طغت المواجهات بين غلاة المستوطنين وجنود جيش الاحتلال الاسرائيلي في اليومين الأخيرين على جدول أعمال الحكومة الاسرائيلية في جلستها الاسبوعية أمس وذلك على خلفية اخلاء مستوطنة "هفات جلعاد"، احدى المستوطنات العشوائية التي أقيمت من دون استئذان سلطات الاحتلال، وقرر وزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر اخلاءها و33 أخرى من مجموع 104 بؤر أقيمت في السنوات القليلة الماضية. ووافق رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون امس على تقليص الانتشار العسكري في مدينة الخليل ولكن مع بقاء قوات الجيش في اثنين من احياء المدينة. شهدت الجلسة مشادات كلامية بين وزراء اليمين المتطرف من جهة ووزراء العمل "المحسوبين على يسار الوسط. واتهم وزراء اليمين بن اليعيزر بنقضه اتفاقا مع زعماء المستوطنين يقضي بوجوب التفاهم معهم قبل اخلاء البؤر الاستيطانية وحمّلوه مسؤولية انتهاك قدسية يوم السبت باصداره الأوامر للجنود باخلاء المستوطنة. وتدخل رئيس الحكومة ارييل شارون محاولا فض الخلاف معتذراً أولا باسم حكومته لجمهور المتدينين على "انتهاك السبت" ومدينا اعتداء المستوطنين على جنود الاحتلال واعتبره مساساً خطيراً بسيادة القانون. ولم يأبه شارون بتهديدات حزب المتدينين الوطنيين مفدال بالانسحاب من الحكومة وطالب زعيم الحزب وزير البنى التحتية ايفي ايتام بالكف عن مهاجمة بن اليعيزر بكلمات نابية ووصفه ب"الكذاب والغبي والجبان". ورفض شارون مطالبة هذا الحزب بإقالة بن اليعيزر من منصبه. ودعم وزير الخارجية شمعون بيريز موقف زعيم حزبه بن اليعيزر وقال ان الجنود يدنسون يوم السبت من كل اسبوع في سبيل حماية المستوطنين. أما بن اليعيزر، وبعد ان اعتذر هو ايضاً عن "انتهاك السبت" فحذر من تصعيد لهجة التحريض ضده وغيره من وزراء العمل، مضيفاً أن أجواء مماثلة سادت عشية اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين قبل سبع سنوات. وحذر عدد من أبرز الصحافيين الاسرائيليين من نتائج اعتداء المستوطنين على الجنود وكتب عوزي بنزيمان في صحيفة "هآرتس" يقول ان المستوطنين الذين يطلقون على أنفسهم "شبيبة التلال" - في اشارة الى احتلالهم التلال المحيطة بالبلدات الفلسطينية المحتلة بتشجيع من شارون - يعيدون الى الأذهان حليقي الرؤوس في أوروبا والولاياتالمتحدة: "انهم زعران معروفون بعنفية تصرفاتهم وإثارة الشغب لا يردعهم شيء وسلوكهم بالأمس تتمة لتنكيلهم السافل بالفلسطينيين". وحذر رئيس تحرير صحيفة "معاريف" امنون دانكنر في افتتاحية على الصفحة الأولى من أن تصبح البؤر الاستيطانية "نقطة خلاف عنيف وربما منفلت ومرفوض". واعتبر سلوك "بعض المستوطنين" فظيعاً "لأنهم تطاولوا على السيادة الاسرائيلية"، مضيفاً ان المجتمع الاسرائيلي لم يعتبر من اغتيال رابين. الى ذلك، رأى مراقبون ان عدداً من زعماء الأحزاب الصهيونية رأى في المواجهات، التي تواصلت أمس بين المستوطنين والجنود، فرصة لتحقيق مكاسب حزبية وان الأبعاد الحقيقية لها مرتبطة باقتراب موعد الانتخابات الداخلية لزعامة الأحزاب عشية الانتخابات البرلمانية، أواخر العام المقبل وسط احتمالات جدية بتقديم موعدها الى الصيف. واعتبر هؤلاء الهجوم الكلامي لزعيم حزب مفدال، حزب المستوطنين الأبرز في اسرائيل، الوزير ايفي ايتام على بن اليعيزر موجها لكسب أصوات اليمين المتطرف وتعزيز موقع الحزب في الكنيست المقبلة ورفع تمثيله من خمسة نواب حالياً على حساب حزب "ليكود" المتهم بالانصياع لضغوط اميركا واحتمال قبوله مطلب المجتمع الدولي وقف الاستيطان واخلاء بعض المستوطنات. وكان حزب "مفدال" توج ايتام زعيما له بعدما خلع بزته العسكرية واطلق تصريحات تنادي بمزيد من القمع للفلسطينيين وباعتبار فلسطينيي الجليل "سرطانا" في جسم اسرائيل. في المقابل، يتوقع ان يسفر "اصرار" بن اليعيزر على تفكيك البؤر الاستيطانية عن منحه نقاطا في معركته على زعامة حزب العمل الشهر المقبل امام منافسيه الأوفر حظا عمرام متسناع وحاييم رامون اللذين يطالبان بفسخ الشراكة الحكومية مع "ليكود". ولفت أحد المعلقين في اذاعة الجيش الى أن بن اليعيزر كشّر فجأة عن أنيابه لينفي عن نفسه صفة "حمل وديع في مزرعة شارون مصيره الذبح" التي اطلقها عليه خصمه رامون. وتمكن المواجهات الحالية شارون من أن يزعم أمام المجتمع الدولي انه يواجه ضغوطاً داخلية في التجاوب مع "خريطة الطريق" التي تتضمن بنودها مطلب تجميد الاستيطان وتقديم تنازلات للفلسطينيين، فضلا عن أن الانشغال بمسألة البؤر الاستيطانية يحجب الضوء عن ممارسات جيش الاحتلال. اعادة انتشار الجيش في الخليل من جهة أخرى، صادق شارون على اقتراح بن اليعيزر تقليل الانتشار العسكري لقوات الاحتلال في مدينة الخليل وإبقاءها في حارة ابو سنينة وحارة الشيخ لحماية مئات المستوطنين في محيطهما. وقالت الاذاعة العبرية ان شارون اتخذ قراره بعد التشاور مع رؤساء الاجهزة الأمنية المختلفة وانه تم الاتفاق على أن يتوقف الجيش عن تسيير دورياته في احياء المدينة "لكنه يحتفظ لنفسه بحق الدخول اليها في حال توافر انذار ساخن بعملية عدائية". وتوقعت ان تتم اعادة انتشار الجيش مساء أمس أو صباح اليوم. من جهتها أفادت صحيفة "هآرتس" ان مسألة صلاحيات قوى الأمن الفلسطينية التي ستتسلم مسؤولية فرض النظام في المدينة لم تبت وتوقعت أن يسمح لأفرادها بتسيير دوريات من دون ان يحملوا أسلحة، مشيرة الى أن الولاياتالمتحدة دربت أخيراً عناصر من الشرطة الفلسطينية لتسليمها المسؤولية عن الأمن في المدينة مع انسحاب الجيش الاسرائيلي. وكان بن اليعيزر قال للاذاعة الاسرائيلية ان قرار الانسحاب الجزئي من الخليل جاء ليقول للعالم ان اسرائيل ليست مهتمة فقط بفرض حظر التجول والحصار على الفلسطينيين "انما ايضاً بمغادرة الأراضي التي يسودها الهدوء والواقعة تحت السيطرة الفلسطينية".