} تراجع احتياط مصرف لبنان المركزي من العملات الاجنبية 1.787 بليون دولار في الشهور الثمانية الماضية، من بينها 624.33 مليون دولار في آب اغسطس الماضي. واعلن مصرف لبنان امس ان احتياطه في نهاية آب سجل 4.146 بليون دولار منها اكثر من 1.1 بليون دولار حجم الودائع العربية اضافة الى ما يزيد على 700 مليون دولار جمعها المركزي من المصارف كوديعة لثلاث سنوات بفائدة 9.5 في المئة. لندن، بيروت - "الحياة"، رويترز - اظهرت ارقام الاحتياط النقدي التي نشرها مصرف لبنان المركزي امس اولى نتائج الضغوط على الليرة اللبنانية الشهر الماضي. اذ بدا ان احتياط العملات الاجنبية تناقص بنسبة تزيد على 8 في المئة اي بمقدار 390 مليون دولار في النصف الثاني من آب الماضي بعدما تراجع الاحتياط بمقدار 234 مليون دولار في النصف الاول من الشهر نفسه. واذا كان التهافت على الدولار الاميركي في سوق القطع ببيروت استمر منذ بداية السنة الجارية، وتحديداً منذ ان اطلق رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون تحذيره الشهير عن "السفينة المثقوبة"، اي الاقتصاد اللبناني، شهد الشهر الماضي "هجمة على العملة الخضراء" بعدما سارعت شرائح واسعة من المدخرين والمستثمرين بالليرة اللبنانية الى التخلي عن العملة الوطنية في موازاة الاضطراب السياسي الذي رافق حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الامنية على عدد من المعارضين السياسيين وتمخض عنها اتهامات بالتعامل مع اسرائيل لم يقل القضاء كلمته فيها بعد. واظهر بيان الوضع الموجز لمصرف لبنان في مدى آب تراجعاً لافتاً في احتياط العملات بما يزيد على 624 مليون دولار اميركي. واكدت مصادر متابعة ان الاصدار السيادي الاخير البالغ 750 مليون دولار الذي تم الاكتتاب فيه اواخر تموز يوليو من قبل عدد من المصارف المحلية، جاء ليعزّز فرص تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع عارضاً الدولار في الوقت الذي شحّت او اختفت فيه العروض من قبل المصارف. وعادة ما يتدخل مصرف لبنان في السوق حفاظاًً على استقرار سعر الصرف الثابت منذ ايلول سبتمبر 1999 عند مستوى وسطي يساوي 1507.5 ليرة للدولار الواحد، علماً ان الصفقات تتم عند السقف الاعلى المحدد ب1515 ليرة. وأضافت مصادر اقتصادية، الى جملة الاسباب "السياسية الامنية" التي لها تأثير بالغ في ثقة اللبناني بعملته، تفاقم ازمة الدين العام الذي تجاوز 24 بليون دولار اذ باتت الايرادات عاجزة عن تغطية خدمة الدين فقط، اي ان صرف الرواتب فضلاً عن النفقات الجارية الاخرى والنفقات الاستثمارية القليلة نسبياً تتم بالاستدانة وتحديداً بالعملة اللبنانية، عبر اصدار سندات خزينة تصل فوائدها الى 14 في المئة وبالعملات الاجنبية الى ما بين 10 و11 في المئة حسب فترة الاستحقاق. وبدأ المدخرون والمستثمرون بالليرة يفضلون التحول الى الدولار نظراً الى ضيق الهامش بين فوائد العملتين اذ ان تحمل مخاطر الليرة اضحى غير ذي جدوى حقيقية في ظل غياب رؤية كاملة مبرمجة مدروسة للخروج من فخ الديون العامة ونسبتها اكثر من 155 في المئة من اجمالي الناتج. ولجأ مصرف لبنان الى اجراء عمليات استبدال سواب الشهر الماضي على سندات بالليرة ممدداً أجلها ومغرياً اصحابها بفائدة وصلت الى ما بين 16 و18 في المئة. ومع ذلك تشهد المناقصة الاسبوعية التي يجريها المصرف لحساب وزارة المال بإصدار سندات بالليرة عجزاً يضطر المركزي لتغطيته الامر الذي وصفه صندوق النقد الدولي ب"التنقيد" اي خلق النقد. ووصلت قيمة محفظة مصرف لبنان من السندات الى نحو 5.5 ألف بليون ليرة بعدما كانت لا شيء تقريباً العام الماضي. وتقلّل حاكمية مصرف لبنان من خطورة الوضع النقدي وتكرر في مناسبة، او من دونها، انها متمسكة باستقرار سعر صرف الليرة لكنها تشدد على اهمية المضي في سياسة الاصلاح المالي والاقتصادي عموماً ولجم الدين العام بالتخصيص وزيادة الايرادات على وجه الخصوص. يُذكر ان احتياط مصرف لبنان في تناقص مستمر منذ بداية عام 2000 وكان بلغ في بدايته نحو 7.6 بليون دولار ثم انخفض الى 5.9 بليون دولار نهاية العام وبات الآن لا يتجاوز 4.146 بليون دولار، علماً ان الودائع العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر تزيد قيمتها على 1.1 بليون دولار، وهي وُظّفت بفوائد متدنية في مصرف لبنان لآجال طويلة لتعزيز الاحتياط وزيادة القدرة على التدخل في سوق القطع ومنع اهتزاز سعر الصرف امام الهجمات المتتالية على اقتناء الدولار والتخلي عن العملة الوطنية. وبعد تناقص الاحتياط على هذا النحو المثير لجأ مصرف لبنان في حزيران يونيو الماضي الى جمع ما يزيد على 700 مليون دولار من المصارف لثلاث سنوات بفائدة 9.5 في المئة في الوقت الذي تستمر فيه معدلات الفائدة بالانخفاض في الاسواق الدولية. ويذكر اخيراً ان رقم احتياط العملات في موازنة مصرف لبنان يتضمن ما لا يقل عن 3.5 بليون دولار هي عبارة عن ودائع للمصارف المحلية. وفي قراءة مقارنة للارقام يؤكد متابعون ان مصرف لبنان بحاجة الآن لاصدار سيادي جديد يعزّز به احتياطه، وهو ينتظر ما ستؤول اليه مشاورات بعيدة عن الاضواء يقوم بها رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري لاقناع جهات دولية بضمان اصدار سندات دين لبنانية او ايداع مبالغ في "المركزي" تكون عوناً للحكومة في مجالين: الاول، خفض كلفة الدين... والثاني تعزيز الاحتياط لتأمين استمرار الحفاظ على الاستقرار النقدي. وهذا الانتظار قد يطول لأن الموعد المضروب لذلك وتحديداً لمؤتمر باريس، تأجل من الصيف الى نهاية السنة الجارية وقد يكون بداية السنة المقبلة... اذا عُقد. يُشار الى ان سياسة الاستقرار النقدي المتبعة منذ 1993 تحمي اصحاب الرواتب بالليرة الذين يزيد عددهم على 210 آلاف في القطاع العام وحده، فضلاً عن مصالح من وظّف في سندات الدين بالعملة الوطنية، اذ تبلغ نسبة الدين الداخلي الاجمالي 70 في المئة اي نحو 19 بليون دولار!