هل المرحلة المقبلة في حرب اميركا على الإرهاب ستطاول العراق؟ تشير الى ذلك كل التوقعات وكذلك مجرى الأحداث، إذ اعتبرت واشنطن ان بقاء نظام صدام حسين يشكل خطراً دائماً على امنها القومي. ومن اجل الإحاطة بتفاصيل السيناريوات الأميركية المطروحة لتغيير النظام، واحتمال الضربة المقبلة، وموقف المعارضة العراقية منها، طرحت "الحياة" سؤالاً على بعض الشخصيات العراقية المعارضة. كيف تنظرون الى توجيه ضربة عسكرية الى العراق وما هو رأيكم بالقضية ومستقبل العراق السياسي؟ يشير السيد محمد بحر العلوم شخصية اسلامية مستقلة الى "أن ما يثار حالياً حول ضرب العراق، انما يكمن في ان المشكلة متفجرة بين النظام والولاياتالمتحدة، ولا دخل للمعارضة العراقية في خلقها، فصدام هو الذي جر الولاياتالمتحدة لتكون طرفاً اساساً ضد مغامراته، وأن التغيير السياسي في العراق يبقى مهمة عراقية قبل كل شيء. ان العراق سيكون لا محالة ضمن دائرة الدول المستهدفة اميركياً، بينما نجد ان النظام يقابل هذا الموقف المتوتر بعدم الاهتمام بحياة الشعب العراقي والوطن، بل وكما في السابق سوف يقدم المزيد من الذرائع للطرف الأميركي، لكي يوجه ضرباته العسكرية. وفعلاً، فقد بدأ يصرح منذ الآن عدم موافقته على عودة المفتشين الدوليين مرة اخرى الى العراق، ولكنه ومن اجل تثبيت اقدامه لمواصلة ارهابه قد يضطر في اللحظات الأخيرة للقبول بهذا الأمر. ان مستقبل العراق مظلم في حال بقاء صدام، أو في حال حدوث التغيير على الطريقة الأفغانية، لذلك فإن تجنب مثل هذا المصير يتطلب من قوى المعارضة العراقية ان تعزز لحمتها وتوحد صفوفها، وكذلك خطابها السياسي لمواجهة الظروف المقبلة وبالشكل الذي يتناغم فيه هذا الخطاب مع المتطلبات المستجدة في الساحة العالمية". وحدد الدكتور حامد البياتي ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق اتجاهات الضربة الأميركية المقبلة، وقال: "نحن نعتقد ان نظام صدام حسين مشمول بالحرب الأميركية على الإرهاب عاجلاً ام آجلاً. وهناك اتجاهان في السياسة الأميركية: الأول يقضي بالاستمرار في سياسة الاحتواء مع توجيه ضغوط جديدة على العراق، لعودة المفتشين الدوليين من اجل تدمير اسلحة الدمار الشامل وتطبيق العقوبات الذكية التي تحرم صدام من الأموال لشراء قطع الغيار وتطوير اسلحته، وهذا الاتجاه تؤيده الدول الأوروبية وروسيا والصين والكثير من دول العالم ومنها الدول العربية، أما الاتجاه الثاني فيبدو على الشكل الآتي: ان ابقاء صدام في الحكم يعني الإبقاء على اسلحة الدمار الشامل وتطويرها، ويعني ايضاً دعم الإرهاب الدولي، وبالتالي فلا بد من القضاء عليه من خلال احد السيناريوهات الآتية: 1- انقلاب عسكري عبر الاتصالات بأفراد في العائلة وضباط في الجيش العراقي، 2- ضربة عسكرية مشابهة لسيناريو افغانستان، 3- دعم قوى المعارضة للقيام بتغيير في داخل العراق. وهنا لا بد من التأكيد اننا في المعارضة العراقية ضد الضربة العسكرية التي تستهدف الشعب العراقي او البنية التحتية للعراق، وأرى أن المجتمع الدولي وضمنه الولاياتالمتحدة مسؤول عن حماية الشعب العراقي من القمع اليومي اللامحدود بناء على قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بالأممالمتحدة ومجلس الأمن". وأشار عبدالرزاق فيلي عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الى "أن مستقبل العراق السياسي لا بد ان يتحدد من خلال ما تفرضه الظروف الجديدة في السياسة الدولية، ولعل الولاياتالمتحدة تبحث حالياً عن وسائل إقناع حلفائها للتعامل مع الحال العراقية، حيث تتكرر تصريحات المسؤولين الأميركيين حول خطر هذا النظام على المنطقة والعالم. ولذلك فإن عملية التغيير اصبحت امراً واقعاً في اجندة واشنطن، فذريعة امتناع العراق عن تنفيذ القرارات الدولية ومن ضمنها السماح للمفتشين الدوليين بالعودة الى العراق ستكون المبرر الأساس لتوجيه هذه الضربة. ولا أرى أن النظام يعمل جدياً على تجنب هذه الضربة التي من شأنها إلحاق الدمار الشامل بالعراق. ان على قوى المعارضة في الداخل والخارج ان تشحذ هممها، وأن تنبذ خلافاتها وتعمل على تجميع صفوفها وصوغ خطاب سياسي موحد يمثل مصالح العراق ومستقبله، اما اذا لم يتم ذلك فإن الكارثة ستحل بالعراق لا محالة، فليس من الحكمة ان يضرب العراق والمعارضة غير مجتمعة او مهيئة للقيام بواجبها في تغيير السلطة، فالدمار لا يؤثر على النظام طالما بقي قائماً، فإذا خرج هذا النظام من الضربة الأميركية سالماً فسيكون انتصاراً كبيراً له". وشكك الدكتور ابو احمد الجعفري عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة الإسلامي بنيات الولاياتالمتحدة تجاه عملية تغيير النظام العراقي. وقال: "طرحت الإدارات الأميركية المتعاقبة موضوع التغيير، من اجل انقاذ الشعب العراقي والمنطقة من الحكم الصدامي، غير ان منطق الأحداث كشف بما فيه الكفاية من ان ذلك لم يكن له اي نصيب من الصحة. ان المعارضة العراقية لا تختلف على هدف التغيير، مثلما تتفق على ان الشعب العراقي هو مادته ومحور حركته والمعني بنتائجه، اما بالنسبة الى الضربة الأميركية المزمعة، فإن سياق الضربات الأميركية السابقة كشف عن عمق المآسي الإنسانية التي تتركها على ابناء شعبنا الى جانب الحصار الاقتصادي الخانق، في الوقت الذي بقي فيه الحاكم متربعاً على سدة الحكم، ولم يزدد النظام الحاكم وجهازه الخاص إلا ضراوة في البطش والإرهاب. نحن نعتقد ان على أميركا وفي مجال اثبات حسن النية تجاه شعبنا العراقي وقواه المخلصة، ان تتحرك من خلال الأممالمتحدة، بإحالة صدام وزمرته الإرهابية الى محكمة دولية كمجرم حرب، وأن ترفع عن كاهل الشعب العراقي الكثير من الإجراءات التي اقدمت عليها في ظروف الحكم الصدامي الشاذ. ان الشعب العراقي تساوره الكثير من المخاوف حيال التدخلات الخارجية المحتملة في حاضر العراق ومستقبله، وهو في طريق مواجهته مع النظام المتسلط حتى إسقاطه". وأكد الدكتور نبيل ياسين محلل وكاتب صحافي ان "آفاق خروج العراق من محنته ومعاناته ما تزال غير مرئية، وما يزال خطر الضربات العسكرية الأميركية مستمراً، والأزمة تتفاعل بين النظام والولاياتالمتحدة، فالنظام من طرفه يحاول جعلها مخرجاً لأزمته ورفع العقوبات وإعادة اصطفاف المواقف الدولية في مجلس الأمن لصالحه. والولاياتالمتحدة من طرفها تحاول جعلها وسيلة لإذلال النظام وإجباره على تقديم مزيد من التنازلات وتدمير مقدراته وإمكاناته. ان المعارضة العراقية احزاباً وشخصيات مدعوة الى مناقشة اية فكرة مطروحة للخروج من الأزمة والتعامل معها تعاملاً ايجابياً نابعاً من المصلحة الوطنية، من دون التعالي على الأفكار أو الوقوف موقفاً سلبياً منذ البداية. وإذ يحلو لبعضنا المقارنة بالأفغنة، فإن الضربات المحتملة ربما تنتظر عسكرياً بشتونياً عراقياً أو يبادر صدام لتخليف قصي لمنع التغيير، ليطيح بآمال المنتظرين على طريق قيادة العراق لتقسيم المغانم مع دول جوار تعيد العراق سياسياً مئة عام كما اعادته اجتماعياً واقتصادياً الى 400 عام. لم أكن أتصور انني سأضطر الى نعي العراق مثلما اجدني اليوم. انني ارى العراق يطفو جثة عائمة على سطح صحف المعارضة، جثث من بقايا بعثيين وشيوعيين وقوميين ورجال سابقين للمخابرات والإعلام والثقافة والجيش وأيتام نظام وحكومات ومؤسسات اعلامية وجمعيات تحمل اسماء جديدة ومضامين قديمة وأعداء اميركا السابقين حتى قبل يومين يهرعون للالتحاق بهذه الجثث قبل وصولها الى الشاطئ، جثث تتسابق في الطفو لتظهر قبيل توجيه ضربة عسكرية للعراق قد تطيح بصدام حسين ليعود ايتامه من كل جنس ولون وحجم وماركة ليبنوا العراق القادم الجديد والمزدهر، الذي تظهر فيه الثقافة عارية والأخبار مصنوعة من جديد من محرري وكالة الأنباء العراقية وصحافيي المخابرات القدامى وشعراء قصيدة النثر الذين يتغنون بموت الديكتاتور طاوين صفحة التغني بأمجاده وبركاته". وقال عبدالحليم الرهيمي كاتب وصحافي: "بعد هجمات 11 ايلول سبتمبر الإرهابية المروعة اصبح مستقبل الوضع في العراق وتحديداً مستقبل النظام الحاكم ومصيره مطروحاً بكل قوة على جدول اعمال المجتمع الدولي، وخصوصاً الولاياتالمتحدة. فالاعتقاد السائد ان إدارة بوش عازمة على توجيه الضربة العسكرية لإطاحة النظام سواء بتطبيق المثال السيناريو الأفغاني بتفاصيله او معدلاً، أو بأي خطة اخرى، لأن القرار قد اتخذ وأن المسألة لا تعدو ان تكون مسألة وقت، وهي موضع اجماع وتوافق بين ما يسمى بتياري "الصقور" و"الحمائم". وأعتقد ان واشنطن ستتمكن من توسيع وتقوية التحالف الدولي القائم الذي تخوض الحرب تحت رايته في افغانستان. وإزاء ذلك تسعى المعارضة العراقية وتعمل على التقاط هذه الفرصة التاريخية، وبالطبع فإن دور المعارضة في الخارج دور مهم وحاسم في دعم التغيير وفي الإلحاح على الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي بأن يكون هدف الضربة العسكرية المحتملة للعراق، هو الإطاحة بنظام صدام حسين بأقل ما يمكن من الأكلاف والخسائر". وشخص الدكتور موفق الربيعي اسلامي مستقل طبيعة الموقف الأميركي قائلاً: "ان المعلومات الأخيرة تشير الى أن الإدارة الأميركية تقف الآن في مراحل متقدمة من التخطيط لضرب العراق، وهناك مدرستان: الأولى يقودها البنتاغون وتتبنى الطريقة الأفغانية، وهي تقوم على اساس بناء تحالف يأتي من كردستان وأساسه الأكراد ويترافق مع دور تركي مميز، وهذا يتزامن مع تحرك في الجنوب تقوده مجموعة من الضباط والجنود مدعومين بقوات اميركية تقوم بالإنزال في احد المطارات العسكرية غرب البصرة ومسنودة بوحدات سيارة متنقلة من المعارضة العراقية لأجل اقلاق النظام. يرافق ذلك قصف متواصل للمواقع الحيوية ومراكز القيادة. اما السيناريو الآخر، فهو ما تعمل عليه وزارة الخارجية الأميركية بمعية وكالة الاستخبارات الأميركية ويقضي بتغيير رأس النظام والحلقة الداخلية المحيطة به، من خلال قصف مكثف ولمدة طويلة يشمل المناطق الحيوية والاستراتيجية ومقرات القيادة والسيطرة وبعض التجمعات العسكرية. اما على الأرض فتقوم القوات الأميركية بدعم قطعات عسكرية عراقية في تحركات ميدانية، وهذا العمل سيشكل ضغطاً قوياً، بحيث يجبر صدام وأعوانه على ترك مواقعهم او يشجع بعض الضباط للقيام بانقلاب عسكري، ومن ثم عقد صفقة سياسية لا تطيح بالنظام وإنما تغير رأس النظام. ونحن هنا نعتقد بأن اي خطة لا تشتمل على تغيير كامل النظام لا تخدم الشعب العراقي". يبقى موضوع التغيير قراراً أميركياً في المرحلة الراهنة، وهذا القرار لا يعتمد على المعارضة العراقية قطعاً، وإنما سيكون بجهد اميركي مكثف بعدها ستحدد طبيعة اللعبة وعناصرها وشخصياتها التي قد تحظى بفرصة اعادة بناء السلطة المقبلة تحت إدارة الولاياتالمتحدة.