الكتاب: أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد. الكاتبة: شيماء الصرّاف. اصدار: دار القلم، باريس 2001. رأي للفقيه، ورأي للمشرِّع الحديث، ورأي للدكتورة شيماء الصراف، التي تقارن بين الشريعة والفقه والقانون والاجتماع في كتابها "أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد". هل واكب الفقيه والمشرِّع الحديث التغييرات التي طرأت على وضع المرأة؟ سؤال طرحته شيماء صراف، محاولة الاجابة عنه بالعودة الى الاجتهاد منذ 14 قرناً، لتبيان مدى صلاح هذه الأحكام اليوم وصلتها بحاجات المرأة. الفقيه يخاطب المرأة، كما جاء في المقدمة، والمشرّع الحديث يخاطبها أيضاً... فيستنسخ الفقه في معظم قواعد قانون الأحوال الشخصية، لتستخلص الدكتورة صراف النتائج في بلدان مختلفة، مغاربية ومشرقية، مستشهدة بالقوانين الفرنسية، أي القانون المدني. ثم تعتمد المقارنة بين جميع هذه الأحكام، لتحقيق مصلحة المرأة بالذات، كي تربطها بمصلحة أكبر من أسرتها، وأكبر من مجتمعها... فكان لها في كل باب رأي واجتهاد. في سلطة الولي لزواج المرأة باب، في حق المرأة لوضع شروط لعقد الزواج باب، في منع الحمل والاجهاض باب، في تصرّف المرأة بمالها باب، في الحب والكره والعلاقة الزوجية - حُكمها ومنتهاها - باب، في الزنا، والاستقلال بالسكن، والاختلاط بالرجل أبواب... الخ. وكلها مباحِث تضعنا فيها الدكتورة صرّاف بين فقيهين وعقليتين... بين فقيه الأمس الذي تميَّز بواقعية فتاواه، وهذا يفترض التحامه بالمجتمع، ما جعله متعايشاً مع هموم الناس، فيحفظ للمجتمع استقراره وتماسكه لتسهيل الحياة كما وردَ على لسان الإمام الغزالي حين قال: "ان فن الفِقه هو معرفة طرق السياسة"، والسياسة كما حددها هي "للتأليف والاجتماع والتعاون على أسباب المعيشة وضبطها". لم تُظلم المرأة في فتاوى فقيه الأمس، تُتابع الدكتورة صرّاف على رغم اختلافات توجهات كل فقيه في ما يخص المرأة. - لكن ماذا عن علاقة فقيه اليوم بالمرأة؟ تسأل الدكتورة صراف؟ وتجيب: "انها علاقة غير سوية، وهناك صلة أمرٍ بمأمور، ورئيس بمرؤوس، هو المتكلم باسم الاسلام وهي عليها أن تطيع"... ما هو مسموح وما هو ممنوع تتابع المؤلفة، وليس الى عامة المسلمات في مجتمع بكامله، وليسَ من رابطة حقيقية بين الفقيه والمرأة، وذلك أن كلاً منهما يعيش عالمه، والمرأة تعيش حياة الواقع، والفقيه يختار البقاء في عوالم فقدت الصلة بالحاضر الذي تعيشه المرأة، فيحجم الكثر من النساء عن استفتائه في مشكلاتهن لأنه غير منصف وغير متفهم في أجوبته. وفي هذه الحال يقول الإمام ابن قيِّم الجوزيه: "ان فتوى الفقيه يجب ان تتغيّر وتختلف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعادات، لأن المراد من الفتوى هو تحقيق مصالح العباد"... وبعبارة أخرى معايشة الفقيه لواقعه. أما المُشرِّع الحديث، فإنه لم يلتزم بأحكام المذهب الواحد، بل سلك سلوكاً انتقائياً ليختار أحكامه من بين كل المذاهب، وان هذه الفتاوى المنتقاة ذات صلاحية مطلقة في الزمان والمكان... كما أورَدَت صراف. ان المشرِّع الحديث، يمارس وظيفة الفقيه، فينظر في حركة المجتمع، اتجاهاته، حوادثه، متطلباته، وفي ضوئها يُلغي نصوصاً أخرى، يعدِّل بعضها بإضافات أو حذف. وبعبارة أخرى، يجتهد المشرِّع الحديث في تغيير النصوص القانونية حتى تلائم التغييرات التي تطرأ على المجتمع. في نهاية الكتاب تقف صراف حائرة بين المرأة في الأمس، والمرأة في يومنا لتقول: "انه ليس من حلول سحرية، بل على المرأة ان تعمل عملاً مستمراً يؤدي الى نتيجة مُرضية". أما مفاتيح هذا العمل فسيكون العمل الدؤوب، كما تُتابع الدكتورة صرّاف، إذ لا يصحّ أي سعي واجتهاد من دون امتلاك للمعرفة بوجهيها الخاص والعام... وفي كل الأحوال تضع مؤلفة الكتاب ثقتها في المرأة لتأخذ دورها في صوغ الأحكام التي تفي بحاجات المرأة اليوم.