سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محللون يتوقعون ضغوطاً اميركية على تل ابيب غداة الانتهاء من الحرب على العراق . انتقادات شديدة لشارون من كل الاتجاهات في اسرائيل: اخفق في تقدير موقف اميركا ... والفلسطينيون انتصروا معنوياً
اتفقت وسائل الاعلام العبرية كافة على اعتبار قرار الحكومة الاسرائيلية سحب قوات جيش الاحتلال من محيط مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله استسلاماً وانبطاحاً وخنوعاً للضغوط الاميركية. وتكررت كلمة "مهانة" و"اذلال" و"نصر معنوي للفلسطينيين" في تعليقات ابرز الصحافيين الذين اجمعوا على القول ان اسرائيل اخطأت واخفقت في تقدير المصالح الاميركية وفي مقدمها حاجة الولاياتالمتحدة الى الهدوء على الجبهة الاسرائيلية الفلسطينية قبل بدء هجومها العسكري المحتمل على العراق وفي اوج مساعيها لحشد تأييد دولي له. واشار ابرز المحللين الاسرائيليين الى ان التوغل العسكري في "المقاطعة" مس بشكل خطير بالاصلاحات التي بدأت في السلطة الفلسطينية وسارت في الاتجاه الذي املته واشنطن وتل ابيب. أصر عدد من المعلقين على رؤية الضغوط الاميركية بداية تغيّر في العلاقات الوطيدة بين الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. وقال المعلقان بن كسبيت وعكيبا الدار لاذاعة الجيش ان ما يعني الرئيس الاميركي حقاً مصلحة بلاده متوقعين ضغوطاً اميركية على تل ابيب غداة الانتهاء من الانتخابات النصفية الشهر المقبل ومن الحرب على العراق. وكتب المعلق الابرز في "يديعوت احرونوت" ناحوم برنياع يتساءل ماذا كان سيحصل لو استغل الرئيس بوش تأثيره على شارون في مناسبات سابقة، مضيفاً ان العبرة مما حصل هي ان المفتاح لاي اتفاق في المستقبل في الشرق الاوسط موجود في يدي بوش وفقط في يديه "ليس حكومة اسرائيل ولا الكنيست او الاعلام الاسرائيلي انما موظفة كبيرة في البيت الابيض اسمها كوندوليزا رايس". وتابع ان شارون توقع ان يكون المشهد لدى انسحاب جيشه من رام الله مشابهاً لانسحاب الجيش من جنوبلبنان الذي انتقده شارون بحدة في مقال نشره في الصحيفة ذاتها : "توقع ذلك ومع هذا قرر تجنب صدام مع الرئيس بوش وتلقى المهانة وانبطح". وانتقد المعلق قيادة الجيش والاستخبارات بتقديرها ان الحصار على عرفات سيسرّع طرده من المنطقة. وقال ان هذا الخطأ المهني الفظ ضلل شارون ووزير دفاعه بنيامين بن اليعيزر. وقالت صحيفة "يديعوت احرونوت" في خبرها الرئيسي امس ان مستشارة الرئيس بوش لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس قالت للسفير الاسرائيلي في واشنطن داني ايلون الخميس الماضي: "انتم تزعجوننا في الموضوع العراقي" بمحاصرة مقر عرفات. واضافت انه عندما نقل السفير الاميركي في تل ابيب رسالة مماثلة الى شارون كلف هذا الاخير مدير مكتبه بالسفر الى واشنطن لمحاولة اقناع المسؤولين هناك بأهمية البقاء في "المقاطعة". وزادت الصحيفة ان مصدراً كبيراً في وزارة الخارجية قال ان "الاميركيين رفضوا ذلك جملة وتفصيلاً وقالوا: ابتعدوا من هنا ولا توجعوا رأسنا بالمطلوبين". وعندما رفع مبعوث شارون مدير مكتبه فايسغلاس تقريره الى رئيس الوزراء طلب الاخير من مبعوثه ان يبلغ الاميركيين استعداد اسرائيل "لانهاء القضية حصار "المقاطعة" في اقرب وقت ممكن وان امكن غداً صباحاً". ثم قال شارون لمقرّبين منه: "هذه المرة لا يوجد خيار، يجب علينا انهاء الحصار". وكتب المعلق السياسي في "معاريف" جيمي شاليف ان "شارون غادر تل ابيب متوجهاً الى موسكو تاركاً وراءه الفشل الذريع والاكثر دوياً منذ توليه السلطة فالعملية العقابية التي بدأت وسط عجرفة انتهت بقهقهات فلسطينية مجلجلة". ورأى الكاتب ان الخطأ الاساسي لا يكمن في التنفيذ انما في الاعتقاد الاسرائيلي بأن الولاياتالمتحدة لن تتحرك مع تحرك الدبابات والجرافات في المقاطعة واعتقد المسؤولون ان ثمة ضوءاً اخضر اميركياً لاي عمل حتى تبين لهم انهم تلقوا بطاقة صفراء تحذيرية. ويتهم الكاتب الولاياتالمتحدة بالمسؤولية عن التطورات الاخيرة على خلفية امتناعها في الاشهر الاخيرة، عن انتقاد عمليات جيش الاحتلال "حتى تلك التي تجاوزت بكل وضوح السياسة الاميركية المتبعة" ما جعل اركان الدولة العبرية يظنون ان ايديهم طليقة باستثناء المساس بعرفات. وعبر الكاتب عن خشيته من ان تفسر "جهات معادية" ما حصل في رام الله بأن يدي اسرائيل مكبلتان حالياً وان بالامكان استفزازها. وتصاعد الجدل بين المسؤولين السياسيين والعسكريين حول فشل العدوان الاخير او وقفه وتراشقوا التهم وحمّل كل طرف الآخر مسؤولية التطورات. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن قريبين من شارون اتهامه القيادة الامنية وتحديداً شعبة الاستخبارات بتقديرات خاطئة للرد الاميركي المتوقع. وتابعت ان قيادة الجيش اوصت المستوى السياسي بحصر الحرب في "الارهاب" الفلسطيني وليس في الرئيس الفلسطيني وتمكين الفلسطينيين من مواصلة "حساب النفس" متوقعين ان يقود هذا "الحساب" الى ضعضعة مكانة عرفات "الذي يحظى حالياً بدعم شعبي موقت". وكتب المعلق السياسي في الصحيفة بن كسبيت يقول ان المستويين السياسي والعسكري اخفقا في تقدير المواقف والمصالح الاميركية واستخفا بامتناع الولاياتالمتحدة عن التصويت ضد قرار مجلس الامن الدولي الداعي اسرائيل الى وقف عدوانها. وتابع ان شارون لم يفهم كما يبدو، ان صبر الولاياتالمتحدة قد عيل، مضيفاً ان الضرر الاساسي الناجم عن الازمة يكمن في كشف الخلافات مع الولاياتالمتحدة وان اي شرخ في العلاقات بين البلدين يضعف اسرائيل التي لا تجد لها حليفاً خارج الولاياتالمتحدة. وزاد ان ما حصل يؤكد ان دعم الولاياتالمتحدة لشارون مشروط بعدم التخريب على مصالحها "وفي هذا اشارة بالغة الدلالة ينبغي ان تقلق شارون خصوصاً حين يقرر بوش معالجة القضية الفلسطينية بشكل جدي". وفي مقابل هذا السيل من الانتقادات لسياسته سعى القريبون من شارون الى التسريب لوسائل الاعلام ان رئيس الحكومة يرى ان "قضية المقاطعة" منتهية وانه سيصب جل اهتماماته الآن على سائر القضايا وفي مقدمها "الملف العراقي" مستدركين ان ذلك لا يعني التراجع عن مواصلة الحرب ضد "حركة المقاومة الاسلامية" حماس. ويستمد شارون معنوياته من موقف وزرائه المؤيد لقراره الانسحاب من رام الله. وجاء لافتاً وقوف علاة اليمين الى جانبه واعلان ممثليهم في الحكومة انهم يتحملون مسؤولية القرار الخاطئ بالتوغل في مقر الرئاسة. وقال زعيم حزب المستوطنين وزير البنى التحتية ايفيي ايتام انه يتفهم الضغوط الاميركية وان من الطبيعي لدى قيام اسرائيل بالمقارنة بين مصلحتها في احاطة مقر الرئاسة بالدبابات وبين مصلحة الولاياتالمتحدة في عدم عرقلة جهودها لشن هجوم على العراق، ان تسحب الدبابات "لأن اعادتها امر يمكن القيام به في وقت لاحق". وزاد زعيم حزب الروس الوزير ناتان شارانسكي ان اسرائيل لم تدرك لدى اتخاذها قرار مهاجمة المقر، ان العد التنازلي للحرب على العراق قد بدأ فعلاً في الولاياتالمتحدة.