يجتاز بعض الشباب اللبنانيون الممرات الجبلية الوعرة، مثقلين بمعداتهم وحبالهم، حريصين على تصوير جميع تحركاتهم من خلال تبادل الكاميرات الفوتوغرافية والفيديو، يتبادلون الدعابات والتعليقات الساخرة بمشاركة مدربهم، تجمعهم الرغبة في الاستمتاع بمهمة واحدة اختيارية: تسلق الجبال العمودي، قليل النتوءات، ثم الهبوط عن جبل آخر لا يقل ارتفاعه عن الخمسين متراً من دون ان يسمح تكوينه بالاتكاء عليه. تستهوي هذه التجربة من يسعى الى خوض المغامرات، من النوع الرياضي، واختبار قدراته الجسدية والنفسية، والتقنية ايضاً مع ما تحمله هذه الهواية من تحد وتفاعل مع الطبيعة الجغرافية. يمارس المدرب بيار ابي عون هذه الهواية منذ حوالى أربعة عشر عاماً، لتصبح جزءاً من عمله كمدير لمؤسسة تُعنى بتنظيم نشاطات التسلق على الجبال واكتشاف المغاور في لبنان والأردن وسورية. ولا يزال يتحدث عن احساسه بالمتعة في ممارستها، بطريقة لا تخلو من الشاعرية و"كأنه عصفور صغير يحلق بين الجبال بأحاسيس متناقضة تجمع بين الخوف والجرأة والمتعة"، فتقتصر خصوصية هذا الإحساس وفرادته على المتسلق فقط حيث "لا يمكن أي مكان او عمل على الأرض ان يمنحه هذا الإحساس". يتبادل الشباب في ما بينهم بعض النظرات المعبّرة عن الخوف من خوض التجربة امام رهبة المكان المرتفع. وتؤكد الإشارة في يد حسيب خزامي تسارع دقات قلبه وموافقة زميلته في دراسة Physical ژducation اميرة الدايي على مشاركته الإحساس نفسه. من جهته، يرى متري سركيس ان الفتيات هن أكثر من يشعرن بالخوف، وقد تدعم ألسي فغالي هذه النظرية بعد ترددها في الهبوط عن الجبل وتكرارها أسئلة سبق ان شرحها المدرب وأخيراً تلاوتها لكل ما تعرفه من صلوات ودعوات، غير ان امتناع خالد مرحبا عن النزول بشكل مطلق وتذرعه بألم في يده، لا يكرس أبداً نظرية الحاجة الى عضلات رجولية وتفوقها على العنصر الأنثوي. يتلقى الشباب التحضيرات التقنية بشكل جماعي، وتستغرق التجارب العملية حوالى الشهرين بمعدل يوم او يومين في الأسبوع، وذلك بحسب اختلاف القدرات الجسدية والنفسية للشباب. وتتم المحاولات الأولى على جبل لا يتجاوز ارتفاعه خمسة عشر متراً ثم يزداد الارتفاع تدريجاً. يعمل أبي عون على توفير عناصر الأمان لممارسي هواية تسلق الجبال من خلال تأمين المعدات التي تطابق المواصفات الأوروبية، ويعمل على استبدالها في الفترات المحددة. يرتدي كل شاب متسلق قبعة بلاستيكية ليحمي رأسه عند تعرّضه لأي ارتطام بالصخور، أو تجنباً للحجارة المحتمل ان تتساقط عليه من الأعلى. اضافة إلى استخدام ما يشبه المشد Arnژ المؤلف من نوع خاص من القماش والألياف والمصنوع بطريقة تشد الحوض وتسمح بتعليق الحلقات المعدنية التي تشكل حلقة الوصل بين المشد والحبال. تعلق الحبال، التي تحمل ما يمكن ان يتراوح وزنه بين اثنين أو ثلاثة أطنان، في الجبال باستخدام التضاريس الطبيعية أو الأشجار القوية، أو يتم اللجوء الى استخدام حلقات عدة معدنية تثبت في احد المواقع القوية من الجبل بطريقة مدروسة ودقيقة. وينتعل المتسلق حذاء خاصاً يسهل عليه عملية تثبيت القدم على الصخور لأن صناعته تسمح باستخدام كل أصابع القدم، وهو أمر مهم في التسلق. تعلق إليان شلهوب، الطالبة في إدارة الأعمال، على ضرورة الوثوق بالمعدات والحبال وقدرتها على حماية المتسلقين من السقوط، الى جانب الالتزام بتعليمات المدربين طبعاً. وهو ما شعرت به اثناء هبوطها عن الجبل، على عكس ما توقعت، فأخذت معظم وقتها لمشاهدة المناظر الطبيعية من موقع لن تتمكن من "التحليق" فيه باستمرار. من جهته، وبعكس ما شعرت به إليان، فقدَ نصوح الصمد طالب العلوم السياسية اي شعور بالثقة، فأخذ يشكك بقدرة الحبال على حمله وباحتمال ان يُفك الحبل من مكان تثبيته أو أن يقوم احدهم بقطعه فيسقط على الصخور. "عن جد بتخوف"، قالها وهو يلهث معتبراً أن وصوله الى الأرض بخير ليس سوى "مسألة حظ جيد" بعيداً من المعدات وما تعلمه من تقنية الهبوط. عبّر بعض الشباب عن رغبتهم في إعادة الكرّة لتجربة الجبال الأكثر ارتفاعاً ووعورة، في حين فقدت تأكيدات الآخرين تعابير الحماسة الحقيقية. يهتم أبي عون والفريق المعاون له من اصحاب الاختصاصات المختلفة في الآثار أو السياحة أو الأعمال، بتنظيم معظم النشاطات التي تتم في الهواء الطلق والتي تبعد في ممارستها من استخدام الآلة وكل ما يضر بالبيئة. ويعتمد فريق العمل على خبرات افراده الطويلة في التسلق الى جانب إلمامهم بالإسعافات الأولية التي يعتبرها ابي عون "أساسية لنجاح عملهم في غياب المؤسسات التي تعنى بالإنقاذ في الجبال كما في أوروبا مثلاً"، حتى أنهم يشكلون في احيان كثيرة مرجعاً للهيئات الرسمية أو العسكرية في لبنان، لإعانة احدهم إذا تعرض لمشكلة في الجبال. ولا يخفي أبي عون تخوفه مما يمكن ان يلحق بهذه الرياضة من إساءات، بسبب تهور بعض الشباب وممارسة اي منهم هوايته في بشكل منفرد غافلاً ما يمكن ان يتعرض له في الجبال. إضافة الى ادعاء البعض الخبرة في هذا المجال واصطحابهم الشباب الى الجبال لتدريبهم، لمجرد انهم تسلقوا في أحد الأيام جبلاً.