اتخذت العلاقات الاميركية - السودانية منحى جديداً يهدد بفرض واشنطن عقوبات قاسية على الخرطوم في حال عدم عودة السلام سريعاً الى السودان. وجاء ذلك في قرار تبناه الكونغرس عشية استئناف مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" في كينيا غداً. وتضمن القرار الاميركي ايضاً التحقيق في جرائم حرب في السودان ومحاكمة المسؤولين عنها. وتضمن منح المعارضة السودانية 300 مليون دولار في شكل مساعدات للمناطق التي تسيطر عليها. كما نص على خفض مستوى العلاقات الديبلوماسية مع السودان، واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الخرطوم من الوصول الى عائداتها النفطية. في غضون ذلك، ذكرت صحيفة سودانية ان اريتريا تحشد قوات على حدودها مع السودان بعد اسبوع من اتهام الخرطوم قوات اريترية بمهاجمة مناطق في شرق السودان. ثار جدول في اوساط الحكومة السودانية امس في شأن السياسة الخارجية للبلاد، خصوصاً إزاء الولاياتالمتحدة بعد قرار تبناه الكونغرس الاميركي اعتبرته الخرطوم ضغطاً من اجل السلام، وطالب وزير بانتهاج "سياسة خشنة" تجاه واشنطن وانتقد مهادنتها. وكان الكونغرس الاميركي الذي اتهم الحكومة السودانية بممارسة "تطهير اتني"، تبنى مساء الجمعة، قرارا يطالب البيت الابيض بفرض عقوبات على السودان في حال عدم عودة السلام سريعاً الى هذا البلد بعد 19 عاماً من الحرب الاهلية. وطلب الكونغرس من الرئيس جورج بوشاف ب، خفض مستوى العلاقات الديبلوماسية مع السودان او حتى تعليقها، وأمر المسؤولين الاميركيين في المؤسسات المالية الدولية بمعارضة منح اي قرض او كفالة للحكومة السودانية. ودعا الكونغرس ايضاً الرئيس الاميركي الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع الخرطوم من الوصول الى عائداتها النفطية وتشجيع مجلس الامن على فرض حظر على الاسلحة ضد السودان. ويتهم البرلمانيون الاميركيون الحكومة السودانية باستخدام "عصابات النهب والاستعباد وسيلة للتسبب في نقص غذائي والقضاء في شكل منهجي على مجتمعات قبائل الدينكا والنوير والنوبة وإلغاء ثقافتهم وضرب اقتصادهم في اطار سياسة تطهير اتني على نطاق محدود". وطالبوا بفتح تحقيق في "جرائم الحرب" في السودان ومحاكمة المسؤولين عنها. واقترحوا مبادرة لعملية سلام تتولاها المجموعة الدولية لوضع حد للحرب الاهلية بين الشمال والجنوب. وينص قرار الكونغرس ايضاً على منح المعارضة السودانية مبلغ 300 مليون دولار. وناقش المجلس الاستشاري لوزارة الخارجية السودانية امس السياسة الاميركية إزاء السودان، وانتقد وزير شؤون البرلمان عبدالباسط سبدرات سياسة الوزراء "المهادنة" للولايات المتحدة. ودعا الى انتهاج "سياسة خشنة" تجاه واشنطن. لكن وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل دافع عن نهج الحوار والاتصالات. قرنق يرحب وأعلنت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي يتزعمها الدكتور جون قرنق ترحيبها بالقرار، وقال الناطق باسمها في اسمرا ياسر عرمان ل"الحياة": "إن القرار يدعم عملية السلام في السودان". وأكد أن "محاكمة بعض قيادات النظام في الخرطوم كمجرمي حرب هو مطلب قديم للتجمع الوطني الديموقراطي" المعارض. واعتبر القرار "سنداً دولياً ودفعة قوية للعملية السلمية في السودان". وعلمت "الحياة" ان قرار الكونغرس الذي يشمل أيضاً تقديم دعم إنساني للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وان مبلغ ال300 مليون دولار المقرر للمعارضة السودانية سيصرف على ثلاث دفعات مئة مليون دولار في السنة. المفاوضات غداً من جهة اخرى، يتوجه مسؤولان سودانيان اليوم الى نيروبي لتوقيع اتفاق هدنة مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" توطئة لعودة محادثات السلام بينهما التي علقتها الخرطوم اول الشهر الماضي احتجاجاً على استيلاء "الحركة" على مدينة توريت في جنوب البلاد. وفوضت الحكومة وزير الدولة للسلام ادريس محمد عبدالقادر ووكيل الخارجية مطرف صديق للتوقيع على اتفاق الهدنة غداً بعدما تلقت اخطاراً من الوسيط الكيني الجنرال لازارس سيمبويو. وسينضم الى المسؤولين بقية وفد الحكومة المفاوض الثلثاء في حال توقيع الحركة على الاتفاق بعد اعلانها انها لن توقع عليه ما لم تشمل الهدنة شرق السودان وليس الجنوب وحده. وينتظر في حال عودة الطرفين الى مائدة التفاوض معاودة المحادثات من حيث توقفت، ومناقشة قضايا شائكة تتعلق باقتسام السلطة وعائدات النفط والترتيبات الامنية والعسكرية ووقف اطلاق النار، وسيستمر النقاش في هذه القضايا اربعة اسابيع تحت رعاية "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" ايغاد ومراقبة حلفائها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وايطاليا والنروج. وكانت الجولة السابقة حسمت منح الجنوب حق تقرير المصير واجراء استفتاء بعد ست سنوات وتطبيق الشريعة في شمال البلاد والعلمانية في جنوبها. حشود في الجبهة الشرقية في موازاة ذلك، كثفت الحكومة من عملياتها في شرق البلاد لاستعادة مدينة همشكوريب وحامية رساي القريبتين من الحدود الاريترية اللتين استولت عليهما المعارضة الاسبوع الماضي. وقال حاكم ولاية كسلا الفريق آدم حامد موسى ان الجيش طوق المعارضة في مدينة همشكوريب وان استعادتها باتت مسألة وقت بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة الى المنطقة، مؤكداً ان السلطات اكملت اغلاق الحدود مع اريتريا. وذكرت صحيفة "اخبار اليوم" المؤيدة للحكومة رويترز امس انها تلقت معلومات عن حشود جديدة للقوات الاريترية في منطقة جورميكا وخور الهوارة على الحدود مع ولاية كسلا في شرق السودان وتعزيزات جديدة وصلت الى مواقع اريترية على حدودها مع السودان. وحمل وزير الخارجية السوداني بشدة على اسمرا امس، وقال ان القمة التي ستجمع الرئيس عمر البشير والرئيس اليمني علي عبدالله صالح ورئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي في صنعاء خلال الاسبوع الجاري ستناقش مسألة زعزعة اريتريا استقرار المنطقة، وتطورات الاوضاع في القرن الافريقي. وقال اسماعيل للصحافيين ان بلاده لا ترغب في اي دور اريتري للسلام في السودان وطالبها بالانسحاب من وساطة "ايغاد" والسماح للجنة تقصي حقائق من الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي بالتحقق من اتهامات الخرطوم اريتريا بالضلوع في الهجوم على مناطق على حدوده الشرقية، مشيراً الى ان حكومته تملك ادلة على تورط اسمرا من خلال صور الاقمار الاصطناعية واريتريين اسرهم الجيش يقاتلون الى جانب المعارضة السودانية وصور جوازات سفر ديبلوماسية منحتها اسمرا لقيادات المعارضة.