لا أدري اذا كان زعماء اليهود يضحكون على انفسهم او يضحكون علينا، فهم يرفضون ان يعترفوا بأن اسرائىل مشكلة، او سبب المشكلة، او انها تمارس سياسة مجرمة هي المسؤولة قبل اي طرف آخر عن الارهاب المضاد. كنت اعد رداً خاصاً على قارئ امس، وعدت الى ما جمعت من قصاصات، ووجدت ان المادة المتوافرة من يوم واحد فقط، هو الاثنين، تظهر عمق الهوة مع يهود العالم الذين يدافعون عن اسرائىل، بشكل يجعلهم شركاءها في الجريمة لأنهم يشجعونها على ارتكابها، ثم يرتكبون جريمة اخرى عندما يتسترون على الجريمة، بالاصرار على عدم رؤية ضحايا اسرائىل. في نيويورك، نشرت جريدة "نيويورك تايمز" النافذة جداً تحقيقاً طويلاً موضوعه ان بعض زعماء اليهود الاميركيين يعتبرون الشراكة مع المسلمين كانت من ضحايا ارهاب 11 ايلول سبتمبر. وقرأت عجباً وحرفياً: "في بعض المدن انسحب حاخامات وزعماء يهود علمانيون من حوارات مع قادة المسلمين، وهم يشكون من ان المسلمين يؤيدون الهجمات الانتحارية في اسرائىل في حين انهم نددوا بالهجمات في الولاياتالمتحدة". هكذا حرفياً، وأكبر خطأ في ما سبق، وهو خطأ يهبط الى درك الجريمة، ان زعماء اليهود الاميركيين يساوون بين الاثنين، الهجمات في اسرائىل والهجمات في اميركا. لا وجه شبه على الاطلاق بين اميركا واسرائىل، فالأولى ضحية ارهاب غير مبرر، والثانية ترتكب الارهاب، وتحتل ارضاً بالقوة المسلحة منذ 34 سنة، وتقتل وتدمر. وفي غرابة ذلك ان التحقيق ينسب الى مالكولم هونلاين، نائب الرئىس التنفيذي لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئىسية، قوله ان على الجماعات اليهودية ان تكون حذرة حتى لا تفتح حواراً مع جماعات اسلامية تعادي اسرائىل. اين سيجد هونلاين جماعات اسلامية لا تعادي اسرائىل؟ هل هو يضحك على نفسه او علينا، ولماذا لا يسأل عن سبب هذا العداء، اذا كان يريد له ان ينتهي. في لندن، نشرت "التايمز" تحقيقاً اطول عرض فيه دانيال فنكلستين "قضية" اليهود، واستجوب زعماءهم. وما لفتني مرة اخرى في التحقيق الطويل عمى كامل عن جرائم اسرائىل فكأنها لا تحدث كل يوم، وكأن كره اليهود والصهيونية ومعهما اسرائىل، غضب من السماء لا نتيجة واضحة لجرائم حقيقية على الارض. فنكلستين يتحدث عن الحراسة القوية على كنيس لليهود في شمال لندن، ولكنه عندما يسأل لماذا يحتاج اليهود الى حماية يكاد يفسر ذلك بأن العنصريين يكرهون اليهود لأنهم يهود، ولا يذكر اسرائىل مرة واحدة كسبب، بل انه يعود ليقول ان اليهود يرون الهجمات الانتحارية في اميركا واسرائىل كشيء واحد. ومرة اخرى، كيف هما شيء واحد والولاياتالمتحدة معتدى عليها، واسرائىل معتدية تحتل الارض وتقتل الاطفال؟ تحقيق "التايمز" ينسب الى جو فاغرمان "رئىسة مجلس النواب اليهود في بريطانيا" قولها انه كان هناك حوار مع المجلس الاسلامي ثم حرفياً: "ذهب احد زعماء المجلس الاسلامي الى طهران لحضور ما نعتبره مؤتمراً للارهاب العالمي وألقى خطابات تؤيد حماس، المنظمة الارهابية الاسلامية ونشاطها، وعند ذلك لم يبقَ شيء يمكن الحديث عنه". عند ذلك اصبح هناك كل شيء للحديث عنه، فالعرب والمسلمون يعتبرون اسرائىل دولة الارهاب، وسبب الارهاب، وبما ان اليهود يرون عكس ذلك فإن من الواجب الجلوس والتفاوض، فإما ان يقتنع طرف برأي الطرف الآخر، او يجد الطرفان ارضية مشتركة، يمكن ان ينطلقا منها لمعالجة اسباب الخلاف والعداء. الحاخام ستيفن كاتز يخاف على اسرائىل خوفاً يمنعه من التفكير السليم فهو يقول انه "حتى لو ان اسرائىل اختفت عن الوجود وهو يقول: لا سمح الله، وأنا اقول: ان شاء الله، فإن الاميركيين كانوا سيتعرضون لهجوم لأن الهجوم كان على المدنية وعلى الديموقراطية وعلى الحرية". هل يصدق هذا الحاخام نفسه؟ الارهابيون الذين نفذوا عمليات اميركا ماتوا، ولكن ألم يقرأ ما نسب اليهم، والى الذين ارسلوهم؟ هل يصدق عاقل ان ارهابياً صدم بطائرة ركاب مدنية برجاً لأنه يعارض "المدنية"؟ اوقح من كل ما سبق شكوى خبير برامج كومبيوتر هو ريتشارد ايزاكس عن الرياء في دعوة الولاياتالمتحدة الى العدالة بعد تعرضها للارهاب، واصرار العالم الا ترد اسرائىل. الفارق، للمرة الثالثة او الرابعة، هو ان اسرائىل هي الارهابية وهي المعتدية، وهي التي تحتل ارضاً بقوة السلاح وتضطهد شعبها. ولو كانت هناك المساواة في المعاملة التي يطالب بها ايزاكس لكانت الحرب على الارهاب شنت على اسرائىل قبل طالبان او على الاثنين معاً. ماذا ازيد، في اليوم نفسه ايضاً الصهيونية بربارة اميل كتبت في "الديلي تلغراف" مقالاً بعنوان "الغرب يحارب لانقاذ الاسلام لا لتدميره" وورد فيه تحريف من نوع ان حزب الله منظمة ارهابية، تطلق صواريخ كاتيوشا على مدارس الكيبوتزات من سهل البقاع، وان الولاياتالمتحدة تركت لأسباب تكتيكية سورية وحزب الله من قائمتها الاخيرة عن المنظمات الارهابية. وأولاً، الاسلام لا يحتاج الى انقاذ، وثانياً حزب الله حركة تحرر وطني سبب قيامها نفسه ارهاب اسرائىل، وثالثاً صواريخ كاتيوشا لا تصل من سهل البقاع الى شمال فلسطينالمحتلة، ورابعاً اسرائىل هي التي تقتل اطفال المدارس، فثلث شهداء انتفاضة الاقصى من الاطفال، وخامساً، اذا استمر يهود العالم في التستر على جرائم اسرائىل، وانكار ارهابها الى درجة نقل قتلها الاطفال الى اعدائها، فإن الكره سيزيد، والعداء سيكبر، والمشكلة الاسرائىلية لن تحل.