رشح الميجور جنرال يواف غالانت رئيساً للأركان في إسرائيل فقامت حوله ضجة عرفت باسم «قضية غالانت»، هي باختصار ان غالانت ضم أرضاً في جوار بيته واقتطع لنفسه مزرعة بطرق ملتوية وغير شرعية، ما يعني انه لا يصلح رئيساً للأركان. أرى ان ما اعترض عليه خصوم غالانت يجعله أكثر جنود إسرائيل تأهيلاً للمنصب، فإسرائيل كلها قامت على خرافات دينية لسرقة أراضي الفلسطينيين، وفيها اليوم حكومة فاشستية تواصل السرقة والتدمير والقتل، لذلك فالجنرال غالانت هو أفضل من يمثل الحكومة والجيش والدولة كلها، ولا أفهم أن يُسحب ترشيحه لارتكابه ما تمارس إسرائيل كل يوم. أعرف أن ما سبق هو رأيي ورأي كل قارئ عربي، حتى ان إثارته من جديد تبدو من نوع «لزوم ما لا يلزم» لولا سبب الاعتراض على ترشيح غالانت، ولولا أن رأي العرب والمسلمين في إسرائيل أصبح رأي العالم كله، فهناك الآن حملات على الاحتلال وشروره ليس لنا دور فيها أو فضل، وإنما سببها ان لا أحد يستطيع ان يخدع كل الناس كل الوقت، كما قال أبراهام لنكولن يوماً. في مقال بعنوان «إسرائيل تخسر الحرب النفسية»، قرأت ان هذه الظاهرة لا تتمثل فقط بعداء الميديا، أو المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، وإنما تشمل طبقتي الانتلجنسيا والسياسة، وبما يتجاوز اليسار الى الطبقات الوسطى. في بريطانيا، الذين يحاولون تصوير إسرائيل كشيطان ويريدون نزع الشرعية عنها يشملون الجامعات والكنيسة والمسرح ودور النشر وهيئات المتطوعين، وجزء مهم من وزارة الخارجية وأعضاء البرلمان من مختلف الأحزاب، بالإضافة الى الميديا. كاتبة الكلام السابق هي ميلاني فيليبس، وهي يهودية بريطانية ليكودية تدافع عن إسرائيل في وجه العالم كله، وهي من الوقاحة أن تعتبر أمثالها مصيبين والعالم على خطأ. هل يجوز أن أقارن هذه المتطرفة بالقس دزموند توتو، رئيس أساقفة جنوب أفريقيا؟ لا أفعل، ولكن أقول ان القس توتو اتهم إسرائيل بممارسة العنصرية، أو ابارتهيد جنوب أفريقيا السابقة، وفي بلده الآن واحدة من أنشط حملات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وهي تضم مئات بعد أن بدأت بمحاولة جامعة جوهانسبورغ إنهاء تعاملها مع جامعة بن غوريون في النقب، وهذا مع العلم ان الجامعة الإسرائيلية هذه تضم بعض أفضل اليهود المدافعين عن الفلسطينيين من معارضي الاحتلال. أستطيع أن أؤلف كتاباً عن معارضي تطرف إسرائيل وجرائمها، فأكبر حملة BDS، أي مقاطعة وسحب استثمارات وعقوبات، مسرحها الجامعات الأميركية، وهناك يهود كثيرون بين أنصار هذه الحملات أعرف عن نشاطهم من المواقع الليكودية التي تهاجمهم. في المقابل، هناك من يدافع عن اسرائيل في وجه العالم كله، ونشاط هؤلاء يحتاج الى موسوعة لا مجرد كتاب، غير انني أكتب عجالة صحافية، وأذكّر القارئ بطلب نيوت غينغريتش عبر «تويتر» ان تراقب الحكومة الأميركية المسلمين منعاً للإرهاب. غينغريتش كان رئيس مجلس النواب وارتبط اسمه بفضائح شخصية كانت ستمنع أي سياسي آخر من البقاء في الميدان، لولا ان تطرفه في تأييد إسرائيل ومهاجمة المسلمين جعل أنصارها يحتضنونه ويقدمونه كأنه بشر سويّ. ومن غينغريتش الى جوشوا مورافتشك، وهذا مهاجر يهودي ليكودي من أوروبا الشرقية، عبر فرنسا، على ما أذكر، الى أميركا حيث يعمل في دور بحث يمينية، وأحياناً في بعض الجامعات والهيئات التي تلطخ سمعتها الطيبة بقبوله فيها. قرأت له أخيراً مقالاً عنوانه «سراب الإسلاميين المعتدلين» أكتفي منه بالعنوان الذي يشرح نفسه، ثم قوله في الفقرة الثالثة ان اسرائيل في موضوع أسطول السلام كانت ضحية «العدوان التركي»، مكرراً كلام وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان. ليبرمان حارس مواخير، ومورافتشك من الأصول نفسها في الهجرة الى بلاد الناس، والجامع الأهم بينهما هو الدفاع عن جرائم إسرائيل في وجه إدانة العالم كله. لا أستطيع أن أقدم مثلاً على تطرف إسرائيل وأنصارها بأفضل مما يفعل مورافتشك، فهو يرفض أن يكون هناك إسلاميون «معتدلون» ولا يرى ان إسرائيل تقودها حكومة من ليكود وشاس وإسرائيل بيتنا، وهذه عصابات جريمة وليست أحزاباً سياسية، وأرجح أنها ستحتجّ لو «اتُّهمت» بالاعتدال. إسرائيل اليوم هي نموذج تلك الجندية السابقة ايدن ابرغيل، التي نشرت على «فيسبوك» صورها وهي تتحرش بالأسرى الفلسطينيين وتهينهم جنسياً، كما فعلت قبلها مجندة أميركية في سجن أبو غريب. والعالم كله أصبح يرى الصورة الحقيقية هذه لإسرائيل، فلا بد أن تكون بداية النهاية، ومن دون فضل في ذلك للعرب والمسلمين أو دور، كما قلت في البداية. [email protected]