كشفت مطالب رفعتها أوساط عربية وتركمانية لتشكيل قوات «شعبية» بغية حماية مواطنيها من هجمات المسلحين التي تصاعدت أخيراً وسط اعتراضات من قبل الأكراد، عن ضبابية مستقبل مدينة كركوك التي تعد من «المناطق المتنازع عليها» بين حكومتي بغداد وأربيل. وتثير الأزمات التي تعصف بكركوك الكثير من التساؤلات عن إمكان توصل الكتل السياسية إلى اتفاق ينهي هذا الملف الشائك عبر تسوية قد تشمل تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي المثيرة للجدل، والتي من خلالها تحل مشكلة «المناطق المتنازع عليها» عبر ثلاث مراحل هي التطبيع، ثم إجراء إحصاء سكاني، يعقبه استفتاء بين السكان على مصير تلك المناطق كما يطالب الأكراد، أو إلغاء تلك المادة والاتفاق على آلية جديدة كما يريد العرب والتركمان, علماً أن المسافة بين الخيارين شاسعة الى حد بعيد. ويرى سياسيون من العرب والتركمان أن صلاحية المادة المذكورة انتهت بعد أن حدد الدستور للحكومة مهلة لتطبيقها حتى نهاية 2007، لكن الأكراد يصرون على أن المادة لا يمكن أن تحدد بمواعيد معينة، على رغم أن اللجنة الوزارية الخاصة بتنفيذ المادة كانت تمكنت من تحقيق بعض من فقراتها، كتعويض المتضررين وتطبيع الأوضاع، فيما بقيت مسألة الاستفتاء على مصير المدينة معلقة. وفي أحدث تطور، هددت المجموعة العربية في مجلس محافظة كركوك بتشكيل لجان شعبية لحماية بعض المناطق من الهجمات والاغتيالات وعمليات الاختطاف، لتتبنى خطوة مماثلة دعت إليها جهات تركمانية بعد سلسلة العمليات التي طاولت رجال أعمال ومثقفين وأطباء تركمان كان أبرزها اغتيال طبيب في الجملة العصبية مع شقيقه، سبقتها تصريحات من كلا الطرفين عن أن أسباب التدهور الأمني تعود إلى وجود قوات تابعة لأحزاب غير خاضعة لقوات الشرطة والجيش العراقيين، في إشارة إلى قوات الأمن «الآسايش» التابعة للحزبين الكرديين الرئيسين «الديموقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني». ويقول العضو العربي في مجلس كركوك الشيخ برهان مزهر العاصي ل «الحياة»: «لو كانت لدينا رؤية لمستقبل المحافظة للأشهر المقبلة لما كان العراق بلغ هذه المرحلة الصعبة، إذ كل جهة تعمل وفقاً لمصالحها»، وأردف: «حل المشكلة لا ينحصر بالعرب والتركمان فقط، وحتى بأبناء المحافظة، لكون المشكلة عراقية عامة وإقليمية». وعلق العاصي على مطالب الأكراد بضم المحافظة إلى إقليمهم بالقول: «المسألة ليست بالتمنيات، ولا يمكن أن يحقق كل طرف كل ما يتمناه»، وأضاف أن العرب «سيرفضون العمل مع أية جهة تريد العمل منفردة، وإنما يجب على الجميع تحمل مسؤولية الأمن، وصاحب الشرعية في هذه القضية هو الحكومة المركزية التي يجب أن يكون لها دور». وذكر العضو التركماني في مجلس كركوك تحسين كهية في تصريح إلى «الحياة» أن «الخلافات السياسية ما زالت قائمة حول مستقبل المحافظة، والتي انعكست بدورها على تراجع الوضع الأمني، ونحن بصدد معالجة بعض القضايا العالقة من خلال التأكيد على الإدارة المشتركة وعدم تهميش أي مكون»، وقال إن التركمان «قدموا في وقت سابق مشروعاً إلى البرلمان والمنظمات الدولية والجهات المعنية بأن حل المشكلة يكمن في تشكيل إدارة فيديرالية مستقلة تدار من قبل جميع المكونات»، واستدرك: «ولكن في ظل وجود رؤية مختلفة لدى الكرد والعرب، فإن ذلك يتطلب الخروج برؤية موحدة». وبحسب كهية فإن «الدعوة إلى تشكيل قوة لحماية التركمان، قد تكون صدرت من شخص أو جهة سياسية معينة ولم يكن موقف جميع القوى التركمانية، كوننا أكدنا مراراً على تفعيل الأجهزة الأمنية الحكومية الشرعية، وعدم السماح لأية قوة بالعمل خارج الإطار القانوني، والتي كانت السبب وراء تراجع الأمن»، مبيناً أن «تشكيل مثل هذه القوة يتم في حالة واحدة فقط، عندما تعجز القوى الأمنية في حماية التركمان فإن لكل تركماني الحق حينها في الدفاع عن نفسه». لكن النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان أقر بصعوبة حل قضية كركوك، وقال ل «الحياة»: «نحن متفقون على أن تكون إدارة المحافظة مشتركة، ولكن من دون شك نريد تطبيق المادة 140، عبر الحوار، أما تحقيق ذلك فليس سهلاً أبداً، ولكن تدريجاً توجد خطوات بعد أن منح منصب رئيس مجلس كركوك للتركمان، ومنح منصب نائب المحافظ للعرب»، وتابع: «نحن منفتحون، ولا نصر على ضم كركوك، بل نطالب بتطبيق المادة وذلك عبر إعطاء الخيار للسكان في تقرير مصيرها، من خلال التطبيع والإحصاء ومن ثم إجراء الاستفتاء». وحذر عثمان من «تقسيم المحافظة في حال تشكيل كل قومية قوة أمنية خاصة بها على رغم صعوبة تحقيق ذلك»، وأضاف أن الحل «يكمن في مشاركة الجميع في حفظ الأمن عبر الأجهزة الأمنية الرسمية، وهذا يعتمد على الاتفاقات السياسية، إذا كانت الكتل متفقة وتمكنت من حل هذا الإشكال في العراق ككل، عند ذاك يمكن الخروج بنتيجة». ويرجع مدير شرطة الأقضية والنواحي في كركوك العميد سرحد قادر تراجع الملف الأمني في كركوك إلى عمليات تنفذها مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة تطلق على نفسها «طيور الجنة» كانت «تستهدف الأميركيين حصراً في بداية تشكلها بين عامي 2006 - 2007»، وقال إن أعمار مسلحي المجموعة «تتراوح بين 15 و20 سنة، وهم متعصبون يقومون بأعمال تخريبية وإرهابية من دون تردد في مناطق جنوب غربي كركوك بسبب طبيعة الثقافة التي لقنوا بها، قبل أن تتحول عملياتهم ضد العراقيين من الجيش والشرطة والمدنيين العزل». وأوضح أن الشرطة استقت هذه المعلومات عقب «اعتقال أكثر من 25 عنصراً من هذه الجماعة خلال شهر رمضان الماضي، من بينهم مسؤولون كبار». وفي هذا الشأن أيضاً يقول الناطق باسم التحالف الكردستاني مؤيد طيب ل «الحياة» أن «الجيش العراقي يقوم بواجباته، وهناك جيش في إقليم كردستان أيضاً، ويجب حصر السلاح بيد القوات الرسمية»، وقال إن «ظاهرة الدعوات إلى تشكيل قوات شعبية غير رسمية ليست صحية في دولة تتجه نحو النظام الديموقراطي وفرض السيادة، والأمور لن تحل بتشكيل تلك القوات».