تتجلى تنمية المجتمعات بارتفاع جودة حياتها وذلك يعتمد على مستوى معرفتها وثقافتها، كما تشكل تنمية الإنسان المؤثر في الثقافة وصناعتها الحجر الأساس في معادلة استثمار وصناعة الثقافة، فالاستثمار في الإنسان المثقف، والكاتب، والمبدع، والمبتكر، والإعلامي المميز، جزء من الاستراتيجية الوطنية للمملكة لتحقيق أهداف رؤيتها 2030. ويعتبر الاستثمار في صناعة الثقافة ليس استثماراً في الأثر الناجم عنها، لكنه استثمار في المؤثر الذي أنتجه، عبر إقامة مشاريع وبرامج لتحفيز الإبداع، ورعاية الموهوبين، وتسهيل فرص النجاح لهم، وتنمية وعي المجتمع بقيمة الثقافة وضرورة التعاطي معها، لتمكين المجتمع من تحقيق نقلته الكبرى، إلى نهضة إبداعية دائمة. وجاء إنشاء صندوق التنمية الثقافي عام 2021 كأول برامج الصندوق الثقافي بالشراكة وبتمويل من برنامج «جودة الحياة»، بهدف تقديم الدعم والحوافز المالية اللازمة لمشاريع القطاع الثقافي المؤهلة. كما يهدف إلى تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة من خلال دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، ولتسهيل الاستثمار في الأنشطة الثقافية وتعزيز ربحية القطاع، وتمكين المهتمين بالانخراط في الأعمال الثقافية، وليكون للصندوق دوره الفاعل في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، وأهداف رؤية المملكة 2030. كما وتعتبر خطوة التمويل الثقافي الأولى من نوعها في المملكة، لدعم المنشآت الثقافية، وتنميتها واستدامة نموّها، من خلال حلول تمويلية مرنة منخفضة التكلفة، ومرنة المدد، وبنسبة فوائد تنافسية. تمكِّنها من بدء أعمالها وتوسيع نموّها، باستدامةٍ وربحيةٍ وأمان. وسلط تقرير حديث صادر عن صندوق التنمية الوطني، الضوء على جهود «الصندوق الثقافي» التابع له، في تقديم الحلول المالية لتلك المشروعات، التي شملت كل القطاعات الثقافية ال16، وموزعة بين 7 مناطق سعودية، حيث موّل الصندوق الثقافي نحو 120 مشروعاً سعودياً، وفتح آفاقاً استثمارية للمبدعين والمشاريع الثقافية الواعدة، وذلك من خلال تقديم الدعم والتمويل الذي وصل إلى 377 مليون ريال منذ إطلاق الصندوق عام 2021. وصمم الصندوق الثقافي حزمة حلول مالية تستهدف 16 قطاعاً ثقافياً، وتركز على دعم كامل أنشطة سلسلة القيمة فيها. وتنوّعت هذه الحلول بين (الحوافز) التي أطلقها الصندوق عام 2021 بالشراكة مع برنامج جودة الحياة كأول برامجه، وبلغت مخصصات البرنامج 181 مليون ريال. بالإضافة إلى «الاستثمار» الذي يُتيحه الصندوق دعماً لاستدامة القطاع الثقافي، إما عن طريق الاستثمار المباشر، وإما بالشراكة مع القطاع المالي، وجاء «الصندوق السعودي للأفلام» أول صندوق استثماري في هذا الصدد برأس مال بلغ 375 مليون ريال، ويديره القطاع الخاص، ويستثمر فيه الصندوق بوصفه مستثمراً رئيسياً بنسبة 40 في المائة، وقد أكمل الصندوق الثقافي جمع الاستثمار المستهدف عبر 10 مستثمرين محليين ودوليين. ونجحت جهود تحفيز وتمويل المشاريع الثقافية السعودية التي أطلقها «الصندوق الثقافي» بمشاريع سعودية ناشئة، ويمثل «بيت السينما» واحدة من قصص النجاح التي احتضنها الصندوق، بفكرته التي تجاوزت مفهوم العمل السينمائي من مجرد صالة عرض، إلى مساحة لتعزيز الابتكار في تجربة العرض السينمائي، وكذلك مشروع «معمل الصنّاع» الذي يوفر مساحة حاضنة للمبدعين في القطاع الثقافي داخل بيئة تحفزهم على الابتكار في مجالات مختلفة من التصميم والإنتاج. كما أضافت «مبادرة مائة كتاب»، إلى المكتبة العربية عناوين جديدة وجديرة بالقراءة والانتشار، و"منصة أسس"، التي تدمج بين قوة الذكاء الاصطناعي ودقة اللغة العربية، وبمنتجاتها المتطورة، في معالجة البيانات العربية لخدمة الأغراض المختلفة، إلى جانب مشروع «مركز سرد الثقافي» الذي يحتفي بكل الفنون والفنانين، ويفتح لهم أبواب الظهور والحضور أمام جمهور يتطلع للاستمتاع بإنتاجاتهم المختلفة. لم تنته مسيرة دعم الثقافة بمختلف مجالاتها عند هذا الحد، فمشاريع العمل متواصلة وسط ظروف بيئية محفزة على تحويل هذا القطاع إلى استثمار مميز يحقق نهضة حضارية ووطنية مرموقة.