هاتف ذكي يتوهج في الظلام    شكرًا لجمعيات حفظ النعم    خريف حائل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    نجد فهد: أول سعودية تتألق في بطولات «فيفا» العالمية    توطين قطاع الطاقة السعودي    أولويات تنموية    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    محمد البيطار.. العالم المُربي    من المقاهي إلى الأجهزة الذكية    «إسرائيل» تغتال ال«الأونروا»    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    رحلة في عقل الناخب الأميركي    لوران بلان: مباراتنا أمام الأهلي هي الأفضل ولم نخاطر ببنزيما    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المواطن شريك في صناعة التنمية    الرديء يطرد الجيد... دوماً    مرحباً ألف «بريكس»..!    وبس والله هذا اللي صار.. !    لماذا مشاركة النساء لم تجعل العالم أفضل ؟    الأعمال الإنسانية.. حوكمة وأرقام    عسكرة الدبلوماسية الإسرائيلية    عن فخ نجومية المثقف    الذكاء الاصطناعي طريقة سريعة ومضمونة لحل التحديات    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    أندية الدوري الإسباني تساعد في جمع الأموال لصالح ضحايا الفيضانات    يايسله يُفسر خسارة الأهلي أمام الإتحاد    رسالة رونالدو..    النصر يلاحق العضو «المسيء» قانونياً    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الاتحاد    وزير الإعلام يعلن إقامة ملتقى صناع التأثير «ImpaQ» ديسمبر القادم    وزير الداخلية السعودي ونظيره البحريني يقومان بزيارة تفقدية لجسر الملك فهد    «الاستثمارات العامة» وسلطة النقد في هونغ كونغ يوقعان مذكرة تفاهم استثمارية    أمانة القصيم تكثف جهودها الميدانية في إطار استعداداتها لموسم الأمطار    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    المرشدي يقوم بزيارات تفقدية لعدد من المراكز بالسليل    أمانة القصيم تنظم حملة التبرع بالدم بالتعاون مع جمعية دمي    أعمال الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين تواصل أعمالها اليوم بالرياض    الأرصاد: استمرار الحالة المطرية على مناطق المملكة    خدمات صحية وثقافية ومساعدون شخصيون للمسنين    جوّي وجوّك!    لا تكذب ولا تتجمّل!    «الاحتراق الوظيفي».. تحديات جديدة وحلول متخصصة..!    برعاية الملك.. تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه    معرض إبداع    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن قائمة أفلام الدورة الرابعة    أحمد الغامدي يشكر محمد جلال    إعلاميون يطمئنون على كلكتاوي    الإمارات تستحوذ على 17% من الاستثمارات الأجنبية بالمملكة    جددت دعمها وتضامنها مع الوكالة.. المملكة تدين بشدة حظر الكنيست الإسرائيلي لأنشطة (الأونروا)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنته القارة البعيدة ... فقصدها ليدرس الإخراج اميركا اميركا ... انشودة الشاب اللبناني سلام الزعتري قبل 11 ايلول وسجنه بعد الكارثة
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2002

} الشاب اللبناني سلام ابراهيم الزعتري 22 عاماً الذي أوقف في الولايات المتحدة الأميركية نحو 50 يوماً بعدما عثرت أجهزة الأمن في مطار مدينة بيتسبرغ ولاية بنسلفانيا على مقطع ورق كاتر في حقيبة جهاز الكومبيوتر النقال الخاص به، عاد الى بيروت، بعدما برأته المحكمة في اميركا.
الزعتري زار مكاتب "الحياة" في بيروت وروى رحلته الى الولايات المتحدة، وتفاصيل يومياته فيها دراسةً وسجنًا.
لم يتوقع سلام ابرهيم الزعتري ان يكون المكان الذي يقرأ فيه القرآن للمرة الأولى في حياته، سجناً أميركياً، ولم يكن يخطر في باله يوماً ان الولايات المتحدة التي تأثر بها وزج نفسه في مجتمعها، منغمساً في تفاصيل حياة الشباب الأميركي بكل ما يعنيه ذلك من تحرر من موروث اجتماعي كسبه في مدينة صيدا، ان تحاسبه على لبنانيته ودينه.
فالزعتري الذي غادر الى الولايات المتحدة قبل نحو ثلاثة أعوام ليدرس الاخراج، لم يكن ذهابه اليها طلباً للعلم وحده، انما كان افتتاناً بالمجتمع الأميركي من خلال الصورة التي رسختها في ذهنه الأفلام، خصوصاً انه انجذب منذ صغره الى الأفلام والاخراج. وكان أخرج أول فيلم وثائقي وهو في الثالثة عشرة، انتقاماً من مجتمعه، سماه "الوجه الآخر" وعرضه في المدرسة. وهو أظهر الوجه الآخر لساكني مدينة صيدا، وبخاصة المجتمع الفقير الذي يقطن معظم أفراده في زواريب صيدا القديمة وأزقتها، في حين ان مجتمع الموسرين، وهو ابن هذا المجتمع، يميل ابناؤه الى المظاهر والتفاخر بها.
ضاق به مجتمع صيدا، الذي يقسمه سلام الى نوعين: الأول مسلم والآخر لبناني. اما هو فاختار نموذجه المجتمع الأميركي. ترك الدراسة في صيدا قاصداً نماذج بعيدة للمجتمع الأميركي في بيروت. راح يتعلم الديكور بعدما مانع الأب دراسته الاخراج. لكن اصراره، دفع به الى تقديم طلبات الى جامعات أميركية في غفلة من الأهل، لدراسة الاخراج في حين كان يشغل نفسه في قراءة كتب عن السينما والأفلام وكل ما له علاقة بهما. وافق معظم الجامعات الأميركية التي تقدم اليها، خلال عامي دراسته في بيروت، لكن الأسرع بينها كان "معهد بيتسبرغ للفنون".
أصر سلام على ألا يكلف والده تكاليف دراسته في الولايات المتحدة. لكن عدم توافر كفيل له في اميركا، حدا به الى العودة الى والده، كاشفاً له الأمر. وافق الأب على التكفل بالمصاريف، وغادر الشاب الى حيث "الحلم".
لم يكن سلام متديناً، بل كان مؤمناً بالله فطرة، وخائفاً مما سمعه من عذاب، في الطفولة، وما كاد يتحرر حتى ابتعد عن ممارسة الدين وانغمس في حب الموسيقى والأفلام والرسم والفنون على انواعها.
جاء سفره الى اميركا وانتسابه الى المعهد لدراسة الأخراج، ذروة أحلامه. لم يشعر بغربة حين وطأ الأرض الأميركية، اذ راوده شعور منذ اللحظة الأولى بأنه في بلد عرفه من قبل ما ولد لديه ارتياحاً وأسهم في ذلك اجادته الأنكليزية.
في المعهد اقترب أكثر من الأميركيين، وبدأ يستشف من خلال عشرتهم نظرتهم الى اللبناني على انه "ارهابي"، وهذه النظرة متأتية من الحرب اللبنانية، والحرب اللبنانية - الاسرائىلية.
راح يعرف عن نفسه أنه فرنسي حين كان يريد اغواء فتاة اميركية، متسلحاً بقدرته على التحدث في الفرنسية، على رغم انبعاث همّ جديد في داخله هو تغيير تلك الصورة.
أما في ما يعني الدراسة، فشعر من خلال الفصل الأول انه لا يستفيد من الدراسة كثيراً خصوصاً ان قراءاته في هذا المجال، وفرت له مخزوناً أكبر مما يعطى في أول فصل. وهذا ما حدا به بعدما انهى فصله، الى ترك المعهد، وغادر الى ولاية كليفلند واقام عند قريب له شهراً ونصف الشهر. لم يضيع تلك الفترة سدى، بل اشترى كتباً عن السينما واستأجر عشرات الأفلام التي لم يشاهدها من قبل. وراح يمضي نهاره في مشاهدة نحو سبعة أفلام ويسجل ملاحظاته علىها بحسب ما تعلم من جديد في المعهد. بعدما انجز دراستها قرر العودة الى بيتسبرغ، فتسجل في جامعة "بيتسبرغ للاخراج". لم تمنحه الجامعة سمة دخول لأنها لا تمنح الطلاب الأجانب سمات. ولأن سمة دخوله الى الولايات المتحدة لا تنتهي قبل العام 2002 وكان مضى على وجوده هناك نحو ستة أشهر، ولما كان العيش في اميركا سهلاً، لم يبالِ بهذه المسألة، - وهذا ما استخدم ضده لاحقاً - بل تسجل في الجامعة وتابع دراسته.
في تلك الجامعة زج نفسه باترابه الأميركيين في شكل لم يعد معه ممكناً تفريقه عنهم. أطلق شعره ووضع أقراطاً في اذنيه، وخواتم في اصابعه، وجعل أزياءه كأزيائهم، أي ازياء غريبة لا مراعاة فيها لأصول القيافة واتجاهاتها. "هناك يمكن المرأ ان يفعل ما يشاء بعيداً من الضغوط الاجتماعية والدينية، ولا أحد يسائل أحداً، كنت اميركياً اميركياً".
غدت حياته أفضل، لم يبال الا بأمرين: دراسته في الجامعة الجديدة اذ اعتراه سرور بما يتعلم من شؤون الاخراج والأفلام وحصوله على كل ما يريده من المعدات، وأصحابه الذين تكاثروا. وكانوا اميركيين جميعاً الا واحداً كان لبنانياً.
سعى سلام بعدما زال همه الأول بأن يكون اميركياً، الى الهم الآخر الذي استجد وهو تغيير نظرة الأميركيين الى اللبنانيين، مستفيداً من أمرين: علاقته الجيدة بعشرات الاصدقاء، وسلطة المخرج على فريق العمل المؤلف من مختصين في ميادين عدة في صناعة الأفلام. لم يشعران هناك فصاماً بين الشخصيتين والمجتمعين. ويقول: "لا ينسى المرأ تربيته ومجتمعه الأول". لاحظ سلام اهمية الاعلام وتأثيره في المجتمع الأميركي. اراد ان يعد مشروعه في هذا الاطار وتوظيفه علمه "الأميركي" في توضيح رؤية الأميركيين الخاطئة الى القضية اللبنانية. و"لأنني أصبحت واحداً منهم الأميركيين وأنا المخرج الذي يسير الأمور كيفما شاء، كنت اتحدث وكانوا يصغون".
أعد مع صديقين له أميركي وآخر لبناني اسمه كريم نجيم، فيلماً عن هذه القضية سماه "دموع عند الأفق". اراد من خلاله ان يظهر دورالاعلام وتأثيره، في الرأي العام. جعل قصة فيلمه الحرب الاسرائىلية على لبنان، ولم يخشَ استاذه اليهودي الذي كان يشرف على عمله ويعلمه، متسلحاً بما يتعلمه عن حرية الرأي. أظهر الاعتداءات الاسرائىلية على لبنان، مغيباً الحرب اللبنانية، وموضحاً ان اللبنانيين "كانوا ضحايا ولم يمارسوا الارهاب الا على انفسهم". وكذلك أظهر مجزرة قانا، مترافقة مع أغنية يهودية من العصر الروماني.
ويقول: "لم أكن أكذب بل وظفت الحقائق التاريخية حيث أريد كما يفعلون تماماً، أردت ازعاجهم بالصورة وتغيير نظرتهم الينا، حتى خرج الذي شاهدوا العرض الأول دامعين".
بقي سلام على هذه الحال طول فترة الدراسة الى ان عاد الى لبنان، في آذار مارس الماضي.
لم يقم هنا طويلاً، اذ ظلت اميركا تناديه. قرر العودة بعدما أرجأ الخدمة العسكرية، وسافر نهاية آب أغسطس الماضي الى اميركا، على أمل ان يبحث هناك عن جامعة يدرس فيها، خصوصاً ان سمة دخوله التي حصل عليها من المعهد الأول لا تزال سارية. وما كاد يحط به الرحال في بيتسبرغ في منزل واحد مع 7 رفاق أميركيين، حتى وقعت الاعتداءات على برجي التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن، في 11 أيلول سبتمبر الماضي.
أصابه ذهول مما يحدث وخوف شديد، خصوصاً ان أصابع الاتهام بدأت توجه الى عرب بعد دقائق من حصول الاعتداء. مكث في المنزل 15 يوماً لم يطأ فيها عتبته. كان أصحابه الأميركيون يؤمنون له طعاماً، ويمازحونه مطلقين عليه اسماً جديداً هو "سلام بن لادن". في تلك الفترة جاءه أكثر من اتصال، واحد من صديق، في ال"مارينز" البحرية الأميركية قال له بعدما غيّر لهجته "انك ارهابي". واتصل به أهله أيضاً قائلين له "لا تخف وغداً تتحسن الأمور". كان الخوف يعتريه، فقرر العودة الى لبنان. لم يجد طائرة تقله الا بعد شهرين. راح يخرج مع أصحابه خلال الانتظار في حذر شديد، وطلب منهم ألا ينادوه باسمه أبداً، بل طلب منهم ان يطلقوا عليه اسم "زوس" نيك نايم، تحسباً من أن يهاجمه شخص حاقد.
أراد ان يستفيد من الوقت، بالاعداد لفيلم وثائقي عما أصاب أميركا. اتصل بجامعته طالباً معدات فلم يلبَ طلبه. واتصل به صديق قائلاً له "لا تحضر الى الجامعة، ولا تتحدث الى أحد وخصوصاً استاذك اليهودي لأنه تنكر لك وكان يشتم العرب".
ازداد خوف سلام ورضوخه، "لأنني شعرت ان العنصرية عادت الى اميركا". لكن مكوثه في المنزل وقلة خروجه، جعلاه مصمماً أكثر على اعداد مادة الوثائقي "لأظهر للعالم مدى الارهاب الذي تعرضت له أميركا". أجرى ثلاثة أبحاث على ال"انترنت" وجمّع أعداد صحف تركزت على الاحداث - وهذه أيضاً حقق معه في شأنها - واستخدم كاميرته مسجلاً أحاديث لأصحابه وآراءهم في ما حصل.
حان وقت العودة الى لبنان، في رحلة تنطلق من مطار بيتسبرغ الى ديترويت، ومنها الى امستردام فبيروت. وضّب حقائبه وذهب الى المطار. أول ما فعله هناك اتصل بذويه وقال لهم: اني خائف. كان هاجس توقيفه يراوده كل تلك الفترة "لأنني عربي ولبناني ومسلم".
مرّ مع حقائبه على أجهزة الأمن والأشعة في سلام. وبلغ آخر قاعة، وجلس دقائق منتظراً، ركوب الطائرة. واذ بموظفة أمن تأتي بلائحة فيها نحو ثمانية أسماء غير أميركيين بينهم اسمه. نادتهم وأبلغتهم انها ستفتش حقائبهم، قبل ان يدخلوا الى الطائرة. حقيبة سلام هي حقيبة جهاز كومبيوتر نقال. فتشت الموظفة الحقيبة وعثرت فيها مقلمة فيها أقلامه ومقطع ورق صغير يستخدمه في المونتاج. نظرت اليه مستهجنة، وقالت: سأصادره. قال: لا بأس. لكنها بعدما انجزت التفتيش ولم تعثر على شيء آخر، طلبت منه ان يتنحى جانباً بعدما أخذت جواز سفره وتذكرة السفر. اجرت اتصالاً وبعد دقائق جاء عناصر كثر من كل أجهزة الأمن الأميركية. وقف عناصر مستنفرين وأيديهم على مقابض مسدساتهم، وتقدمت منه واحدة من ال"أف بي آي" جهاز المخابرات الأميركية وسألته أسئلة عدة، بينها اسئلة عن المقطع. قال لها "نسيته في مقلمتي وانا استخدمه في مجال دراستي". قالت "لا بد انك مجنون كبير. ألم تعرف ان الخاطفين الذين خطفوا الطائرات التي صدمت البرجين والبنتاغون استخدموا سكاكين مثلها؟". قال: ظننت انهم استخدموا سكاكين فعلية وخناجر لا مقاطع ورق، خصوصاً أن الصحف قالت ذلك". أبلغته انها ستفتش حقائبه الأخرى في حضوره من دون ان تفصح له ان القانون يمنحه حق رفض هذا الطلب. احضروها من الطائرة، وانزلوه الى قاعة. فتشت الحقائب فوجدت الوثائق، ووجدت نسخة من القرآن الكريم، فرفعته سائلة: ما هذا؟ أجاب "مصحف". قالت "ألم تقل لي انك لست مؤمناً، لماذا تضعه في حقيبتك اذاً؟". قال لها "قلت لك لا أصلي، وهذا المصحف وضعته أمي في الحقيبة حين جئت الى اميركا". ازدرت من الاجابة، وتابعت التحقيق معه، وسألته أسئلة كثيرة جداً منها: هل تتبع منظمات ارهابية؟ وماذا تعرف عن بن لادن؟ هل تتبعه او تتبع سياسته؟ ما رأيك بالحادث، وما شعرت حينها؟ ألم تفرح؟ ماذا تعرف عن "حزب الله". أليست لك علاقات به؟ وعن المدرسة والاصحاب واماكن سكنه وعن اسباب سفره داخل الولايات المتحدة؟ وقال "كلما سئلت سؤالاً أشعر انه اهانة لي". وسألته عن عدم انتسابه الى الجامعة منذ شهرين، وكيف أمضى تلك الفترة؟
وفي تلك الظروف المخيفة تقدم منه عنصر من جهاز الهجرة، بعدما أسهم في التفتيش وشاهد صوره مع أصدقائه وقرأ ما دونوا له عليها، بلطف، وسايره وهدأه "اذ عرف ان لا دخل لي اطلاقاً بالارهاب". وراح يسأله عن مكان اقامته، وقال له ان صديقاً له يعيش هناك، وسأله عن أصحابه. اطمأن قليلاً وطلب منه ان يحضر له شيئاً يشربه، فاحضر له ماء.
بعد ذلك، أخذوه ليلاً الى القاضي فوضع مئة ألف دولار قيمة الكفالة، من دون ان يسمح له بالكلام، ثم نقلوه الى السجن.
منتصف الليل، ادخل الى الزنزانة. كان الخبر ورد الى المساجين قبل وصوله. كانوا جميعاً مستيقظين، وما كاد يصل حتى راحوا يطرقون على الأبواب قائلين: "اخرج ايها الارهابي لنقتلك"، و"عليك ان تشكر الحكومة لأنها وضعتك في الافرادي لأننا كنا نريد قتلك".
ازداد خوفاً على خوف، وراح قلبه يطرق في سرعة. لم يعرف ما يفعل في تلك اللحظات. لم يجبهم بل دخل زنزاته وخلد الى النوم وقال: "غداً يفرجها الله".
حين استيقظ لم تتغير الحال كثيراً. ظل المساجين المتهمون بجرائم مختلفة، يرددون تهديداتهم، حتى مرّ اسبوع. وكان اذا أراد دخول الحمام ادخل المساجين الى زنازينهم واخرج وحيداً، او مع شابين عربيين، واحد مصري يحمل الجنسية الأميركية منذ ولادته، ومغربي يحمل الجنسية الألمانية منذ أكثر من 20 عاماً، متهمين في قضايا مشابهة، ويراقبونهم.
ظل خلال الأسبوع الأول يسمع هتاف المساجين ضدّه، وصام عن الطعام تحسباً من ان يكون أحدهم سممه، ولم يكن يأكل مما يحضر له سوى الفاكهة والماء.
لون جدارن الزنزانة ازرق فاتح، والضوء ايضاً ازرق يبهر الابصار، وحين يطفئ الضوء لف الغرفة ظلام دامس. لم يكن ينام أكثر من 8 ساعات. ويمضي الساعات التالية في انتظار طويل ومضن، من أجل اللاشيء. خوف كبير من المصير، وعلى الوالدين من أن يصاب أحدهما بمرض حين يصل خبر توقيفه.
لم يجد سلام في تلك الفترة، كما يقول، "الا الله ملجأً، اعتقدت انني ارتكبت ذنباً ما في حياتي جعلني انسى المقطع في الحقيبة"، اذ قطعوا أي صلة له بالعالم الخارجي.
في الأيام الأولى لم يجد ما يمضي به وقته سوى قراءة ماركة الغطاء الذي اعطوه اياه، ثم بعدما وضحت قضيته اعلامياً، ووجد مع سجين نسخة من الانجيل، استعارها وقرأها. وقال "قلت في نفسي لا بد ان أجد من كلام الله فيه شيئاً يرحيني". ، ثم أعاره آخر نسخة من القرآن الكريم، ادخلت تهريباً.
تناقلت وسائل الاعلام خبر توقيف الزعتري، فوصل الى والديه اللذين كانا متماسكين في تلك الفترة حين زارتهما "الحياة" في منزلهما في صيدا، وكذلك بلغت القضية أرفع المستويات السياسية في لبنان وممثليه في أميركا، اضافة الى تكليف الأهل محامياً هناك بلغت مصاريفه أكثر من 25 ألف دولار.
سمع رئيس المجلس اللبناني - الأميركي في بيتسبرغ مالك فرنسيس بأن شاباً من آل الزعتري أوقف في المطار، فذهب الى السجن والتقى سلام وتعرف اليه وسأله عن عائلته. وأبلغه فرنسيس ان عمه مصطفى الزعتري رئىس مؤسسة الحريري التعليمية كان استاذه حين كان في لبنان.
وقف الى جانبه وراح يزوره يومياً في السجن ويبلغه بالمستجدات، وقدم منزله وأملاكه كفالة ليخرج سلام من السجن لكن طلبه رفض، على رغم انه رجل معروف ومنحته هيلاري كلينتون وساماً تقديراً لجهوده من أجل السلام.
بعد ذلك قام بحملة اعلامية شرح فيها ملابسات توقيفه. كان للحملة تأثيرها في الرأي العام، بدءاً من جيران سلام في السجن، مروراً بكثر من أصحابه، وبينهم واحدة قتل خالها في حادث البرجين، الذين طالبوا بتخليته، مؤكدين ان سلام ليس ارهابياً بحسب صحف محلية تابعتها "الحياة" عبر الانترنت، لكن القاضي رفض الطلب مجدداً. وقال فرنسيس في اتصال مع "الحياة" ان "سلام كان ضحية المدعي العام الأميركي. وان كثراً تضبط معهم يومياً في المطارات ادوات كالتي ضبطت معه لكنها تصادر ويتابع أصحابها سفرهم".
أما والداه في لبنان، فسعيا الى تظهير صورة ابنهما على انه فنان وبعيد من السياسة، حرصاً على ألا تقترن في اذهان الناس بصورة اللبناني زياد الجراح الذي اتهم بالمشاركة في الاعتداءات، اذ كان في الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا. وأول ما بادرا به "الحياة"، هو تأكيدهم الميل الفني لدى ابنهما. والدليل الحسي الذي عرضاه، حاجاته التي زين بها غرفته. صور مختلفة علقت على الجدران. عشرات الكاميرات الفوتوغرافية معروضه في الخزانة. مسجلتان كبيرتان وعشرات الشرائط والاسطوانات. كرسي مخرج وكلاكيت دون عليها اسمه. ومئات الكتب رصت في مكتبة، تقف الوالدة في محاذاتها قائلة: "كل هذه الأشياء أحضرها معه من اميركا". وتهم مع والده باخراج رسومات له.
في ظل هذه الأجواء كانت لسلام في السجن، آراء في ما يحصل معه، فهو اعتقد جازماً ان عناصر أجهزة الأمن المختلفة ادركوا بعد التحقيق معه في المطار، ان لا علاقة له بالارهاب، و"لم تكن هناك تهمة معينة يوجهونها لي، بل قالوا انني احمل اسلحة مقطع الورق ممنوعة". والقاضي ايضاً كان يعرف ذلك، لكنهم جميعاً لم يكن في استطاعتهم "تركي لأنني عربي ولبناني ومسلم، تحسباً من ان يكون لي اي انتماءات مشبوهة"، كما قال. عرف ان الأمر ليس في يدهم. وقال "هذه أوامر وزير العدل الأميركي جون اشكروفت، واصبح الأمر سياسياً وفي يندرج في اطار الضغوط الأميركية عي لبنان".
بعد مضي 47 يوماً في السجن، عقدت المحكمة جلسة بعدما أرجأت محاكمته من قبل، وقال سلام فيها: "اعتذر عن كل ما فعلت وعن المشكلات التي سببتها". قرر القاضي تخليته على ان يغادر الولايات المتحدة ويرافقه عنصران من دائرة الهجرة من السجن الى الطائرة، على ان يسمح له بالعودة لاحقاً.
وكان لسلام مفاجأة في المحكمة، تمثلت بحضور عنصر دائرة الهجرة اياه مرتدياً بزته الرسمية تضامناً معه، وكذلك اصحابه مرتدين كنزات عليها صورته. أما في السجن، فلم يكن من المساجين الا ان تأهبوا جميعاً، كما حين دخل، لوداعه قائلين: "سررنا بالتعرف اليك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.