أكمل من حيث توقفت أمس في عرض بعض جوانب الحملة على الاسلام بعد الارهاب في أميركا، فقد بدأت أجمع ملاحظاتي عن الموضوع، عندما رأيت ممثل افغانستان في باكستان يتحدث امام شبكات التلفزيون العالمية. كان الرجل يتحدث بلغته، أي احدى اللهجات الأفغانية، ومعه مترجم ينقل الى الانكليزية. ثم تلا من القرآن الكريم آيات ضد القتل، فإذا بمراسل "سي إن إن" أمامه يهمس لمذيع البرنامج في الاستوديو في اتلانتا أن الرجل تحول الى العربية، وأخذا يتهامسان حول "الرمز" في ذلك، وأهمية الموضوع، مع ان كل ما في الأمر هو ان الديبلوماسي الأفغاني كان يستشهد بالقرآن الكريم، وهو ما أشار اليه المترجم ولكن من دون محاولة الترجمة، لأنه يحتاج الى أن يكون دقيقاً جداً. وإذا كانت شبكة تلفزيون عالمية من مستوى "سي إن إن" لا تعرف، فإن القارئ العربي أو المسلم يستطيع ان يتصور مدى الجهل العام. أحقر ما قرأت نشرته "الصنداي تلغراف"، وكان بعنوان "هذا العمل كله بدأ في المملكة العربية السعودية" وتحته عنوان فرعي يعيد جذور الارهاب الى "الوهابية". كاتب المقال اسمه ستيفن شوارتز، أي انه يهودي، والمقال نشر اصلاً في مجلة "سبكتيتور" ونقلته الجريدة لتعميم الفائدة، فهي تبيع مليون نسخة، أي ان قراء ذلك السخف تجاوزوا مليونين. شوارتز، أو شفارتز، يقول ان الهجمات الارهابية في 11 أيلول سبتمبر لا تعبر عن التفكير الاسلامي العام، فغالبية المسلمين في أميركا وبريطانيا والعالم مواطنون صالحون، ولكن اذا سئل المسلمون المثقفون والمخلصون لدينهم عن سبب الاندفاع نحو الارهاب "أجابوا بكلمة واحدة هي: الوهابية". شغل المقال أكثر من ثلث صفحة وخلا اطلاقاً من أي اشارة الى المذهب الحنبلي، حتى بدا وكأن "الوهابية" مذهب قائم بذاته يتبعه السعوديون كافة، وليس دعوة لاحياء المذهب الحنبلي. لن أسر الكاتب اليهودي بنقل ما فاضت به نفسه المريضة من اهانات، ولكن انقل من آرائه العجيبة ان الانتحاريين في فلسطين والاسلاميين في مصر والجزائر وهابيون. أما صدام حسين وياسر عرفات فوضعهما في خانة اليسار الملحد. وهو في النهاية يحمل على المملكة العربية السعودية ويقول انها أخطر في مجال الاسلام الراديكالي من العراق وليبيا. مرة اخرى، المقال نشر في جريدة لندنية واسعة الانتشار جداً ومجلة نافذة، ثم تلقيته على الفاكس من مكتبنا في واشنطن، ما يعني أنه نشر في الولاياتالمتحدة أيضاً. وهو مثل كاتبه مجبول بالكذب واللؤم، وفي سوء سلاح كيماوي. ولا أعرف كيف تستطيع الدول العربية والمسلمة الرد، فهذا واجبها قبل أن يصدق الناس العاديون في الغرب ما ينفث اصدقاء اسرائيل من سموم. ميلاني فيليبس في "الصنداي تايمز"، أوسع الصحف الرصينة انتشاراً، تبدأ بالقول ان الارهابيين في اميركا هاجموا "القيم الغربية"... يعني انها تريد ان تقنعنا بأن خمسة انتحاريين أو أربعة في كل طائرة، فكروا في الديموقراطية الاميركية، ووجدوا انهم لا يستسيغونها الى درجة ان يقتلوا أنفسهم والناس. والكاتبة لا تهاجم الاسلام مباشرة، وانما تطرح فكرة رفض تقدم القيم الغربية والمبادئ، فهي وشفارتز قبلها وكل الاعتذاريين لاسرائيل، يحاولون جهدهم انكار السبب الاسرائيلي لغضب العرب والمسلمين الذي أفرز ارهابيين ندينهم بلا تحفظ. وتقول الكاتبة ان اسرائيل لم تقم بالقوة، بل ان الأممالمتحدة قررت بعد المحرقة النازية لليهود أن يجتمع اللاجئون اليهود في بلد. طبعاً هذا البلد هو فلسطين، وفيه شعب لا يزال موجوداً في الداخل والخارج، والكاتبة لا تقول ان الأوروبيين هم الذين قتلوا اليهود، ثم قرروا ان يعطوهم بلد شعب آخر، فزادوا على جريمة قتل اليهود جريمة سرقة أرض الفلسطينيين. على كل حال، هذه أمور نعرفها، وهي مثل ان "الشمس تطلع من الشرق" فألف كاتب يهودي وكاتبة لن يغيروا الحقيقة. ولكن الكاتبة تكمل بالزعم ان قبول اسرائيل هو مقياس الأخلاق، وان من واجب المسلمين المعتدلين ان ينهضوا ويقولوا ذلك. اسرائيل اليوم بلد عنصري يرأس حكومته مجرم حرب جمع حوله قتلة ومتطرفين مثله. وما دامت المسألة استفزازاً متبادلاً فإنني أقول لشفارتز وفيليبس وأمثالهما انني سحبت قبولي اسرائيل في منطقتنا، فقد مضى وقت رأيت فيه العرب والعالم في طريق السلام، وقررت أن أقبل وجود اسرائيل من دون أن أعترف بها، ولكن الجرائم الاسرائيلية تجعلني أعود عن هذا القبول. وفي حين انني أرفض العمليات الانتحارية التي تنفذها "حماس" و"الجهاد"، وأدين بالمطلق كل ارهاب مماثل، فإنني أسجل انني مع اهداف "حماس" و"الجهاد" ومع الاصرار على رفض اساليبهما. كل الارهاب من عرب أو مسلمين، في 11 ايلول وقبل ذلك وبعده، سببه الانحياز الاميركي الكامل لاسرائيل، فقد تكون هناك أسباب أخرى، الا ان اسرائيل هي السبب الذي أطلق كل سبب آخر، فقد كانت السرطان الذي نهش جسم الأمة ولا يزال. واشتركت الأسبوع الماضي والزميل عبدالرحمن الراشد في برنامج "60 دقيقة" لشبكة "سي بي إس" الاميركية وسئلنا عن سبب كره السياسة الاميركية، وبدا كل منا صدى للآخر، ونحن نقول انه الانحياز الأعمى لاسرائيل. وتكرر السؤال بصيغ مختلفة وتكرر الرد الواحد. وقال لنا المذيع انه وصل ذلك اليوم الى لندن من القاهرة، وكان سمع الكلام نفسه فيها. وهو الكلام نفسه في كل بلد عربي ومسلم، ولكن أنصار اسرائيل يحاولون ان ينقلوا التهمة من الجريمة الاسرائيلية الى الاسلام، وهذا ما يجب أن نقاومه جميعاً.