقب وخيمة". ويخوّل المشروع الاميركي الى بليكس والبرادعي عند استئناف مهمات المفتشين "ابلاغ المجلس فوراً اي اخلال عراقي" بالالتزامات الدولية، وبالتالي يمكن ان يساهم تدخل بليكس والبرادعي في ترجيح كفة السلم او الحرب. اكثر من تنازل في بغداد، كتبت صحيفة "الثورة" امس ان الولاياتالمتحدة "حصلت على اكثر من تنازل من مجلس الامن، واول التنازلات هو القبول بفكرة اصدار المجلس قراراً جديداً على رغم عدم وجود حاجة قانونية او تنظيمية" لذلك. ورأت ان الاممالمتحدة "تجتاز امتحاناً عسيراً، اكثر من اي امتحان سابق، فإما ان تتمسك بصفتها الاممية وتحترم نصوص ميثاقها وتحمي سلطتها وهيبتها، وترفض ان تسلّم زمامها الى دولة واحدة وإما ان تتحول مؤسسة اميركية شأنها شأن اي مؤسسة رسمية اميركية. وفي هذه الحال فان القرار الذي لا يصدر الا بالمساومة والضغط والابتزاز والتهديد، ليس له اي نصيب من الشرعية والصدقية". يذكر ان الرئيس الاميركي جورج بوش كرر الاحد ان "الولاياتالمتحدة مستعدة لقيادة حملة لتخليص العراق من اسلحته الكيماوية والبيولوجية اذا لم تعتمد الاممالمتحدة قراراً ذا معنى". ووصفت صحيفة "الثورة" تصريحات بوش بأنها "ابتزازية واستفزازية". عميد كلية الاعلام في جامعة بغداد عبدالرزاق الدليمي قال ان "مجلس الامن يقف امام مفترق طرق: فإما ان يكون منظمة دولية تحافظ على الامن والسلم الدوليين، وترفض المخطط الاميركي وإما ان يكون قسماً تابعاً للخارجية الاميركية". واضاف في تصريح الى وكالة "فرانس برس" ان المطلوب من الدول الاعضاء في مجلس الامن "ان تقف موقفاً حازماً في وجه المشروع الاميركي، ليس لمصلحة العراق فحسب بل لحماية هذه الدول والمجلس". وندد بمشروع القرار الذي قدمته الادارة الاميركية معتبراً انه يهدف الى "الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط لتأمين حماية للكيان الصهيوني وتحويل العراق الى مركز لتحقيق الاهداف الاميركية".