تبنى مجلس الأمن قراراً شكّل سابقة في العزم الدولي على مكافحة الإرهاب، وسجل مظاهر التضامن الدولي، لكنه أثار انقسامات ومخاوف لدى الأسرة الدولية لما ينطوي عليه من صلاحيات خُصصت لمجلس الأمن والدول الخمس الدائمة العضوية، ومن لا تعريف للإرهاب. وتضمن القرار اجراءات ملزمة للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، نتيجة تبنيه بموجب الفصل السابع من الميثاق، وهو هدد باجراءات لمعاقبة الدول التي لا تنفذ القرار من خلال "تصميم" مجلس الأمن على "اتخاذ كل الخطوات اللازمة لكفالة" تنفيذه. وانعقد المجلس في ساعة متقدمة ليل الجمعة وتبنى بالاجماع القرار الذي حمل الرقم 1373. وجدد المجلس تأكيد "الحق الراسخ للفرد أو الجماعة في الدفاع عن النفس"، في إشارة إلى حق الولاياتالمتحدة في استخدام القوة بعد الهجمات الإرهابية في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا في 11 أيلول سبتمبر الجاري. وأعرب عن "بالغ القلق من تزايد الأعمال الإرهابية بدافع من التعصب أو التطرف، في مناطق مختلفة من العالم"، وذلك تلبية لتعديل روسي ادخل على مشروع القرار الأميركي. وقرر المجلس أن على كل الدول "منع تمويل الأعمال الإرهابية ووقفه"، و"تجريم قيام رعايا هذه الدول عمداً بتأمين الأموال أو جمعها، بأي وسيلة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو في أراضيها كي تستخدم في أعمال إرهابية، أو في حال معرفة أنها ستستخدم" في هذه الأعمال. وفي فقرة اتسمت بغموض، أثار مخاوف بعض الدول، أكد القرار 1373 أن على الدول أن تبادر "من دون تأخير إلى تجميد الأموال وأي أصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالاً إرهابية، أو يحاولون ارتكابها، أو لكيانات يمتلكها أو يتحكم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هؤلاء الأشخاص، أو لأشخاص وكيانات تعمل لحساب هؤلاء الأشخاص والكيانات، أو بتوجيه منهم، بما في ذلك الأموال المستمدة من الممتلكات التي يملكها هؤلاء الإرهابيون، ومن يرتبط بهم من أشخاص وكيانات أو الأموال التي تدرها هذه الممتلكات". وتساءلت وفود غربية وعربية من هو المعني في غياب تعريف للإرهاب لا سيما أن فقرة أخرى في القرار تلزم الدول أن تحظر على رعاياها أو "أي أشخاص أو كيانات داخل أراضيها إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية أو غيرها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً ارهابية أو يحاولون ارتكابها أو يسهلون أو يشاركون في ارتكابها، أو للكيانات التي يمتلكها أو يتحكم فيها، مباشرة أو غير مباشرة، هؤلاء الأشخاص، أو للأشخاص والكيانات التي تعمل باسمهم أو بتوجيه منهم". واللافت أن مجلس الأمن للدول طالب بالامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم "سواء كان فعلياً أو سلبياً" إلى الكيانات والأشخاص الضالعين بالأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك "وضع حد لتجنيد أعضاء الجماعات الإرهابية ومنع تزويد الإرهابيين سلاحاً". وجاء في القرار أيضاً أن على كل الدول اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية، ويشمل ذلك "الانذار المبكر للدول الأخرى عن طريق تبادل المعلومات"، واتخاذ التدابير المناسبة "قبل صفة مركز اللاجئ، لضمان عدم تخطيط طالبي اللجوء أعمالاً ارهابية أو تيسيرها أو الاشتراك في ارتكابها". كما طالب القرار كل الدول ب"عدم تأمين الملاذ الآمن لمن يمولون الأعمال الإرهابية أو يدبرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها، ولمن يؤمنون الملاذ الآمن للإرهابيين". وشدد على "منع من يمولون الأعمال الإرهابية أو يدبرونها أو ييسرونها أو يرتكبونها في استخدام أراضي الدول في تنفيذ تلك المآرب"، و"ضمان تقديم أي شخص يشارك في تمويل أعمال إرهابية أو تدبيرها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة". ويقضي القرار بأن تدرج الأعمال الإرهابية في القوانين والتشريعات المحلية بوصفها "جرائم خطيرة" تعكس عقوباتها جسامة تلك الأعمال "بالإضافة إلى أي تدابير أخرى قد تُتخذ". والزم القرار الدول الأعضاء في الأممالمتحدة "تزويد كل منها الأخرى أقصى مقدار من المساعدة في ما يتصل بالتحقيقات أو الاجراءات الجنائية المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية أو دعمها، ويشمل ذلك المساعدة في حصول كل منها على ما لدى الأخرى من أدلة لازمة للاجراءات القانونية". ويفرض القرار منع تحركات الجماعات الارهابية "عن طريق فرض ضوابط فعالة على الحدود وعلى إصدار أوراق الهوية ووثائق السفر، واتخاذ التدابير لمنع تزويرها، أو انتحال شخصيات حامليها". وفي إطار تبادل المعلومات الاستخباراتية طلب المجلس من كل الدول "التماس سبل تبادل المعلومات" المتعلقة بتحركات الارهابيين "من استخدام الجماعات الإرهابية تكنولوجيا الاتصالات" إلى التهديد الذي يشكله امتلاكها "أسلحة الدمار الشامل". كما طلب التعاون لمنع الاعتداءات الإرهابية وقمعها والانضمام في أقرب وقت إلى الاتفاقات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب. ولاحظ مجلس الأمن "الصلة الوثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة عبر الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسل الأموال والاتجار غير القانوني بالأسلحة والنقل غير القانوني للمواد النووية والكيماوية الجرثومية". وأكد على ضرورة "تعزيز تنسيق الجهود على الصعيد الوطني ودون الاقليمي والدولي، تدعيماً للاستجابة العالمية في مواجهة التحدي والتهديد الخطيرين للأمن الدولي". وأنشأ المجلس بموجب القرار لجنة تابعة له تتألف من كل أعضائه، لتراقب التنفيذ بمساعدة "الخبرات المناسبة". وحض كل الدول على تزويد اللجنة تقارير عن الخطوات التي اتخذت تنفيذاً للقرار، في موعد لا يتجاوز 90 يوماً "وأن تقوم الدول بذلك في ما بعد وفقاً لجدول زمني تقترحه اللجنة". وطلب من اللجنة أن تحدد بالتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة مهماتها، وتقدم برنامج عمل في غضون 30 يوماً. ووصف رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري سفير فرنسا جان دافيد ليفيت، تبني القرار بأنه "صناعة للتاريخ". مشيراً إلى "استراتيجية شاملة وطموحة" لمحاربة الإرهاب. أما السفير الأميركي الجديد نغرو بونتي فاعتبر القرار "سابقة"، إذ يلزم كل الدول عدم "تمويل أو دعم أو تأمين الملاذ الآمن" للإرهاب، و"تبادل المعلومات" ووضع "آلية" لمراقبة تنفيذ الدول القرار الملزم للجميع. وكانت المجموعة العربية لدى الأممالمتحدة عقدت اجتماعاً قبل تبني القرار، ووضعت أمام بعض الدول الدائمة العضوية تساؤلات واستفسارات. وقال مندوب جامعة الدول العربية السفير حسين حسونة: "مطلبنا الأساسي مكافحة الإرهاب من خلال الأممالمتحدة، إنما النصوص غير واضحة، وهي تخول إلى الدول استخدام القوة العسكرية". وزاد ان "المعايير في تعريف الإرهاب غير واضحة، وهذا قد يُستغَل" من قبل بعضهم. وتحدث عن أسئلة طرحت خلال الاتصالات العربية مع أعضاء مجلس الأمن، على نسق "هل القرار موجه ضد فئة من الإرهابيين الدوليين، كالذين ارتكبوا أعمال 11 أيلول، أو ضد فئة أخرى قد تُصنف إرهابية، فيما آخرون لا يعتبرونها كذلك". وأكد أن المخاوف تستند إلى "اللاتعريف للإرهاب والإرهابيين، ولا تحديد للجهة المستهدفة، ولا إجابة على من هو الإرهابي ومن يحدد ويُعرِف إن كان إرهابياً". ولفت إلى إصرار الدول العربية على التمييز بين "الإرهاب والحق المشروع في الكفاح المسلح ضد الاحتلال". لكن التحفظات والمخاوف لم تقتصر على المجموعة العربية، بل شملت دولاً أخرى ومجموعات مخالفة، بعضها أشار إلى "الولاية الواسعة والغامضة" الواردة في القرار، و"افتقاده الشفافية اللازمة"، و"تصرف مجلس الأمن الذي يضم 15 دولة من دون تشاور ضروري مع بقية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، حول قرار يشبه المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات الدولية، التي هي من صلاحية الجمعية العامة تقليدياً". وقال ديبلوماسي غربي، اشترط عدم ذكر اسمه: "يبدو أن خمس دول دائمة العضوية في المجلس استرقت لنفسها صلاحية تفسير وتعريف من هو الارهابي وماذا هو الإرهاب. نصّبت نفسها الطرف التشريعي، والطرف القضائي في ما يخص الإرهاب". وعلى رغم التحفظات عن مستقبل ما يعنيه القرار السابق، لازم القرار 1373 عزم المجموعة الدولية على إصدار موقف سياسي عنوانه العزم الجماعي على مكافحة الإرهاب.