بمقتل المقدم تيسير خطاب مسؤول التدريب في المخابرات العامة الفلسطينية يوم عيد ميلاده ال44 في الأول من أيلول سبتمبر تكون اسرائيل، ان صح اتهام الفلسطينيين اياها بالوقوف وراء الحادث، خطت خطوة جديدة في سياستها القاضية بتقويض أركان السلطة الفلسطينية سعياً للقضاء عليها. وعلى الرغم من أن خطاب الذي يحمل شهادة عليا في الأمن لم يكن معروفاً، فإن كونه ينتمي الى جهاز المخابرات مؤسسة السلطة الأمنية وأنه شغل لسنوات منصب مدير مكتب وكاتم أسرار اللواء أمين الهندي المدير العام للمخابرات كفيل بأن يشي بالتطوير السريع الذي تجريه اسرائيل على عملياتها بهدف اسكات الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية. وثمة خيط متين يربط هذا التطور بعمليات الاغتيال التي تنفذها الدولة العبرية ضد الناشطين والقيادات الفلسطينية. وفي الشهر الثاني من الانتفاضة اغتالت اسرائيل حسن عبيات وهو أحد الناشطين الذين حملوا السلاح وأعادوا من جديد لقب المقاتل الى الساحة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. واللافت ان عبيات كان من اوائل الذين حملوا السلاح جهراً، فكان الرد الاسرائيلي سريعاً باغتياله لتبدأ سلسلة من هذه العمليات والملاحقات للمقاتلين الفلسطينيين. لكن مجموعات جديدة كانت لا تزال تنضم الى الميدان ملحقة خسائر بشرية غير مسبوقة في صفوف الجنود والمستوطنين الاسرائيليين. كان الهدف الاسرائيلي ردع من يفكر في الانضمام الى صفوف المقاتلين وكبح جماح الناشطين. منهم، لكن نتائج الميدان كانت تقول عكس ذلك. وما لبث الجيش الاسرائيلي ان عدل قائمة المرشحين للاغتيال لتشمل قادة محليين، وسارع في اليوم الأخير من عام 2000 الى تصفية ثابت ثابت أمين سر حركة "فتح" في مدينة طولكرم. ولم يكن التعديل الجديد مجرد تحول من سياسة الى أخرى، بل تجديداً في التكتيك وانتقاء في الاسلوب لزعزعة أركان المواجهة الفلسطينية والضغط عليها للتراجع والانكفاء. وتجدر الاشارة الى أن اغتيال ثابت كان يحمل معه معالم قوية لنهج اسرائيلي تبلور في عهد حكومة العمالي ايهود باراك وعززه اليميني ارييل شارون ومفاده ان النية لدى اسرائيل تتجه نحو القضاء على القيادة الفلسطينية وليس مجرد الارتكان فقط الى وقف الانتفاضة بتصفية نواتها الصلبة. ولم يمض وقت طويل على الانخراط في سياسة الاغتيالات هذه حتى راحت اسرائيل توسع دائرة ضرباتها الموجهة للقيادة الفلسطينية من خلال الغارات المتكررة على مواقع الأمن الوطني الفلسطيني أكبر جهاز أمني فلسطيني يضم أكثر من 30 ألف عنصر وعلى مقرات الشرطة والاستخبارات العسكرية وقوات ال17 وهي الدعائم الأساسية للبنية التحتية العسكرية للسلطة الفلسطينية. وعملياً فإن كل مواقع هذه القوات الرئيسية المقامة على خطوط التماس مع الأراضي المحتلة دمرت، واما مقراتها الرئيسية فانها تظل شبه خالية خشية الهجمات الصاروخية والمدفعية الاسرائيلية. لكن التكتيك الاسرائيلي لم يتوقف عند حدود السلطة الفلسطينية الممثلة بشكل رئيسي بحركة "فتح"، بل تعداه الى أركان قيادة المعارضة، فتوسعت دائرة الاغتيال لتشمل قيادات حركة "حماس" باغتيال اثنين من أبرز قيادييها السياسيين، جمال سليم وجمال منصور في مدينة نابلس في تموز يوليو الماضي. اما اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أبو علي مصطفى، في مكتبه بمدينة رام الله، فقد جاء تأكيداً صارخاً لعزم اسرائيل القضاء على القيادة الفلسطينية أو، بمعنى آخر، ارباك الفلسطينيين والحاق حال فوضى بهم لسنوات مقبلة من خلال تصفية قيادتهم التاريخية املاً بفتح الباب أمام قيادة بديلة تكون مستعدة للتعامل مع شروط الصلح الاسرائيلي أو ما يصفه شارون باتفاق عدم اعتداء بين اسرائيل وبين الفلسطينيين الموجودين في أراضي سيادة داخل المدن مع الاحتفاظ بسيطرة كاملة على الغالبية التي تقطن الأراضي المحتلة مناطق ب وج حسب تصنيفات اتفاق الحكم الذاتي.