أقول للدكتور غازي القصيبي "فالج لا تعالج"، ثم أبدأ من البداية. وبداية التاريخ الحديث هي 11 ايلول سبتمبر، فقد صاروا يؤرّخون بهذا اليوم كأن يقال قبل 11 ايلول، او بعده. وقد تميز عصر ما بعد ذلك الثلثاء الرهيب بحملة على الاسلام والمسلمين لم تبق ولم تذر. وكنت في مقالين متتاليين الاسبوع الماضي حاولت ان أردّ بما أوتيت من معرفة محدودة على بعض الإساءات، واخترت مجموعة من المقالات في الصحف الأميركية والبريطانية، سجلت بينها مقالاً سفيهاً لستيفن شوارتز، الذي يدل اسمه على انه يهودي، نشرته جريدة ال"صنداي تلغراف" في 23 ايلول. ووجدت المقال مزيجاً من الجهل الفاضح والكذب الصريح، حتى ان صاحبه يعتقد، او يريد لقارئه ان يصدق ان "الوهّابية" مذهب اسلامي يدين به كل الارهابيين من الجزائر الى افغانستان، مروراً بمصر ولبنان وفلسطين وغيرها. العدد الاخير من ال"صنداي تلغراف"، الصادر يوم الاحد في 30 ايلول، حمل رداً مفصّلاً من السفير السعودي في لندن، وضع الأمور في نصابها بشكل مفحم. هذا جميل لولا ان عدد الجريدة المنتشرة والنافذة ضم مجموعة من المقالات البذيئة في حملة مستمرة تخلط الحقائق، او تقلبها، وأهم من ذلك انها تجعل العدو، عدو الجريدة وبالتالي اسرائيل، وحشاً مفترساً لا يعالج إلا بالقتل ككلب كَلِبْ، لانقاذ الناس الطيبين منه. شغل ثلاثة ارباع الصفحة الاولى مقابلة مع شرطي افغاني مزعوم عنوانها "كنت احد ممارسي التعذيب عند طالبان: كنت اصلب الناس". وباختصار فرجل اسمه حافظ صديق الله حسّاني يزعم انه كان حارساً شخصياً للملاّ عمر، وأنه عمل في استخبارات طالبان، ثم يطلق العنان لخياله في وصف صنوف التعذيب التي يتعرض لها ضحايا طالبان. وبما ان بقية المقال في الصفحة الثانية، وتشغل ربعها، فالعنوان هذه المرة هو "لا يوجد مكان آخر في العالم مثل افغانستان تمارس فيه هذه البربرية والوحشية". اريد ان اقول بمنتهى الوضوح انني لا اتهم الرجل بالكذب، ولكن لا اعرف ان كان صادقاً. وهو ان صدق يكون من أحط انواع البشر، واعترافه لا يعفيه من مسؤوليته عما مارس، بل يجب ان يعاقَب. اهم مما سبق ان الموضوع يجعل رجال طالبان خارج نطاق اي انسانية يعرفها البشر، وإبادتهم بالتالي لا تعني قتل ناس كسائر البشر. لو كان التحقيق الأهم في الجريدة كلها موضوعاً يتيماً لربما ما استحق أكثر من وقفة عابرة، غير ان عدد الأحد الماضي ضمّ ايضاً الاخبار التالية: - بريطانيا تستهدف ارباح ابن لادن من تجارة المخدرات. - جزّارو ابن لادن ينشرون الرعب. - العراق يعد مواطنيه الخائفين لتوقّع الأسوأ. - عالم فيزيائي فار يقول ان صدام حسين يملك ترسانة من الأسلحة الجرثومية. - الرقم 10 داوننغ ستريت لم يطلع على خطأ "فلسطين" المقصود اشارة وزير الخارجية جاك سترو الى فلسطين. - ام آي 5 الاستخبارات البريطانية تجنّد جواسيس مسلمين للتجسّس على الشبكات الاسلامية. أتوقف هنا لأقول انه كانت هناك مجموعة من التحقيقات الموضوعية، وتلك التي يمكن ان تنشرها اي جريدة محترمة، ولكن مجموعة المقالات الحقيرة أقنعتني مرة اخرى بأن الجرائد الاسرائيلية افضل من ال"ديلي تلغراف" وال"صنداي تلغراف" اللتين يملكهما كونراد بلاك. بلاك هذا تخلى عن جنسيته الكندية ليصبح لورداً مدى الحياة في انكلترا، وتصبح زوجته بربارة اميل "ليدي". والليدي بربارة صحافية يهودية ليكودية النَفَس، وقد تقلصت امبراطورية زوجها الصحافية كثيراً في السنوات الاخيرة، وهي تواجه الآن صعوبات مالية، ولكن لا أعتقد ان لذلك علاقة بمسخ هذه الجريدة المحافظة الى نشرة صهيونية. وأصل الى ردّ الدكتور غازي القصيبي، فهو أعطي مكاناً بارزاً في رأس الصفحة، ولكن قرأت في الصفحة المقابلة، وبما يعادل ضعفي ردّ السفير تحقيقاً عن كولن باول كتبه مارك ستاين، واسمه يدل على انه يهودي آخر، يهاجم وزير الخارجية الاميركي بشكل سفيه سخيف، فهو يقول ان باول أخطأ قبل عشر سنوات، وطبعاً لا يقصد تحرير الكويت، وإنما عدم تدمير العراق، وهو يخطئ اليوم، ايضاً لأنه لا يريد تدمير افغانستان على رؤوس الابرياء، فيردّ على جريمة نيويورك وواشنطن بمثلها. بل ان الكاتب المنحط يستشهد بفيلم هزلي لدعم الحملة على افغانستان. ماذا أزيد؟ ليكتمل سعدي الشخصي وجدت في اسفل الصفحة عن باول قصيدة عنوانها "جهاد"، باسم افغاني يريد الخلاص. وأقول للدكتور غازي القصيبي مرة اخرى "فالج لا تعالج". فشوارتز كتب في 23 ايلول وردّ عليه السفير في 30 منه. وجاء اول هذا الشهر فقرأت في جريدة "اوتاوا سيتزن" مقال شوارتز نفسه ولكنه كان هذه المرة من مايك تريكي الذي اعتبر "الوهّابية" مذهباً قائماً بذاته، فمقاله خلا من كلمة واحدة عن المذهب الحنبلي، وهو قال ان "الوهّابية" تبشّر بالارهاب، وأن الوهّابي يعتبر المسلم من غير مذهبه "كافراً" هكذا حرفياً. لا احتاج الى ردّ في جريدة يقرأها عرب ومسلمون، غير ان هذا الكذب المتعمّد يقرأه من قد يصدّقه، والردّ عليه يجب ان يكون حيث نشر، كما فعل السفير السعودي. وكتبت هذه السطور السبت، واليوم الأحد، فننتظر ما ستطلع به جريدة اللورد والليدي.