يعتبر الكثير من الباحثين ان ظاهرة الشذوذ الجنسي كاللواط والسحاق والمثلية الجنسية اصبحت احدى سمات العصر وعنواناً جديداً يضاف الى لائحة حقوق الانسان والتشريعات المدنية في العالم المتحضر، خلافاً لمن يعتبرها ايضاً انها من تداعيات القيم والمثل في الحضارة الغربية المعاصرة. وعلى اية حال يبدو ان هذه الظاهرة آيلة الى شق طريقها بين سائر الفئات الاجتماعية من سياسيين يرى الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش ان من يمارسونها هم بشر يعيشون في احيائنا، بشر يذهبون الى المدارس، بشر يشكلون جزءاً من ضمير البلاد، ورجال اعمال وفنانين وطلاب ومراهقين وغيرهم، وتغلغلها كاحدى قنوات العولمة، بين دول العالم الثالث قوم لوط في مصر مثالاً وتفاعلاتها محلياً ودولياً. وبصرف النظر عن فلسفة الشذوذ الجنسي ومعتقداته وتنوع فئاته، فانها تتمحور حول فكرة رئيسة تتناقض شكلاً ومضموناً مع فلسفة الزواج الطبيعي وديمومة النسل وتكوين الاسرة. وفي ما عنى المثليون الجنسيون، يبدو ان دعواتهم قد طرقت ابواب المدارس وتسللت الى نفوس اليافعين والمراهقين والشباب الأمر الذي ينذر بحدوث "ثورة" وشيكة في المؤسسات التربوية "آخر معاقل المناعة وآخر المحرمات"، على حد تعبير المسؤول عن التدخل الجنسي في لجان المدارس الكاثوليكية في كيبك جان فرانسوا هاللي. ويشير هذا الاخير الى ان المشكلة القائمة اليوم هي ان الطلاب يصرون على اثارة المثلية الجنسية اومو سكسياليتي فيما المؤسسات التعليمية تمانع في ذلك، علماً ان المسؤولين التربويين ينكبون منذ ثلاث سنوات على عقد اجتماعات "ماراتونية" من دون جدوى. ففي العام 1999 عقد حوالى 30 اجتماعاً وعام 2000 حوالى 70 وهذه السنة اكثر من مئة اجتماع والنتيجة كانت "كمن يخرج في مسيرة طويلة بالصحراء". اما في اوساط الرأي العام فالمسألة هي ايضاً مثار نقاش وجدال واسعين عكس جانب منها استطلاع للرأي جرى قبيل نهاية العام الدراسي المنصرم واظهر ان نسبة 67،9 في المئة من الكيبيكيين يعتقدون ان من الضروري تنمية الثقافة المثلية في المدارس لإظهار الحقيقة امام الطلاب. وفي السياق ذاته نشرت أخيراً مؤسسة "غي ايكوت" وهي مؤسسة تلفزيونية موجهة الى المثليين الجنسيين وزنصارهم، دراسة تنحو فيها باللائمة على المدارس لتجاهلها تقديم المعلومات عن المثليين وتحذيرها الاساتذة من الاشارة اليهم من قريب أو بعيد، كما توجهت باللوم ايضاً الى اهالي الطلاب المتشددين دينياً او اجتماعياً. واعتبرت ان هؤلاء وأولئك ينظرون الى المثلية الجنسية وكأنها "انحراف خطير" او "تابو" ينبغي تجنبه وعدم الخوض به. وتسخر كارمن نيومان مسؤولة عن احد مراكز المثليات من تحذيرات الاهل والمربين وتقول "عبثاً يحاولون. فالأندية المثلية متوافرة والمكتبات مفتوحة امامهم والافلام في متناول اصدقائهم علاوة على الانترنت وبرامج التشات". والى ذلك فالقانون لا يفرض على المراهقين ممن بلغوا الرابعة عشرة ان يعملوا باستشارة آبائهم، على حد قول دانيال لانوا عضو منظمة الدفاع عن حقوق الشباب. واذا كان الجدال مستحكماً بين من يريدون ادخال الثقافة المثلية في الانظمة التربوية، في المرحلة المتوسطة على الاقل، وبين من يعارضونها، فان المعاهد الثانوية سيجيب والجامعات هي مسرح ومعرض وملتقى للمثليين والمثليات. وفي هذا الصدد يكشف كارول اوبريوني المدير المساعد في اتحاد المعاهد الثانوية عن ان عدد الجمعيات المثلية في المعاهد والجامعات يربو على 13 جمعية ومنشوراتها هي جنباً الى جنب مع سائر المنشورات الطالبية والصحف والمجلات المتنوعة. صدمة قيم لئن كان من الطبيعي ان تلقى دعوات المثليين استجابة من المراهقين والشباب الكنديين او الكيبيكيين فان من البديهي ايضاً الا تلقى آذاناً مصغية في اوساط اقرانهم من العرب والمسلمين. فهؤلاء وإن ولد بعضهم في كندا او ترعرع في مناخاتها او تأقلم مع ثقافاتها وتقاليدها وعاداتها، تبقى لديه مساحة، لبعض القيم والمثل العربية والاسلامية التي تظل في دائرة المحظورات والمحرمات والمقدسات. الا ان تلك الاعتبارات، على ما يبدو، هي عرضة للانتهاك من ابنائها قبل غيرهم والخشية من اتساع دائرتها امام فقدان المناعة في النظام العربي والاسلامي الاغترابي. هكذا هي حال بعض الشباب العرب المسلمين كالطالب المغربي مراد بن شيركي 19 سنة يدرس في معهد بريبيف - مونتريال - احد ارقى المعاهد الثانوية الخاصة المعروف باتجاهاته المحافظة. يروي مراد تجربته في عالم المثلية الجنسية التي هو اليوم رئيساً لاحدى جمعياتها "فوغ" لها موقع على الانترنت يزوره يومياً اكثر من 3967 شخصاً ويقول: "حين كنت طفلاً كنت اعتقد انني سأتزوج من فتاة. ثم ادركت في مراهقتي ان مثل هذا الاعتقاد امر مستحيل"، بعدما بدأ يرسم حياته بالتوازي مع امثاله. ويعترف مراد ان الأمر في البداية لم يكن سهلاً او مقنعاً "لم يكن لدي اية معلومات ولم اكن اعرف شيئاً عن المثليين في مونتريال". ولما بلغ السابعة عشرة كان يتصل خفية عبر الانترنت بمواقع المثليين. في هذه الفترة، يتابع مراد "صارحت اهلي بالأمر وكان رد فعلهم عنيفاً للغاية واستنكروا هذا الفعل الشنيع لأنه يتنافى مع التعاليم الاسلامية"، علماً ان مراد لم يكن متديناً ولم يكن يمارس اياً من الشعائر الاسلامية كالصلاة او الصوم. ومن شدة وقع الصدمة على اهله عرضوه على طبيب نفسي زوده بلائحة تتضمن اسماء عدة اندية للشباب المثليين للاطلاع عن كثب عما يجري فيها. هناك "كانت دهشتي عظيمة وصرخت واو، اذاً غيري كثير هنا. انا محظوظ. فلو كنت في المغرب لكان مصيري في السجن". وكشف مراد عن ان بعض الطلاب العرب من جنسيات مختلفة هم مثليون ايضاً. بعضهم يتابع دراسته في المعاهد الثانوية وبعضهم الآخر في الكليات الجامعية، وهم في صدد انشاء موقع جديد على الانترنت تحت اسم "المثلث الوردي". وفي الجنس الآخر، وفي معهد "سان لوران"، تجربة مماثلة عاشتها ماري كلود كندية، 18 سنة، تدرس الفن الدرامي وهي مثلية الجنس انفصلت عن اهلها بعدما ارتابوا في سلوكها "المشبوه" مع احدى صديقاتها "فتاة احلامها" التي تعيش واياها اليوم "حياة زوجية" تحت سقف واحد. وتشدد ماري كلود على ان المثلية الجنسية مغايرة تماماً لفكرة السحاق او اللواط وتشدد على "حرية الفرد في ان يختار المجتمع الذي يرغب فيه ويرتاح اليه". هذا فيض من غيض ولائحة المثليين والمثليات طويلة على أمل ألا تضاف اليها اسماء لعرب أو مسلمين ينوه "بتحديهم وجرأتهم وتحررهم" على صفحات الجرائد الاجنبية لأكثر من غاية في نفس يعقوب ليس اقلها التشهير بالقليل الذي ما زلنا نحتفظ به في دنيا الاغتراب.