الى وقت قريب لم تنجُ المعاهد الفرنسية سواء في دول المغرب العربي أو في الدول الشرقية من انتقادات بل من تحاملات عنيفة أطلقها بعض المثقفين العرب وخصوصاً الماركسيين منهم أولئك الذين كانوا ينظرون إليه امتداداً للاستعمار الفرنسي، بحكم ترويجها اللغة والثقافة الفرنسيتين. ويسري هذا الحكم على بقية المعاهدة والأندية الثقافية الغربية. في المغرب قدّمت ابحاث وأطروحات جامعية في هذا الاتجاه. أما اليوم فأسقطت "التهمة" عن المراكز الثقافية الفرنسية وأضحت امكنة سجال أو حوار لا يتردد المثقفون في ارتيادها. تخلصت السياسة الثقافية لهذه المراكز من تمركزها الذاتي فيما انفتحت اسئلة المثقفين على الآخر في ما يشبه الحوار وبما هو ذات يجب التعرف عليها قبلاً. والبرمجة تخلصت من الثقافة الفرنسية الكلاسيكية لتنفتح على الثقافة النقدية في منحاها السينمائي، الأدبي، الفكري، الفني... وقد حضر جان جينيه، لوي فيردينان سيلين عبر أدبهما، ودعي أدونيس والفرق الموسيقية المغربية والشعراء والمسرحيون والنقاد المغاربة للحوار مع امثالهم من الفرنسيين. ويعتبر المركز الثقافي الفرنسي في مدينة طنجة احد مراكز الريادة في هذا المجال. وهو، بفضل برمجته المحكمة واللافتة استطاع ان يجلب لا المغاربة والفرنسيين فحسب بل المبدعين والمثقفين المشارقة، والأوروبيين والأميركيين ايضاً. ويعتبر معرض الكتاب السنوي موعداً مهماً في حياة المدينة التي ما ان تتخلص من حمّى عودة المهاجرين من طريق البحر الى ديار عملهم حتى تستسلم الى إيقاع المعرض بندواته وعروضه الثقافية. وفي تقديمه معرض هذه السنة يشير جان ليك لارغييه مدير المركز الى أنه "اليوم اكثر من اي وقت مضى اصبح من اللازم وخصوصاً في طنجة، المدينة التي اختارها الكثر من كتّاب العالم، تبيان ان الكتاب يجب ان يحافظ على موقعه المميز في نمو مجتمعاتنا. وعلى مدار السنة يشرف المعهد الفرنسي في مدينتي طنجة وتطوان على تنشيط محترفات تربوية تسير فيها اللغة الفرنسية في موازاة اللغة العربية...". فاعليات هذه السنة من 23 الى 28 كانون الثاني/ يناير ضمن المعرض السادس، تشمل ندوات وقراءات شعرية، وحفلات موسيقية وعروضاً فنية، علاوة على مساهمة الناشرين. ويشمل المعرض محترفات للترجمة يشارك فيها مترجمون فرنسيون وعرب مثل كاترين شاريوه، محمد العمراوي، مصطفى النيسابوري، محمد بنيس، وفاء العمراني، اندريه فيلتير، سافو، ألين شولمان مترجمة بورخيس الى الفرنسية، ابراهيم الخطيب، محمد برادة... في الأمسيات الشعرية يشارك صلاح ستيتية، علال الحجام، محمد باشكار، ايمانويل هوكار، جيمس ساكري، زهرة المنصوري. وفي الندوات يحيي كاتب هذه السطور ندوتين: الأولى مع الباحث والمفكر عبدالله الحمودي مؤلف كتاب الشيخ والمريد، والثانية في موضوع "الكتابة والتصدي" بمشاركة مجموعة من الكتّاب تفاوتت مدة اعتقالهم بسبب افكارهم السياسية بين عشر سنوات وعشرين سنة مثل جواد مديديش، عبدالعزيز مريد، صلاح الوديع، ادريس بويسيف الركاب. وتخصص احدى الفاعليات للتعريف بمجلات ثقافية وفكرية مثل "قافلة" التي يترأس تحريرها اندريه فيلتير، "قنطرة"، مجلة معهد العالم العربي التي ترأس تحريرها فرانسوا زبال، "رذاذ المداد" المجلة التي تشرف عليها بهجة ترافيرزاك، و"البيت"، مجلة بيت الشعر بالمغرب والتي يقدمها عبد طنكول. أسبوع من المداخلات والنقاش لبناء أو ترسيخ الجسور بين الثقافة العربية والفرنسية في مختلف مظاهر التقائهما وصعوبات الحوار بينهما.