على رغم ما بدا من استياء خليجي من الموقف الاميركي إزاء المستجدات في الأراضي الفلسطينية وفي المنطقة، حرص وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي على عدم التعبير عن استيائهم في بيان أصدروه في نهاية اجتماعهم في جدة امس، واكتفوا بالتعبير عن "دهشتهم إزاء استمرار تغاضي المجتمع الدولي، خصوصاً الولاياتالمتحدة راعية السلام الأولى، عن الممارسات العدوانية لاسرائيل والاجراءات غير المشروعة التي ما فتئت تمارسها ضد الشعب الفلسطيني"، مطالبين مجلس الأمن وراعيي عملية السلام، الولاياتالمتحدة وروسيا، والاتحاد الأوروبي ب"وقف الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وتأمين الحماية الدولية له وإنهاء احتلال الأراضي العربية والفلسطينية كافة" راجع ص 2. وكان غير مسؤول خليجي رفيع المستوى أعرب ل"الحياة" عن استيائه من الموقف الاميركي "اللاعقلاني". ووصف وزير خارجية دولة خليجية هذا الموقف بأنه "يتبنى تماماً مواقف الحكومة الاسرائيلية وسياساتها". وكشف الوزير، الذي شارك في اجتماع جدة وطلب عدم ذكر اسمه، ان الادارة الاميركية هي التي أفشلت مساعي وزير الخارجية الالماني كارل فيشر الشهر الماضي لعقد اجتماع بين الرئيس ياسر عرفات ووزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز. وعلمت "الحياة" ان المساعي التي قامت بها السعودية لدى الادارة الاميركية قبل نحو اسبوعين، لترتيب اجتماع في نيويورك على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة بين الرئيسين جورج بوش وعرفات، اصطدمت بشروط اميركية تعجيزية تعبر عن عدم رغبة بوش في لقاء الرئيس الفلسطيني. ومن هذه الشروط ان تتأكد واشنطن من ان عرفات يقوم بجهود مئة في المئة لوقف "العنف" من الجانب الفلسطيني، وعرضت القيادة السعودية على الرئيس الفلسطيني هذا الموقف خلال زيارته الاحد الماضي، واجرت اتصالات عاجلة بالدول العربية المعنية لبحث الأمر والخروج بأفكار من أجل تحرك عربي جديد، وذلك من خلال الجولة العاجلة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، وشملت القاهرة ودمشق وبيروت وعمان. آفاق التحرك الجديد وعلمت "الحياة" ان محادثات الوزير في هذه العواصم، اسفرت عن اتفاق على أفكار محددة للتحرك العربي الجماعي، الذي سيطرح على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم. وسيركز التحرك العربي المقبل على مسألتين: الاستمرار في تقديم الدعم المادي والمعنوي لاستمرار الانتفاضة والعمل لمساعدة الفلسطينيين في الداخل على الصمود ومواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، وثانياً استمرار الاتصالات خصوصاً مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وحض واشنطن على تغيير مواقفها مما يجري ولتعمل للضغط على الحكومة الاسرائيلية من أجل وقف سياساتها التصعيدية. ولعدم قطع الطريق على الجهود والمساعي الديبلوماسية، بدل الوزراء الخليجيون كلمة في بيانهم الختامي كانت تبدو متشددة ازاء الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي، بكلمة أخف، إذ ورد في مشروع البيان ان المجلس الوزاري "أعرب عن استيائه ازاء استمرار تغاضي المجتمع الدولي، خصوصاً الولاياتالمتحدة راعية السلام الأولى، عن الممارسات العدوانية لإسرائيل". واستبدلت كلمة "استيائه" بكلمة "دهشته"، لكن البيان رد على موقف الولاياتالمتحدة - من دون الاشارة إليها - الذي يحمّل الطرف الفلسطيني التزامات وقف العنف، واعتبر الوزراء أن "تحميل الالتزامات للطرف الفلسطيني من دون أن يقابل ذلك التزام من الطرف الإسرائيلي، فيه قلب للمعايير واجحاف، وهذا لن يحقق التهدئة ووقف العنف". وعلمت "الحياة" ان التحرك الشامل الذي سيقره وزراء الخارجية العرب اليوم، سيعتمد على لقاءات واتصالات مهمة ستجري في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى المعنية. وعلِم ان العاهل الأردني الملك عبدالله والرئيس اللبناني اميل لحود والرئيس عرفات سيشاركون في اجتماعات نيويورك، ويحتمل أن يشارك الرئيس حسني مبارك في الاتصالات واللقاءات الجانبية. وأوضح مصدر عربي مأذون له ان المهم ان يخرج الوزراء العرب خلال اجتماعهم في القاهرة بتصور مشترك لطرح سياسي موحد "يخدم التحرك العربي الشامل لردع العدوان". وكان الأمير سعود الفيصل صرح الى "الحياة" أول من امس بأن التحركات والاتصالات التي تجريها السعودية مع الدول العربية المعنية، هدفها الخروج بتصور مشترك للتحرك العربي المطلوب في مواجهة الأوضاع الخطيرة في المنطقة بسبب استمرار السياسات العدوانية الاسرائيلية. وأمس أكد وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك في تصريحات صحافية ان دول مجلس التعاون تأمل بأن يخرج اجتماع وزراء الخارجية العرب بموقف "صلب وموحد لمواجهة التحديات" مشيراً الى ان التحرك العربي سيعمل لاستمرار الجهود والمساعي من أجل تغيير بعض المواقف الدولية المؤيدة للسياسة العدوانية الاسرائيلية. وأكد دعمه جهود الرياض في هذا المجال. وكان وزير الخارجية السعودي عرض على نظرائه في دول المجلس الجهود والاتصالات التي اجرتها المملكة من أجل وقف الاعتداءات على الفلسطينيين، خصوصاً الاتصالات لترتيب عقد لقاء بين بوش وعرفات. الى ذلك دانت دول مجلس التعاون بشدة اسرائيل وممارساتها واعتداءاتها "العنصرية" ضد الشعب الفلسطيني، وكرر البيان الذي صدر في ختام اجتماعات الوزراء في جدة، غير مرة وصف الممارسات الاسرائيلية ب"العنصرية"، كأنه تأكيد للموقف الذي طالب به العرب في مؤتمر مكافحة العنصرية في ديربان. وحمّل البيان اسرائيل كامل مسؤولية التدهور الخطير في الأوضاع، نتيجة سياسة العدوان والترويع، ولتراجعها عن الاتفاقات الموقعة والهروب من تحمل مسؤولياتها تجاه عملية السلام. وحذر البيان من أن الأوضاع تسير من سيئ الى أسوأ.