اكد ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز خلال لقائه مساء اول من امس مسؤولي ومسؤولات التعليم في المملكة ان "لا أزمة في العلاقات بين الرياض وبين مسؤولي الادارة الأميركية على رغم الحملة الاعلامية التي يقوم بعض اجهزة الاعلام الأميركية فيها بالتحامل على المملكة". وكشف ولي العهد السعودي ان الرئيس الأميركي جورج بوش اتصل به هاتفياً ليعتذر عن الحملة التي يشنها بعض اجهزة الاعلام الأميركية ضد المملكة و"ما ينقله بعض الصحف الأميركية من كلام يفرق بين المملكة واميركا ويشوه سمعة المملكة". واكد بوش للأمير عبدالله خلال المكالمة الهاتفية التي اجراها قبل نحو اسبوعين انه "لا يقبل مثل هذا الكلام وغالبية الشعب الأميركي لا تقبله" واعداً ب"البحث عن بعض المسؤولين - الأميركيين - الذين قال الأمير عبدالله ان بعض الصحف نسب اليهم ما نشرته من كلام غير لائق عن المملكة". قصة الأزمة وليؤكد عدم وجود أزمة علاقة بين بلاده والادارة الأميركية تحدث ولي العهد السعودي عن الرسائل المتبادلة بينه وبين بوش، التي تناولت - كما علمت "الحياة" - أقوى أزمة شهدتها العلاقات السعودية - الأميركية في حينه، وكان سببها الموقف الأميركي من الاوضاع في الاراضي الفلسطينية. وبدأ التوتر في العلاقة بين الرياضوواشنطن في نيسان ابريل حين لاحظت الرياض ان الادارة الأميركية تتبنى مواقف الحكومة الاسرائيلية في عدوانها على الشعب الفلسطيني، ولا تتدخل لوقف هذه الاعتداءات. وكانت الرياض تنتظر تدخلاً من الادارة في هذا الشأن لكن التأييد الأميركي تواصل، وهو ما لم يرض الرياض. وانعكس عدم الرضا السعودي عن المواقف الأميركية بعدم قيام ولي العهد السعودي بزيارة واشنطن في حزيران يونيو، حين قام بجولته الاوروبية التي زار خلالها المانيا والسويد وفرنسا، وسعت واشنطن في تلك الفترة الى تحسين علاقاتها السياسية مع الرياض، واسفرت هذه المساعي عن لقاء بين ولي العهد السعودي ووزير الخارجية الأميركي كولن باول في باريس نهاية شهر حزيران. وخلال اللقاء انتقد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بشدة عدم تدخل الادارة الأميركية لدى اسرائيل لوقف اعتداءاتها على الفلسطينيين والزام اسرائيل تطبيق بنود خطة تينيت، على الاقل. وكان الانتقاد السعودي الأكبر للادارة الأميركية طاول ما صرح به الوزير باول خلال جولته على المنطقة في ذلك الوقت، والذي اعطى فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون صلاحية تقرير وقف اطلاق النار في الاراضي الفلسطينية، وتحديد موعد عودة المفاوضات مع الفلسطينيين. وتوقعت الرياض عقب هذا اللقاء ان تتحرك الادارة لتغيير مواقفها مما يجري في الاراضي الفلسطينية، لكنها فوجئت بأن واشنطن افشلت مساعي وزير الخارجية الالماني كارل فيشر لعقد اجتماع في آب اغسطس الماضي بين الرئيس ياسر عرفات ووزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز، كان من الممكن ان يؤدي الى وقف الهجمة الاسرائيلية على الفلسطينيين. وهذا الامر حول التوتر في العلاقات الى أزمة جعلت الرياض ترفض أي اتصال مع واشنطن. وفي اليوم الاخير من آب طلبت القيادة السعودية من رئىس اركان الجيش السعودي الفريق صالح المحيا الذي كان وصل الى واشنطن برفقة حوالى اربعين من كبار الضباط السعوديين لحضور اجتماعات لجنة التنسيق العسكري المشترك، عدم حضور الاجتماعات. وعاد الضباط السعوديون من مبنى البنتاغون بعدما وصلوا إليه صباحاً للتحضير للاجتماعات. الرسائل المتبادلة وبعد يومين وجه ولي العهد السعودي رسالة الى الرئىس جورج بوش، شرح فيها تفاصيل العلاقات بين بلاده والولاياتالمتحدة، متحدثاً عن تفاصيل المواقف الأميركية المؤيدة لاسرائيل، والتي لا يمكن ان تقبلها المملكة والدول العربية والاسلامية. وحملت الرسالة كلمات مثل "منذ الآن لكم مصالحكم وللمملكة مصالحها ولكم طريقكم ولنا طريقنا". وفور تلقيه الرسالة السعودية الغاضبة بادر بوش بالرد معلناً تغيراً كبيراً في الموقف الأميركي، مشيراً بذلك الى انه سيعلن في كلمته التي سيلقيها في افتتاح اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة ان بلاده ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة، وان وزير خارجيته سيتولى مبادرة لإنهاء اعمال العنف في الاراضي الفلسطينية والزام الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي البدء بتطبيق بنود تقرير ميتشل، وخطة تينيت لاعادة الهدوء الى الاراضي الفلسطينية ووقف الاستيطان وعودة التفاوض بين الجانبين. وعقب هذه الرسالة الأميركية، عادت الاتصالات بين الرياضوواشنطن، واقنعت السعودية الولاياتالمتحدة بأن يلتقي الرئيس الأميركي الرئيس الفلسطيني على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة. وكان هذا مقرراً في النصف الثاني من ايلول سبتمبر الماضي، ولكن جاءت الاعتداءات التي تعرضت لها نيويوركوواشنطن لتعيد خلط الأوراق الأميركية، ولتشغل واشنطن بالكارثة التي تعرضت لها. لكن الاتصالات بين ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي تواصلت، وزار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي العاصمة الأميركية، ولمس بعد اجتماعه مع بوش ووزير خارجيته وكبار المسؤولين انشغالهم التام بمعالجة ذيول الكارثة. ولكن ذلك لم يمنع اتصال ولي العهد السعودي غير مرة بالرئيس الأميركي وان يواصل سفير المملكة في واشنطن لقاءاته مع اركان الادارة الأميركية، ليؤكد لهم ان ما حصل من اعتداءات ارهابية على الولاياتالمتحدة، يجعل العمل لمعالجة القضية الفلسطينية ضرورياً، وكذلك عدم وقف الخطة التي كان بوش أبلغها الى الأمير عبدالله في رسالته لمعالجة الاوضاع في الاراضي الفلسطينية. وبدا من الردود الأميركية على الاتصالات السعودية ان واشنطن ما زالت على موقفها، واكد ذلك اعلان بوش في تشرين الاول اكتوبر الماضي نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وخلال لقائه اول من أمس مسؤولي التعليم في المملكة، وقبله اللقاء مع مديري الجامعات واعضاء هيئات التدريس ومسؤولي الاعلام السعودي، تحدث ولي العهد السعودي عن الرسائل المتبادلة بينه وبين بوش، والتي قرئت على الحضور، لكن الأمير عبدالله طلب عدم نشر نص الرسائل لاسباب لها علاقة باللباقة الديبلوماسية. وبدا من حرص ولي العهد السعودي على شرح حقيقة الوضع بين الرياضوواشنطن، انه مطمئن الى موقف الادارة الأميركية وتحركها المقبل لمعالجة الاوضاع في الاراضي الفلسطينية، وصولاً الى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، بخاصة بعد اعتذار بوش شخصياً في اتصاله الهاتفي، من الحملات الاعلامية على المملكة. مساع اسرائيلية مضادة وترى مصادر سعودية ان اصدقاء اسرائيل في الادارة الأميركية هم الذين يقفون وراء الحملة الاعلامية على المملكة، سعياً الى افشال اقتراحات بوش لمعالجة الوضع الفلسطيني، والتي شرحها في رسالته الى ولي العهد السعودي في 2 ايلول. واشارت المصادر الى ان الحكومة الاسرائيلية علمت بالرسالة الأميركية، وبدأت تجند اصدقاءها في الادارة وفي الكونغرس واجهزة الاعلام لإفشال المبادرة الأميركية ومهاجمة المملكة العربية السعودية. ووجد اللوبي الصهيوني في الهجمات التي تعرضت لها نيويوركوواشنطن فرصة ذهبية للطعن ليس في المملكة فحسب بل في الدول العربية والاسلامية، وربط الارهاب بالاسلام والعرب. ورافق ذلك تصعيد عسكري اسرائيلي للاوضاع في الاراضي الفلسطينية من أجل جر الفلسطينيين الى عمليات انتحارية تساعد في تعبئة الرأي العام الأميركي ضد الفلسطينيين والعرب. ويؤكد ذلك ما نشرته "الحياة" امس نقلاً عن مصادر في واشنطن من ان رئيس الحكومة الاسرائيلية تخلى عن زيارة العاصمة الأميركية، من اجل افشال خطة لعقد لقاء مقترح بين عرفات وبوش في نيويورك، على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة الاسبوع المقبل. وأشار الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الى دور اسرائيل واصدقائها في الحملة على المملكة، حين أشار خلال لقائه مسؤولي التعليم اول من أمس الى ان الكلام الذي يقال عن المملكة و"يهدف الى التفريق بين السعودية والولاياتالمتحدة موضوع من اناس انتم تعرفونهم وتعرفون من وراءهم". لكن ولي العهد اكد ان هذه الحملة ستفشل حين قال: "سيدحرون"، مما يشير الى اطمئنانه الى موقف بوش. زيارة سعود الفيصل ولتعزيز التوجهات الأميركية الايجابية تقرر ان يزور الأمير سعود الفيصل الولاياتالمتحدة، قبيل اجتماعات الجمعية العامة، والالتقاء مع بوش واركان ادارته. وستتناول محادثات سعود الفيصل بالاضافة الى الموضوع الفلسطيني، تطورات الهجمات العسكرية ضد افغانستان، ومستقبل الوضع في هذا البلد لمرحلة ما بعد "طالبان" في ضوء الاتصالات التي اجرتها الرياض بمختلف الجهات المعنية بالأزمة الافغانية، خصوصاً المحادثات التي اجراها وزير الخارجية السعودي في اسلام اباد الخميس الماضي. وسيلقي سعود الفيصل كلمة السعودية امام الجمعية العامة الاحد المقبل، ويلتقي خلال وجوده في نيويورك العديد من الوزراء والمسؤولين.