على رغم مرور ثلاثة أيام على إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون وقف النار من جانب واحد وقبول توصيات "لجنة ميتشل"، لم تطلق إسرائيل أي إشارة تؤكد جدية هذا الإعلان. فهي لم تتوقف عن اقتحام أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم تبد أي استعداد لاستئناف المفاوضات السياسية، ولم تشكل طاقماً لهذا الغرض يكون جاهزاً للقاء نظيره الفلسطيني أو الأميركي الذي تم تشكيله هذا الأسبوع. وتؤكد مراجعة ما كتبه أبرز المعلقين في الصحف الإسرائيلية ان شارون، بإعلانه المذكور، لم يتوجه إلى الفلسطينيين بل إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا، لاستمالتهما إلى الموقف الإسرائيلي "الذي يتجاوب مع المبادرات السلمية، فيما الطرف الفلسطيني يرفضها". وكشف ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت احرونوت"، أمس، أن شارون عقد مؤتمره الصحافي ليعلن ما أعلنه بعد تنسيق تام مع الأميركيين "من دون أن يوقف سعيه إلى الحسم العسكري"، وتقدم ليل الأحد الماضي باقتراح إلى السفير الأميركي في تل أبيب مارتن انديك يطلب من الرئيس جورج بوش توجيه نداء إلى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لوقف النار. ويضيف برنياع ان شارون عدل عن هذه الفكرة ورأى أنه من الأفضل أن تبادر إسرائيل إطلاق هذا النداء. ويوضح المعلق أن شارون لا يستسيغ أصلاً تعبير "وقف نار أحادي الجانب"، لكنه أطلقه رفعاً للعتب، و"لقناعته التامة أن ذلك لن يتحقق"، "وقد نجح في استعادة الأميركيين إلى جانبه وحشر ياسر عرفات في الزاوية". وزاد برنياع ان "قادة الجيش ووزراء شارون لا يؤمنون بأن عرفات معني بوقف النار، لذا فالمكسب الأبرز من إعلان شارون هو في تهيئة الأرضية لعمليات عسكرية أشد عنفاً، كما يمنح إسرائيل نقاطاً كثيرة، إذ ينزع الشرعية الممنوحة لعرفات، ويسبغ الشرعية على العمليات العسكرية". لكن المعلق السياسي في "هآرتس" عوزي بنزيمان لا يستعجل في اطلاق الاحكام على إعلان شارون، مشيراً، إلى أنه لم يستشر أحداً قبل إعلانه، ومن الصعب قراءة ما يدور في خلده، ويكتب: "لا أحد يعلم إذا كان إعلان شارون تكتيكياً بهدف الضغط على عرفات وحشره في الزاوية، أم أنه يقترح فعلاً رافعة لتغيير جذري في شكل إدارة المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية"، ويتساءل: "هل فكر شارون في إمكان اطلاق عملية سلمية يكون مستقبل المستوطنات في صلبها، وإذا ما فكر بذلك، هل تملك حكومته موقفاً متفقاً عليه من هذه المسألة أم أنه ادخل نفسه إلى حقل ألغام؟". ويضيف بنزيمان: "ثمة اتفاق تمت بلورته، كما يبدو، من وراء الكواليس، يقضي بسحب قوات الجيش الإسرائيلي خلال فترة التهدئة إلى مواقعه في أيلول، وببادرات حسن نية من الطرفين تشمل من الجانب الإسرائيلي فك الحصار ومن الجانب الفلسطيني وقف التحريض. ويبدو ان هناك تفاهماً على أن تدور المفاوضات السياسية في البداية حول تطبيق الاتفاقات المرحلية التي تناولها اتفاق أوسلو الانسحاب الثالث مقابل إعادة الأسلحة من الجانب الفلسطيني ثم يتم الحديث عن التسوية الدائمة".