عند تناول أسباب البطالة من جانب الطلب أي رغبة رجال الأعمال أو الحكومة وقدرتهم على تشغيل الشبان والخريجين نجد أن السبب الأهم هو عدم كفاية حجم ونوع الإنتاج المحلي الذي ينوع القاعدة الاقتصادية، ويوفر دخولا غير نفطية للمواطنين. أما عند تناول الأمر من جانب العرض نجد أن السبب الأبرز هو مدى ملاءمة المهارات والخصائص الموجودة في الشبان والخريجين لاحتياج سوق العمل، وتوافق مخرجات مؤسسات التعليم مع رغبات أصحاب قرارات التوظيف، فصاحب العمل يبحث في الشخص الذي سيوظفها ما يدل على وجود حد أدنى من العلوم المرتبطة بالتخصص، ثم عن المهارات التي توفي باحتياجاته. وأهم هذه المهارات الإلمام بالتكنولوجيا مع القدرة على البحث والفكر الإبداعي، والمبادرة وسرعة الاستجابة، والشعور بالمسؤولية واحترام القانون والنظام، مع حب العمل والسعي للتفوق وإنجاز الأعمال بدقة، وتوفر مهارات اللغة والتخاطب والتواصل مع الفريق، بجانب قدر من الأخلاق والاستقامة، ولكن هل المؤسسات التعليمية تمنح أو تساعد الخريجين على اكتساب هذه المهارات ؟ وهل الخريج معد إعدادا ملائما للمشاركة فى التنمية بصورة إيجابية لإحداث تغيير حقيقي فى البنية الاقتصادية للبلاد بالتحول المستمر نحو تنويع القاعدة الإنتاجية بالتركيز على الصناعة والزراعة ؟ فبالرغم من الاهتمام المتزايد بنوعية مدخلات التعليم (الأستاذ، الكتاب، البيئة الأساسية المتمثلة في المباني والمعامل) التي تهدف إلى إعداد الفرد ليحيا حياة عملية كريمة ومنتجة. إلا أن نوعية المخرجات وخاصة الخريج فلم تحظ بنفس القدر من الاهتمام للربط بين مخرجات نظام التعليم واحتياجات المجتمع، فنوعية الخريج تتحدد من خلال المكونات العلمية التي اكتسبها (ولم يمنحها) من معارف ومهارات وسلوكيات التي يضيفها التعليم إليه، لتتلاءم مخرجات التعليم مع التنمية.. فعملية ربط التعليم باحتياجات السوق غير سهلة، لأن التعليم عملية تستغرق سنوات طويلة بينما احتياجات سوق العمل تتغير بسرعة نسبية نتيجة التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد والتكنولوجيا بحيث لا يمكن الاستجابة لها بنفس السرعة.. والصعوبات التي تضعف فاعلية العلاقة بين نظام التعليم وسوق العمل، تعتمد على نجاح الاستثمار في الموارد البشرية وعدم قصره على الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم. إن الاستثمار في تغيير نوعية الفرد يبدأ من رعاية الطفل، ويمتد إلى تحسين الخبرات التي يكتسبها من محيط الأسرة والمجتمع، والأنشطة التي يمارسها، والمعارف التي يستمدها من نظم التعليم العام والجامعي والتدريب والعمل.. إذا أخذنا في الاعتبار أن كل فرد يولد بمجموعة من الجينات الموروثة التي تحدد قدراته الفطرية، وبالتالي فإن القدرات المكتسبة هي التي يجب أن تكون محلا للعناية حيث يتوقف عليها التغيير الاجتماعي النوعي المطلوب إحداثه عن طريق الاستثمار في رأس المال البشري في مؤسسات التعليم العام والتربية، ومؤسسات التعليم العالي، بجانب البيئة الاجتماعية المؤثرة في اختيار الطالب للدراسة الجامعية واختيار التخصص الدراسي. ومن المهم أن تساعد هذه البيئة في تغيير المفاهيم التي تحبط (جهود إصلاح المهارات) مثل أن التعليم أقصر طريق إلى الوظائف الحكومية، أو أن المهم لدى أصحاب قرارات التوظيف هو الاعتبارات الشخصية وحجم الواسطة ولا شيء آخر يهم، وبصفة عامة تغيير نظرة الشبان إلى قيمة العمل ومفهوم الوظيفة ومتطلبات الترقي في العمل، وكل هذا وغيره بحاجة إلى تغيير. إلا أن هذه التغييرات مسألة ثقافية لا بد أن تتضافر جهود الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام من أجل تحقيقها. توسيع الفرص المتوافرة في سوق العمل أمام الخريجين، يتطلب تنويع تخصصاتهم العلمية وزيادة مستويات مهارتهم التي قدرتهم على التكيف مع تطورات السوق المستمرة، خاصة في المجال التكنولوجي، وتطوير البعد التطبيقي في العملية التعليمية، علاوة على المهارات الحياتية والإبداعية. ومن يدري فقد تنجح المؤسسات التربوية والتعليمية بالتضافر مع المؤسسات الثقافية والإعلامية في تطوير وإنتاج نوع من الخريجين قادر على تنويع القاعدة الاقتصادية بإنتاجية تنافسية على المستوى الدولي، والقيام بدور إيجابى في ميدان البحث العلمي الذي يسهم في مجال التقدم العالمي في الآداب والعلوم والمخترعات وإيجاد الحلول السليمة الملائمة لمتطلبات الحياة المتطورة واتجاهاتها التقنية.