باتت شؤون الأسرة والتعليم وما تحمله من اشكاليات حديث الأوساط السعودية على أكثر من صعيد في مجتمع تشكل نسبة اليافعين ومن هم دون العشرين ما يقرب من 60 في المئة من تعداد سكانه. وفي هذا السياق جاء الملتقى التربوي الأول تحت شعار "شبابنا الى أين؟" بتنظيم من كلية دار الحكمة الأهلية للبنات في جدة وجمعية تحفيظ القرآن. وناقش الملتقى محاور من نوع التنشئة الأسرية والعملية التعليمية والتربوية، والشباب والفراغ. أكد أمين مجلس أمناء كلية دار الحكمة الأهلية للبنات زهير فايز ان الملتقى التربوي "شبابنا الى أين" قادر على الخروج من النمط التقليدي لهذه المنتديات التي عادة ما تنتهي بتوصيات تستقر على أوراق يكتفي بوضعها في الأدراج، واعداً بالخروج بمشاريع حقيقية من الملتقى تعزز التوجه الهادف الى رفع كفاية المؤسسات المدنية والتربوية في البلاد. الأسرة وتحتل قضايا الأسرة في السعودية الأولوية لدى غالبية القطاعات والنخب الثقافية بمختلف توجهاتها، ما دفع القائمين على الملتقى الى التركيز على تفاقم هذه الاشكاليات في أكثر من اتجاه. ولفت الأكاديميون الى ان تنامي معدلات الرافضين للزواج بين الشبان والفتيات لأكثر من سبب، ورفع عدد العوانس الى المليون ونصف المليون، والعدد مرشح للزيادة الى أربعة ملايين في السنوات الخمس المقبلة بحسب احصائية صادرة عن وزارة التخطيط السعودية. وطرح المشاركون تساؤلاً عن كيفية احتواء التنامي في عدد الخريجين من الذكور والاناث عاماً بعد عام وكيفية ايجاد الوظائف التي تحد من العزوبية والبطالة وظواهر الانحراف. على رغم ان القضايا تبدو في مجملها تقليدية، الا ان رئيس مجلس الأمناء رأى ان "هذا النوع من المشكلات يأخذ نمطاً متجدداً من دون ايجاد علاج، ما دفعنا لطرحها كأفكار رئيسة". والحال ان المشكلات الآنفة الذكر تبقى موضع أخذ ورد، ولكن لكل جيل اشكاليته الخاصة، اضافة الى تلك العامة. وقال ل"الحياة" ناشطون تعليمياً ان الناشئة من الشبيبة تحمل معها أسئلة كبيرة عن بعض المفاهيم الأسرية، ان لم تكن تنسف بعضها من الأساس، خصوصاً بعد تطرق مادة التربية الوطنية في المدارس الى جوانب عدة من الأسرة وثقافتها. فعلى سبيل المثال يسأل الطلاب عن الحديث النبوي القائل ما معناه: "تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها ونسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك": والسؤال هو: "الشروط الثلاثة الأولى ظاهرة ولكن الدين كيف يعرف قبل المعاشرة؟ عند وفاة الأم ما هي الطريقة المثلى لتربية الأطفال؟ وهل يحق للزوج ضرب الزوجة؟ وهل يلزم ان يكون عمر الزوج أكبر من الزوجة، هل طاعة الابن للأب والأم تكون بالعنف، وهل فشل الأبوين في التربية على الطاعة لهما يجبرهما على العنف؟ ويرى الناشطون ضرورة ان يكون الشباب ممثلين لأنفسهم في مثل هذه الملتقيات بدلاً من الطرح الفضفاض من اكاديميين وباحثين من دون اغفال دورهم. البطالة البطالة كانت الأكثر حساسية وجدية في الطرح داخلياً ويقدر عدد العاطلين من العمل تماماً في المجتمع السعودي بنحو 600 ألف "في ظل حقيقة تؤكدها الدراسات العلمية عن وجود علاقة طردية بين مستوى البطالة ومستويات انتشار الجريمة والانحراف عند الحديث عن 400 حال انتحار عام 2000 وحده". وغدت الجامعات السعودية لا تقوم بدور أكثر من اعداد الطلاب للاحتفال بيوم التخرج. ففي اليوم الفائت خرجت جامعة عبدالعزيز في جدة أربعة آلاف طالب لن يستوعب السوق منهم بحسب مختصين تحدثت اليهم "الحياة" أكثر من 30 في المئة. ويقول ناشطون سعوديون في مجال التوظيف ان قوائم انتظار الشواغر في ديوان الخدمة المدنية تزيد عن 61 ألفاً. وقال العضو المنتدب والمدير العام لشركة "توظيف" عبدالعزيز جستنية "ان الشركات عادة ما تتطلب قدراً معيناً من الكفاية لدى الأفراد، لذا قمنا بتكوين مجموعة شركات متخصصة في البرامج التأهيلية تحت مسمى "شركة تطوير وتدريب وتوظيف الموارد البشرية". وأشار الى ان ما ينفقه السعوديون على التعليم والبرامج التطويرية لا يمثل سوى ثلاثة الى خمسة في المئة من دخل الفرد، في حين يصل ما ينفقه الفرد في اليابان للغرض نفسه الى 35 في المئة وفي أوروبا وأميركا الى 50 في المئة. وباتت متطلبات من نوع التمكن من "اللغة الانكليزية وعلوم الحاسوب" لازمة لكل شركة خاصة تعرض حاجتها بعدما غدا القطاع الخاص الخيار الأوحد للمتخرجين فتياناً وشابات. واللافت في الملتقى ايلاؤه أهمية لخريجي التعليم المهني والفني من الذكور والاناث بالطبع. وقدم احصاءات تفيد أن صندوق التنمية البشري دعم 431 فتاة من اجمالي 1145 خريجاً في 17 مصنعاً. العنف الطالبي ووسائل الاتصال وفي العام الماضي هزت قضية اطلاق طالب دراسات عليا في جامعة الملك عبدالعزيز النار على أستاذه مشاعر الأوساط التعليمية السعودية. وقبله بأسابيع كان طالب في المرحلة الثانوية أطلق على مدير مدرسته ست رصاصات، غير ان كلا الأستاذين لا يزالان على قيد الحياة. الحوادث من هذا النوع وغيرها من ثقافة القوة بمختلف مستوياتها باتت تشكل تغيراً في طبيعة المجتمع السعودي في ظل أحداث متعاقبة ومتوالية تطرح عبر وسائل الإعلام. والسؤال: "ما الذي أفضى الى ولوج هذه الظواهر"؟ الكتيب الخاص بالملتقى عزا السبب الرئيس الى الإعلام، وقدم رصداً لاستطلاع أجرته وزارة المعارف على مجموعة من طلاب الثانوية كشفت اجاباتهم عن انجذاب 46 في المئة لبرامج أو أفلام العنف. وأفاد 74 في المئة عن الاستمتاع بوقتهم. وأعرب 18 في المئة عن رغبتهم في ممارسة بعض جوانب ما شاهدوه، ووصف 40 في المئة من المعلمين للبرامج المدرسية الموضوعة للتصدي لمعالجة تلك السلبيات بأنها اجتهادية. وكانت دراسة أشارت الى أن 25 في المئة من الأطفال المترددين على عيادات الطوارئ في المستشفيات يعانون عنفاً عائلياً تحرش، ضرب، حرق، اهمال. وان 36 في المئة من الأهل لاحظوا سلوكيات سلبية من أبنائهم وبناتهم نتيجة اقتناء الأسرة الأطباق الفضائية. ورأى مختصون ان التدفق الاعلامي للمنتج الأجنبي يتعارض مع إرثنا الثقافي وعاداتنا، "من دون تجاهل ما يحويه المنتج العربي من ثغرات مع وقوعه في المحاكاة". وتعتبر الانترنت قضية أخرى، والاستخدام السيئ يشغل الرأي العام في السعودية، وتنفق مدينة الملك عبدالعزيز في الرياض سنوياً الملايين على اقفال المواقع الاباحية غالباً والمواقع غير المرغوب فيها أحياناً. وكانت صحيفة "المدينة" السعودية قدمت قصة فتاة تبلغ 16 عاماً تعرفت الى شاب من خلال "الشات"، ونمت العلاقة بينهما الى حد الوعد بالزواج. وأخذت العلاقة في التطور الى ان طلب صورتها فقدمتها راضية. وبعد تسلمه الصورة هددها إن لم تذهب اليه في منزله انه سينشر صورتها في موقع معين على الانترنت. القصص كثيرة ومتشابكة ومأسوية وتطرح تساؤلاً مهماً عن مدى قدرة الآباء والتربويين على تفعيل الجانب الإيجابي لدى الشبيبة في التعامل مع التقنية.