تكثفت الاتصالات لاحتواء الوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية، وعُلم ان مصر وجامعة الدول العربية تعملان لبلورة مبادرة تطرح على مجلس الأمن، وتوافق عليها واشنطن، تتضمن تأمين الحماية الدولية للفلسطينيين واستئناف المفاوضات. وتأتي هذه المبادرة في وقت تنشط واشنطن لترتيب لقاء أمني ثانٍ بين الفلسطينيين واسرائيل، يتوقع ان يعقد اليوم، وذلك في اشارة جديدة الى تحول في موقف الولاياتالمتحدة واستعدادها لمساعدة الجانبين على التهدئة، بعدما اكدت انها لن تتدخل في التفاصيل. وشهد الموقف الاسرائيلي ايضاً تحولاً إزاء المبادرة المصرية - الأردنية لاستئناف المفاوضات، وبعدما رفضها رئيس الوزراء ارييل شارون في شكل قاطع، أعلن امس ان الحكومة تنظر ايجاباً الى بعض نقاطها راجع ص3 و4. وأعلن الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان ان المفاوضات "يجب ان تستأنف في أقرب وقت"، رافضاً شروطاً حددها مسؤولون اسرائيليون، ومؤيداً العودة الى طاولة المحادثات قبل الوقف التام للمواجهات، فيما دعا زعيم حزب "شاس" الى "إبادة العرب بالصواريخ". المبادرة المصرية وفي سياق المبادرة المصرية التي اصطلح على تسميتها "مبادرة وقف العنف"، كشفت مصادر مطلعة ل"الحياة" ان اتفاقاً تم بين الرئيسين حسني مبارك وياسر عرفات على أسس التحرك الذي ستقوم به الديبلوماسية المصرية وجامعة الدول العربية لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واستئناف المفاوضات مع اسرائيل. وأوضحت ان وزارة الخارجية المصرية ومسؤولين رفيعي المستوى في الجامعة يعكفون على اعداد صيغة لإعادة طرح قضية الحماية على مجلس الأمن، وفي الوقت ذاته تجنب النقض الفيتو الاميركي. وقالت ان القاهرة تجري اتصالات مكثفة بواشنطن لعرض أبعاد موضوع معاودة طرح القضية على المجلس. واضافت ان مصر عرضت صياغة لمشروع بيان رئاسي يصدر عن مجلس الأمن، وتوافق عليه واشنطن، يتضمن الدعوة الى "وقف العنف" ويطالب الفلسطينيين والاسرائيليين بتجنب التصعيد واستئناف التفاوض. وأشارت الى ان الخارجية المصرية تلقت موافقة عرفات على مشروع البيان الجديد. وأفادت مصادر مطلعة في الجامعة عن تحركات عربية ودولية مكثفة "لإنقاذ الشعب الفلسطيني من العنف الاسرائيلي"، موضحة ان الأمين العام للجامعة الدكتور عصمت عبدالمجيد سيباشر اتصالات مكثفة مع الأمين العام للامم المتحدة، والاتحاد الأوروبي من اجل اعادة عرض الموضوع على مجلس الأمن. في غضون ذلك، وقع امس في مقر البنك الاسلامي للتنمية في جدة اتفاق يبدأ البنك بموجبه دفع 180 مليون دولار على ستة أقساط للسلطة الفلسطينية بموجب قرارات القمة العربية التي عقدت في عمان، وذلك بمعدل 30 مليون دولار شهرياً. وعلمت "الحياة" ان لقاء غير رسمي ستعقده اليوم في ستوكهولم الدول المانحة للسلطة الفلسطينية، من دون مشاركة إسرائيل والسلطة ويهدف إلى مناقشة الوضع المالي للسلطة وموازنة العام الجديد. وتشارك في المؤتمر مصر والولاياتالمتحدة واليابان والدول الأوروبية المانحة. تدخل أميركي في واشنطن، ذكرت مصادر رسمية أميركية ان وزير الخارجية كولن باول أجرى اتصالات بشارون وعرفات ليل الأحد، وحضهما على استمرار المحادثات الأمنية. وأشارت إلى أن الولاياتالمتحدة تعدّ لاجتماع أمني متوقع اليوم، وتبدي الاستعداد لمساعدة الطرفين. وعلى رغم المواقف المعلنة لإدارة الرئيس جورج بوش، من أنها لن تتدخل في التفاصيل كما فعلت إدارة الرئيس بيل كلينتون، برزت ملامح تطور في هذا الموقف، من خلال المحادثات الأمنية التي رتبتها واشنطن الأسبوع الماضي، بعد مساعٍ مصرية قادها الرئيس حسني مبارك. وقالت مصادر سياسية رفيعة المستوى للإذاعة الإسرائيلية إن حكومة شارون تنظر ايجاباً إلى بعض النقاط الواردة في المبادرة المصرية - الأردنية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنها أضافت ان ثمة نقاطاً لا يمكن إسرائيل قبولها مثل المطالبة بوقف توسيع الاستيطان في القدس. ويعتبر ذلك تحولاً في الموقف الذي تبناه شارون ووزير خارجيته شمعون بيريز الأسبوع الماضي، عندما رفضا المبادرة، فيما قال بيريز إن الدولة العبرية لم تتلق نص المبادرة رسمياً وسترفضها في كل الأحوال. ويرتبط هذا التغيير بالاتصال الهاتفي الذي أجراه بيريز أول من أمس مع مبارك، وتردد أنه ركز على استئناف المفاوضات. في الوقت ذاته، دعا أحد كبار الحاخاميين اليهود في الدولة العبرية إلى "إبادة العرب بالصواريخ"، وقال الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحزب "شاس" الديني المشارك في حكومة شارون، خلال العظة الخاصة بعيد الفصح اليهودي: "يجب ألا نترحم عليهم يجب أن نطلق عليهم صواريخ وندمرهم، هؤلاء الأشرار والملعونون". وكتبت صحيفة "معاريف" ان عوفاديا دعا في نهاية العظة "ان يعاقب الله العرب ويقضي على نسلهم ويدمرهم وينفيهم في العالم". وأثارت هذه التصريحات ضجة في أوساط اليسار الإسرائيلي، فيما اعتبرها النائب العربي في الكنيست عبدالمالك دهامشة "أقوالاً تثير خجل كل إنسان وليس فقط رجال الدين"، وطالب القضاء الإسرائيلي باجراء تحقيق مع زعيم "شاس". لكن وزير الداخلية، الزعيم السياسي ل"شاس" ايلي يشاي أكد أن عوفاديا "عبر في أقواله عن مشاعر غالبية الشعب الإسرائيلي" و"لم يقصد جميع العرب بل الإرهابيين منهم". وزاد ان الإسرائيليين "انتخبوا شارون لحمايتهم من هؤلاء الارهابيين، ولكل فرد طريقته الخاصة للتعبير عن آرائه، وهو عوفاديا اختار الطريقة التلمودية". وكان الحاخام عوفاديا وصف الفلسطينيين قبل أشهر بأنهم "أفاعٍ". وأعرب وزير العدل الإسرائيلي مئير شتريت عن أسفه لهذه التصريحات، وقال إنه "ضد تصريحات من هذا النوع، خصوصاً من شخصية بمستوى الحاخام يوسف. واستدرك أن سياسة الحكومة الإسرائيلية هي "ضرب الارهابيين وحدهم وليس السكان الأبرياء".